الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ

سالة لأصحاب هذا الطريق الذين تضيق صدورهم من طبيعته الوعرة، المليئة بالشبهات والشهوات والمكائد من أعداء المنهج بكل أطيافهم

وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ
خالد آل رحيم
الثلاثاء ١٨ أكتوبر ٢٠١٦ - ١٠:٣٣ ص
1012

وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

توصيف رائع لحال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أمر أن يبلغ رسالة ربه، وأعظم منه وصف العلاج لما يجد من ضيق الصدر؛ ففي أواخر سورة الحجر قال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)

 قال البقاعي: أي تحقق وقوع علمنا -على ما لنا من العظمة- أنك -على ما لك من الحلم وسعة البطان- أنه يوجد ضيق ويتجدد.

قال ابن عاشور: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ) مؤكداً هذا التأكيد البالغ، الصادر عن مقام تسخط بالغ وكبرياء؛ لينفس عن حبيبه -صلى الله عليه وسلم- أشد التنفيس، ثم أرشده إلى ما هوأعلى من ذلك فقال له: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ)، وهذا بداية العلاج، فأمره بالتسبيح والسجود ودوام العبادة.

 قال البقاعي: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ، أي: نزهه عن صفات النقص التي منها الغفلة عما يعمل الظالمون، مثبتاً له صفات الكمال والتي منها إعزاز الولي وإذلال العدو، ثم قال: (وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) أي: كوناً جبلياً لا انفكاك له، ومن الساجدين أي: من المصَلّين الذين يخضعون له خضوعا دائماً، وهي من أعظم الخضوع له، قال: وعبّر بالسجود إشارة إلى شرفه وما ينبغي  من الدعاء فيها لاسيما عند الشدائد؛ ولذلك قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة)، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. وعند النسائي عن علي -رضي الله عنه- قال: (لقد رأيتنا ليلة بدر، وما فينا إنسان إلا نائم، إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه كان يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح)، وعند أحمد: (لقد رأيتنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح).

قال في الدرر: ولما أمره بعبادة خاصة، أتبعه بالعامة فقال: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ) أي داوم على عبادة المحسن إليك (حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) أي الموت.

قال الرازي: وهذا دليل على أن شرف العبد في العبودية، وأن العبادة لا تسقط عن العبد بحال مادام حياً.

ولذلك كان -صلى الله عليه وسلم- يقول -كما ذكر صاحب "أضواء البيان"- عن ابن مردويه، عن أبي الدرداء، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكون من التاجرين، ولكن أوحي إلي أن سبح (بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).

فهذه رسالة لأصحاب هذا الطريق الذين تضيق صدورهم من طبيعته الوعرة، المليئة بالشبهات والشهوات والمكائد من أعداء المنهج بكل أطيافهم؛ ولذلك نقول لمشائخنا ودعاتنا ولإخواننا، كما قال تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة