الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف

ذكر في أول كتاب الإبانة: أنه سائر على درب الإمام أحمد ووصفه بأنه إمام أهل السنة

موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف
إيهاب شاهين
الثلاثاء ٠١ نوفمبر ٢٠١٦ - ١٣:٥٢ م
1995

موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

أبو الحسن الأشعري ذلك الاسم العلم الذي علا ذكره الآن في الآفاق وأثيرت حوله شبهات هل هو حقا ظل علي مذهب الأشاعرة الذي فيه  تفويض وتأويل للصفات إلي أن مات أم أنه انتقل إلي مذهب السلف الصالح في آخر حياته  ومات الأشعري سني ، والمستقرأ لحال الشيخ أبي الحسن الأشعري يري أنه قد مر بثلاث مراحل في حياته الإعتقادية بداية بمنهج المعتزلة ومرورا بمنهج الكلابية وإنتهاء بمنهج أهل السنة ، والذي ندور حول تحقيقه في هذه المراحل الثلاث المرحلة الأخيرة وهي عودته إلي السنة فبثبوت هذه المرحلة يتبين أن الأشعري رحمه الله مات سنيا علي مذهب الإمام أحمد الذي هو منهج الصحابة والتابعين وحتي لا يطول المقام سنكتفي في هذا المقال بإثبات المرحلة الأخيرة وهي مرحلة العودة إلى السنة لأبي الحسن الأشعري دون التعريج علي مرحلة الإعتزال وإعتناق الكلابية مذهبا ، وذلك من خلال كتاب الأشاعرة في ميزان أهل السنة للشيخ فيصل بن قزار الجاسم (بتصرف).

لقد مرت الأشعرية بمراحل قبل أن تستقر إلى ما هي عليه الآن، فقد كان أبو الحسن الأشعري على طريق المعتزلة، ثم تركهم وسلك طريق ابن كلاب، ثم في آخر حياته سلك سبيل السنة، واقتفى أثر الإمام أحمد فألف "الإبانة" وعليها اعتمد الحافظ ابن عساكر في إثبات عقيدته في كتابه "تبيين كذب المفتري". واعتمده الحافظ أبو بكر السمعاني في كتابه "الاعتقاد"، وحكى عنه في مواضع منه، ولم يذكر من تواليفه سواه.

وهذا المذهب الذي استقر عليه أخيراً قد بينه أيضاً في أواخر ما ألف مثل "مقالات الإسلاميين" و "رسالة إلى أهل الثغر" وهي مطبوعة متداولة.

وهذه المرحلة الأخيرة، يدل على ثبوتها أمور:

أولاً: أنها مرحلة قد أثبتها المؤرخون وعلى رأسهم الحافظ ابن كثير وهو من هو في التاريخ وسعة الاطلاع.

فقال: ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال:

أولها: حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة.

الحال الثاني: إثبات الصفات العقلية السبع وهي: الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام. وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك.

الحال الثالث: إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جرياً على منوال السلف، وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخراً.) اهـ.

وأشار إليها الذهبي في السير فقال: (قلت: رأيت لأبي الحسن أربعة تواليف في الأصول، يذكر فيها قواعد مذهب السلف في الصفات، وقال فيها: تمر كما جاءت، ثم قال: وبذلك أقول وبه أدين ولا تؤول) اهـ.

بل ونص عليها في كتابه العرش قائلاً: (ولد الأشعري سنة ستين ومائتين، ومات سنة أربع وعشرين وثلاثمائة بالبصرة رحمه الله، وكان معتزلياً ثم تاب، ووافق أصحاب الحديث في أشياء يخالفون فيها المعتزلة، ثم وافق أصحاب الحديث في أكثر ما يقولونه، وهو ما ذكرناه عنه من أنه نقل إجماعهم على ذلك، وأنه موافق لهم في جميع ذلك، فله ثلاثة أحوال: حال كان معتزلياً، وحال كان سنياً في بعض دون البعض، وكان في غالب الأصول سنياً، وهو الذي علمناه من حاله .

قال الأشعري في كتابه "الإبانة" الذي هو آخر مؤلفاته بعد كلام طويل: "الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم ، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان عليه أحمد بن حنبل نصر الله تعالى وجهه قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون" انتهى.

إن ما قرره أبو الحسن الأشعري في "الإبانة" و"مقالات الإسلاميين" و"رسالة إلى أهل الثغر" من مسائل المعتقد ومنه صفات الله تعالى موافق لمعتقد السلف، ومخالف لما عليه الأشاعرة.إذ أنه قد أثبت الصفات لله تعالى على ظاهرها، ومنع من تأويلها، وعد من تأولها مبتدعة وجهمية، كما سبق نقل كثيرٍ من كلامه في ثنايا الكتاب، وهذا يمنع تماماً أن يكون قد قرر فيه التفويض الذي يزعمه الأشاعرة، بل إنه صرح بأن الصفات حقيقة، وأوجب الأخذ بالظاهر، وبين أن آيات الصفات مفهومة معلومة، ورد على من تأولها وأخرجها عن حقيقتها. وهذا يؤكد أنها تمثل مرحلة مغايرة عن مرحلته الكلابية.

وقال الإمام القاضي كمال الدين أبو حامد محمد بن درباس المصري الشافعي(659 هـ) في رسالته "الذب عن أبي الحسن الأشعري": (فاعلموا معشر الإخوان ... بأن كتاب "الإبانة عن أصول الديانة" الذي ألفه الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، هو الذي استقر عليه أمره فيما كان يعتقده، وبما كان يدين الله سبحانه وتعالى بعد رجوعه عن الاعتزال بمن الله ولطفه. وكل مقالة تنسب إليه الآن مما يخالف ما فيه، فقد رجع عنها، وتبرأ إلى الله سبحانه وتعالى منها. كيف وقد نص فيه على أنه ديانته التي يدين الله سبحانه بها، وروى وأثبت ديانة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث الماضين، وقول أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين، وأنه ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله. فهل يسوغ أن يُقال: أنه رجع إلى غيره؟ فإلى ماذا يرجع تراه!. يرجع عن كتاب الله وسنة نبي الله، خلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون، وأئمة الحديث الماضين، وقد علم أنه مذهبهم ورواه عنهم. هذا لعمري ما لا يليق نسبته إلى عوام المسلمين، كيف بأئمة الدين.. -إلى أن قال: (وقد ذكر هذا الكتاب، واعتمد عليه وأثبته عن الإمام أبي الحسن رحمه الله، وأثنى عليه لما ذكره فيه، وبرأه من كل بدعة نسبت إليه، ونقل منه إلى تصنيفه: جماعة من الأئمة الأعلام من فقهاء الإسلام، وأئمة القراء، وحفاظ الحديث وغيرهم –ثم ذكر جماعة منهم) اهـ.

إن أبا الحسن الأشعري ذكر في أول كتاب الإبانة: أنه سائر على درب الإمام أحمد ووصفه بأنه إمام أهل السنة، ولم ينتسب قط لابن كلاب ولا اعتزى إليه في شيء من كتبه الموجودة. ومعلوم أن ابن كلاب كان مبايناً لطريق الإمام أحمد، وأن الإمام أحمد كان ينهى عن الكلابية وكبارهم كالحارث المحاسبي وأصحابه، ويصفهم بالجهمية، كما سبق تقريره، وهذا مشهور مستفيض عنه، فلو كان الأشعري على طريق ابن كلاب لما انتسب إلى الإمام أحمد، مع علمه بنهيه عن ابن كلاب وتحذيره من طريقته.

وكان من أسباب انتقاله إلى السنة، وتركه للمذهب الكلابي، التقاؤه بمحدث البصرة الحافظ زكريا الساجي، وهو الذي أخذ عنه معتقد أهل السنة.

قال الذهبي في ترجمة الساجي: (وكان من أئمة الحديث، أخذ عنه أبو الحسن الأشعري مقالة السلف في الصفات، واعتمد عليها أبو الحسن في عدة تآليف) اهـ.

وقال في العلو: (وكان الساجي شيخ البصرة وحافظها، وعنه أخذ أبو الحسن الأشعري الحديث ومقالات أهل السنة) اهـ. وبهذا النقل يتبين أن الأشعري رحمه الله مات سنيا بما قرره في كتبه الأخيرة من إعتقاد، والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية