الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ

صفة مذمومة، ذمّها الله تعالى في كتابِه، وذمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سُنّته

مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ
خالد آل رحيم
الثلاثاء ٢٢ نوفمبر ٢٠١٦ - ١١:٤٤ ص
1102

مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

جملة قرآنية وردت على لسان قوم نبي الله شُعَيب -عليه السلام- في الرد عليه؛ لما دعاهم لاتباع دعوة الحق، وعبادة الله وحده لا شريك له، ولكنهم تعلّلوا بعدم فقههم ما يقول، وهذا عذر أقبح من ذنب -كما يقولون-.  

وعدم الفقه (البلادة) وهو رأس كل بَلِيّة ورَزِيّة أصابت الأمة، بل والأمم السابقة،

والبلادة -كما عرّفها العلماء لغةً- ضد الذكاء؛ قال ابن منظور: ورجل بليد إذ لم يكن ذكياً.

واصطلاحاً: هي ضعف الفكر في الأشياء العملية، التي تتعلق بحسن التدبير وجَودة المعاش، ومخالطة الناس والمعاملة معهم ..

 وقد ذمّ الله تعالى البلادة -عدم الفقه- في كثير من آيات القرآن الكريم، محذراً ومبيناً عظمه جرم من يتحلى بهذه الصفة الذميمة، بل ووصف أهل جَهَنّم بهذه الصفة فقال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا).

ولذلك نعَتَ الله تعالى الذين لا يفقهون بأنهم لا يعرفون الحق؛

فقال تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ)، وقال: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)، وقال عزّ وجلّ: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) وقال: (إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ).

ومن أهم صفات المنافقين أنهم لا يفقهون؛

وقد ذكر الله تعالى هذا الأمر  في غير آية من القرآن الكريم، بقوله جل وعلا: (فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ)، وقوله: (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ)، وقوله: (وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)، وقوله: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ)، وقوله: (بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)، وقوله: (لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ).

وقد ذم النبي -صلى الله عليه وسلم- البلادة (عدم الفقه)؛

كما ورد في البخاري عن عديّ بن حاتم -رضي الله عنه- قال: قلت يارسول الله: ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟ أهما الخيطان؟ قال: إنك لعريض المنكبين إن أبصرت الخيطين؛ ثم قال: لا، بل هو سواد الليل وبياض النهار. (وعريض المنكبين كناية عن البلادة).

وكذلك السلف، كانوا يحذرون من هذه الصفة الذميمة؛

فعن طاهر الزهري قال: كان رجل يجلس إلى أبي يوسف فيطيل الصمت؛ فقال له أبو يوسف: ألا تتكلم؟ قال: بلى، متى يُفطر الصائم؟ قال: إذا غابت الشمس. قال: فإن لم تغب إلى نصف الليل؟ فضَحِك أبو يوسف، وقال: أصبت في صمتك، وأخطأت أنا في استدعائي لنطقك؛ ثم قال:

عجبت لإزراء العيي بنفسه .... وسمت الذي قد كان بالصمت أعلما

وفي الصمت ستر للعيي وإنما ..... صحيفة لب المرء أن يتكلما

وقال الخليل بن أحمد: الناس أربعة:

رجل يدري، ويدري أنه يدري؛ فذاك عالم، فَخُذوا عنه.

ورجل يدري، وهو لا يدري أنه يدري؛ فذاك ناسٍ فذَكِّروه.

ورجل لايدري، وهو يدري أنه لا يدري؛ فذاك طالبٌ فعَلِّموه.

ورجل لايدري، ولا يدري أنه لايدري، فذاك أحمقٌ فارفضوه.

ويقول الأصمعي: "إذا أردت أن تعرف عقل الرجل في مجلس واحد؛ فحدِّثْه بحديث لا أصل له، فإن رأيتَه أصغى إليه وقَبِله فاعلم أنه أحمق، وإن أنكره فهو عاقل".

فهذه صفة مذمومة، ذمّها الله تعالى في كتابِه، وذمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سُنّته، ولذلك كان سلف هذه الأمة يمقتون من تحلى بها، لأنها من أسباب البلايا والرزايا التي أصابت الأمة، وجعلت الرويبضة يتصدرون الأمر، والرجل التّافِه يحكم في النوازل والمُلِمّات دون فقه ولا دارية.

ولذلك كانت أعظم دعوة من النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجلٍ من أحبِّ الناس إليه، وهو ابن عباس -رضي الله عنهما- هي قوله: (اللهم فَقِّهه في الدين ... الحديث)، وهذا أعظم دليل على أهمية التفَقُّه، وخصوصاً في الدين والشريعة.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يفقَه دِينَه وسُنّة نَبِيِّه -صلى الله عليه وسلم-، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة