السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الحقيقة والمجاز في صفات الله تعالى -3

وليست هذه المعاني المحدثة المستحيلة على الله تعالى هي السابقة إلى عقل المؤمنين

الحقيقة والمجاز في صفات الله تعالى -3
ياسر برهامي
الخميس ١٣ أكتوبر ٢٠١٦ - ٢١:٤٠ م
1422

الحقيقة والمجاز في صفات الله تعالى (3)

كتبه / ياسر برهامي

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- عبدُه ورسولُه، ثم أما بعد..

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحِمَه الله تعالى-: "وليست هذه المعاني المحدثة المستحيلة على الله تعالى هي السابقة إلى عقل المؤمنين، بل اليد عندهم كالعلم والقدرة والذات، فكما كان علمنا وقدرتنا وحياتنا وكلامنا ونحوها من الصفات أعراضًا تدل على حدوثنا يمتنع أن يوصف الله سبحانه بمثلها، فكذلك أيدينا ووجوهنا ونحوهـا أجسامًا كـذلك محدثـة، يمتنـع أن يوصـف الله تعالى بمثلها"‏.‏

(1) العرَض: هو ما يعرِض للذوات وليس موجودا بوجودها، وهو عند المتكلمين خلاف الجوهر، ويطلقونه على الصفات والأفعال، والصفات التي وردت في الكتاب والسنة صفاتٍ لله نوعان:

1_ صفات هي عندنا أعراض كالعلم والقدرة والسمع.

2_ وصفات هي عندنا أبعاض، -أي: أجزاء- كاليدين والساق والعينين.

فكما كان إثبات الصفات التي هي عندنا أعراض، لم يستلزم التمثيل ولا الحدوث، فكذلك لابد أن يكون إثبات الصفات التي هي عندنا أبعاض لا يستلزم التمثيل ولا الحدوث، ولا يجوز أن تسمى صفات الرب أعراضا ولا أبعاضا قياسيا على المخلوقين، فالله سبحانه ليس كمثله شيء حتى يقاس به، قياس تمثيل أو تشبيه، فالواجب أن نثبت كل الصفات الواردة في الكتاب والسنة دون فرق، ودون استعمال الألفاظ الموهمة التي يستعملها أهل البدع ليردّوا النصوص.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ثم لم يقل أحد من أهل السنة: إذا قلنا: إن لله علما وقدرة وسمعا وبصرا أن ظاهره غير مراد، ثم يفسر بصفاتنا؛ فكذلك لا يجوز أن يقال: إن ظاهر اليد والوجه غير مراد، إذ لا فرق بين ما هو من صفاتنا جسم أو عرض للجسم.

ومن قال: إن ظاهر شيء من أسمائه وصفاته غير مراد فقد أخطأ، لأنه ما من اسم يسمى الله تعالى به إلا والظاهر الذي يستحقه المخلوق غير مراد به فكان قول هذا القائل يقتضي أن يكون جميع أسمائه وصفاته قد أريد بها ما يخالف ظاهرها، ولا يخفى ما في الكلام من الفساد".

(2) فاسم السميع مثلا لو قلنا ظاهِره السمع الذي يحصل للمخلوق بسبب وصول الموجات الصوتية إلى طبلة الأذن، فتهتز فتنقل هذه الاهتزازات إلى العظام، ثم الأعصاب، ثم إلى مركز السمع في المخ، فيدرك الإنسان الصوت، وهذا غير مراد في حق الله تعالى، فاللازم من هذا الكلام أن اسم السميع من أسماء الله ظاهره غير مراد، وهكذا في كل الأسماء. وهذا الكلام باطل بلا شك، بل إن هذا الذي ذكر عن الظاهر هو الظاهر في حق المخلوق، وليس في حق الخالق سبحانه، فلا يجوز أن يقال هذا ظاهر أسماء الله وصفاته.

قال شيخ الإسلام: "والمعنى الثاني- أن هذه الصفات إنما هي صفات الله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله، نسبتها إلى ذاته المقدسة كنسبة صفات كل شيئ إلى ذاته فيعلم أن العلم صفة ذاتية للموصوف ولها خصائص، وكذلك الوجه، ولا يقال: إنه مستغن عن هذه الصفات، لأن هذه الصفات واجبة لذاته، والإله المعبود سبحانه، هو المستحق لجميع هذه الصفات".

(3) فالصفات إذا أضيفت أو نسبت إلى ذوات مختلفة سبق إلى الذهن ما يليق بهذه الذوات، ولم يسبق إلى الذهن التمثيل لاختلاف الذوات، فلو قلت: رأس، فأضفتها إلى الطريق، فقلت: (( رأس الطريق))، أو أضفتها إلى الجبل، فقلت: ((رأس الجبل))، أو أضفتها إلى الإنسان، فقلت: ((رأس الإنسان))، أو أضفتها إلى السنة، فقلت: ((رأس السنة))، أو إلى الدبوس، فقلت: ((رأس الدبوس))، لسبق في كل مرة كيفية مختلفة عن غيرها، بحسب معرفة السامع بالذوات المختلفة ولا يسبق إلى ذهنه التشبيه، بل الاختلاف في الكيفية، ولما كانت ذات الرب سبحانه لا تدرك كيفيتها، فكذلك إذا أضيفت الصفة إلى الله علمنا قطعا أنها تخالف كيفية صفات المخلوقين، ولم ندرك كيفية الصفة وإن كنا نعلم المعنى بالقدر المشترك الموجود في الذهن -لا في الخارج- والذي بدونه لا يمكن فهم معاني الكلام في دين ولا دنيا، فلو قلنا: ((يد الباب))، و((يد الإنسان))، و((يد الملعقة))، لسبق إلى الذهن كيفيات متفاوتة، فإذا قلنا: ((يد الله مبسوطة)) لسبق إلى الذهن مخالفة كيفية يد الله لكيفيات صفات المخلوقين، لأن ذاته ليست كذواتهم، وفي الوقت نفسه لانعرف كيفية معينة ليده سبحانه، لأننا لا نعرف كيفية ذاته، وإن كنا ندرك المعنى الذي تستعمل فيه هذه الكلمة.

قال شيخ الإسلام: "وليس غرضنا الآن الكلام مع نفاة الصفات مطلقا، وإنما الكلام مع من يثبت بعض الصفات ".

(4) وهم الأشاعرة، أما نفاة الصفات مطلقا، فهم الجهمية والمعتزلة.

ونستكمل في مقالات قادمة بإذن الله تعالى ..

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة