الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

"حَلَب" و"الموصل" والمستنقع والبَعوض

إن مستنقع "طهران" يجب أن يُدفن

"حَلَب" و"الموصل" والمستنقع والبَعوض
محمد السعيدي
الأحد ٢٠ نوفمبر ٢٠١٦ - ١٠:٠١ ص
1282

"حَلَب" و"الموصل" والمستنقع والبَعوض

كتبه/  محمد السعيدي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

يقف العالم أجمع -والعالم الإسلامي بشكل خاص- في انتظار مأساتين عظيمتين، دون أن نجد أي تحرك إسلامي أو عالمي في اتجاه منع وقوعهما أو الحد من أضرارهما على الأقل.

المأساة الأولى: تدمير "حَلَب"، من قِبَل نظام بشار وحلفائه الإيرانيين والروس، والأخرى: اجتياح "الموصل" من قبل ما يسمى بـ"الحشد الشعبي"، وتكرارهم لما فعلوه بأهل السنة من فضائع في كل المدن والقرى التي مرت بسيناريو محاربة "داعش" من "خانقين" حتى "الفلوجة".

هناك الكثيرون يقولون: إن الحالة قد وصلت إلى مستوى لم نعد قادرين فيه على أن نصنع شيئاً، فالحلقة حول سنة العراق في غاية الإحكام، إذ القوة العسكرية السُّنّية تم القضاء عليها من قِبَل من كانوا يُسمون أنفسهم "دولة العراق الإسلامية" التي احتكرت الإسلام، وبدلاً من أن تتعاون مع جميع تشكيلات المقاومة الإسلامية أو العشائرية أو الوطنية ضد المشروع الأمريكي والصفوي في العراق، قامت بتصفية كل من يقاوم الاحتلال الأمريكي والإيراني مالم يكن داخلاً تحت إمرتها، واعتبرت الجميع خونة وعملاء، وبالفعل هَيَّأ لها الأمريكيون والإيرانيون جميع الأجواء المناسبة لتقوم بإراحتهم من أعدائهم، فلما انتهت مهمة هذه الدولة المزعومة بالنسبة للمحتلين؛ قاموا بضربها وتحريض الموتورين من أهل السنة من فعلاتها القبيحة على المشاركة في قتالها، فيما عُرِفَ فيما بعد بـ"الصحوات".

فالمقاومة العراقية السُّنّية موؤودة منذ ذلك الحين، وحتى لما أرادت أن تتنفس الصعداء وتنهض فيما عُرِف بـ"اعتصام الأنبار" جاءت "داعش" بأعلامها وسياراتها لتفض ذلك الاعتصام الذي استمر عاماً كاملاً، وتنقذ حكومة "المالكي" من النتائج الإيجابية المنتظرة لذلك الاعتصام، وفي الوقت المناسب.

والدول السُّنّية القادرة على دعم السُّنّة أُغْلِقَت في وجهها كل الطرق لدعم السُّنّة عسكرياً، فأولاً لم يعد هناك كتائب على السطح يمكنها الاستفادة من العون العسكري، وثانياً "داعش" التي تزعم أنها سُنّية هي من تقف في طريق وصول أي سلاح لـ"سُنّة العراق"، بل عملت -في كل المناطق التي كانت فيها- على نزع السلاح من أي مقاومة سُنّية ولو ضعيفة لا تنتسب إليها.

الواضح حقاً: أن "السُّنّة" في "الموصل" لم يعد أمامهم سوى النزوح أو مواجهة مصيرهم على يد "الحشد الشعبي"؛ لأن "داعش" لن تصنع لهم إلا كما صنعت لأهل "تكريت" و"الفلوجة"، مِثلاً بمثلٍ، سواءً بسواءٍ.

بقي الجيش التركي المتمركز حالياً قريباً من "الموصل" في أعداد قليلة غير قادرة على مواجهة "الحشد الشعبي" لمنعه من أي تجاوز على البلاد والعباد بعد خروج "داعش".

أما "حَلَب"، فقد يقول القائل: إن الكتائب المدافِعة عنها في مواجهة النظام وحلفائه قادرة على الصمود إذا تم دعمها بكثافة، لكنه صمود استنزاف لا يحسم المعركة، بل يطيلها فقط، وهذا النوع ليس في صالح أحد سوى الأطراف المتفرِّجة، والمستفيدة من هذا الصراع وعلى رأسها العدو الصهيوني.

المؤسف حقاً أن كل ما تقدم صحيح، والمؤسف أكثر أنه ليس كل ما في الصورة، فالمشهد أكثر تعقيداً وأسوأ من ذلك بكثير، لكن هل يعني هذا أنه لم يعد بالإمكان عمل شيء، وأن ما علينا سوى انتظار الأخبار؟، ومتى ستخرج "داعش" من "الموصل" كما خرجت من قبل من جميع المدن والقرى العراقية التي زعمت أنها احتلتها؛ ليدخل "الحشد الشعبي" ويهجّر أهل السُّنّة العراقيين من أكبر عواصمهم في العراق؛ استكمالاً لتغيير التركيبة السكانية في العراق كله لصالح المشروع الإيراني؟ وهل علينا أن نبقى نعد القتلى في "حَلَب" من كلا الطرفين، قُتِل اليوم من جنود النظام عشرون وقتل أمس من المجاهدين عشرة؟ هل نبقى ليس في أيدينا غيرُ ذلك؟

الجواب -فيما يظهر لي- نستفيده من قصة (البعوض والمستنقع)، فأنت حينما تحارب البعوض قي أماكن تواجده، فلن ينقضي البعوض، ولن تنتهي أماكن تواجده، بل كلما حاربته في جهة ستجده في جهة أُخرى أو جهات متعددة؛ لذلك عليك أن تتجه إلى المستنقع -حيث تلقي إناث البعوض بيضها- وتقوم بدفنه، هنالك لن تلبث حتى يسقط البعوض من تلقاء نفسه أينما توَجَّه.

آن الأوان لنعلم جيداً أن المستنقع الذي تتولد منه كل الشرور المحيطة بنا في العراق والشام واليمن هو إيران، وإن لم تعمل دول الخليج والعالم العربي والإسلامي على إسقاط نظامها، فلن تنتهي جيوش البعوض المنطلقة منها، وإذا كنا نواجهها اليوم في ثلاث دول، فلعل الأيام المقبلة سترينا أسرابها في مصر أو السودان أو عمان، بل ربما نراها في تركياً أو في داخل بلداننا الخليجية نفسها.

ولكن كيف يكون ذلك، وماهي أسرع السبل لإسقاط النظام الإيراني؟

الجواب: يجب أن تعمل دول الخليج بجدية لإعادة الحصار على إيران، وأن تستخدم ما تبقى لها من ثقل دولي في عزلها عن العالم.

إننا نأسف كثيراً حينما نكتشف أن أغنى ثلاث دول خليجية، قطر -الكويت- الإمارات، لاتزال لها تعاملات اقتصادية -من تحت الطاولة ومن فوقها- مع إيران، وكأن هذه الدول تتصور أن حقيقة الصراع في المنطقة إنما هو بين السعودية وإيران، وأن لعبها على الحبلين يضمن لها خيارات جيدة فيما لو كانت النهاية لصالح إيران أو كانت لصالح السعودية؛ إن هذا الموقف المنافق لا يُمكن أن يعبر عن دعاوى الأخوّة والمصير الواحد التي طالما رددها زعماء الخليج في كلماتهم الافتتاحية والختامية في قمم التعاون الخليجي.

ويجب أن توقِن تركيا أنها كانت مُذْنِبة في حق دينها وأمتها الإسلامية حين اشتغلت لمدة عشر سنوات كرِئَةٍ تتنفس منها إيران إبان الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية التي فُرِضَت عليها، وأنها باستمرار علاقاتها المتعددة، التجارية والصناعية والزراعية والثقافية مع إيران تُسَوِّد كل صفحة بيضاء حاولت فتحها في العلاقات الإسلامية التركية.

وإذا كان الرئيس التركي وصف أي لقاء مفترض بينه وبين الرئيس السيسي بأنه غير أخلاقي؛ فإننا نصف جميع اللقاءات التي تمت وتتم بين الرئيس التركي والإيراني أو بين أي مسؤول تركي بأي مسؤول إيراني بأنه لقاء إجرامي في حق الأمة والدين، لاسيما وتركيا ليست مضطرة اقتصادياً لهذه العلاقات الآثمة.

يجب على دول الخليج مجتمعة وتركيا لا أن يقاطعوا إيران وحسب، بل عليهم أن يقايضوا مجتمعين علاقاتهم التجارية والعسكرية بينهم وبين الصين والهند والباكستان ودول شرق آسيا ودول شرق أوروبا والاتحاد الأوروبي بعلاقات تلك الدول بإيران.

إعلان مثل هذا التضامن ضد إيران يجب أن يكون عاجلاً، وإن أي خسارة اقتصادية يحققها هذا التضامن بين هذه الدول ضد إيران أهون بكثير من الخسائر الأكثر فداحة لو نجح المشروع الإيراني الصهيوني في تحقيق مآربه في المنطقة.

نعم، إن مستنقع "طهران" يجب أن يُدفن، وإن مثل هذا التحالف الاقتصادي لو تم بجدية ودون نفاق وانتهازية سيشكل أول وأكبر رتل من أرتال عربات الدفن التي ستقضي حتماً على أقذر وأخطر مرض أصاب أمة الإسلام بعد انتهاء فترة الاحتلال العسكري الأوروبي للعالم الإسلامي والذي انتهى قبل عقود.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com