الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

آداب التخلي -1

نظم الإسلام كل شئون المسلم العامة والخاصة

آداب التخلي -1
محمد إسماعيل المقدم
الخميس ٢٤ نوفمبر ٢٠١٦ - ١١:٣٦ ص
4614

آداب التخلي [1]

 محمد إسماعيل المقدم

لقد نظم الإسلام كل شئون المسلم العامة والخاصة، بل نظم أخص المسائل وأدقها بالنسبة للمسلم، فقد وضع أحكاماً وآداباً للاستنجاء وقضاء الحاجة، وبيَّن ما يكره وما يستحب في هذه المسألة، وهذا دليل على شمولية هذا الدين وعمومه.

مقدمة بين يدي باب الاستنجاء وآداب التخلي

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

اللهم صل على محمد النبي الأمي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

دين الإسلام هو دين حياتي، يتعامل مع الحياة، وينظم كل شئون المسلم، حتى في الأمور التي هي أصلاً من العادات، فالشرع تعرض لها بأمر أو نهي، وبذلك تنتقل من العادة المحضة إلى العبادة، بحيث يصير هذا المأمور به أو المنهي عنه حداً من حدود الله تبارك وتعالى.

 

فينبغي أن يتعبد المسلم بطاعة ربه والاقتداء بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم فيما شرع من هذه الأشياء، وقد تعجب بعض أهل الكتاب من هذه الطبيعة للإسلام، فقال بعضهم لأحد الصحابة رضي الله عنهم: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة! يعني: قضاء الحاجة.

 

ويقول بعض الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً إلا ذكر لنا منه علماً، ولا طائراً يطير بجناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً)، فصلى الله عليه وآله وسلم.

 

فهذا هو الإسلام وهذا الدين إذا نظرت إليه من أي زاوية من الزوايا قلت: إنه لا يمكن إلا أن يكون من عند الله عز وجل، وإنه الدين الحق، وشريعته الخالدة، وكلمة الله التي لا تبديل لها.

 

إذا نظرت إلى الإسلام من جانب العقيدة تجد التوحيد الذي فيه تطهير القلب وتنظيفه من نجاسة الشرك، ومن كل الأخلاق الرديئة والعقائد الفاسدة، وفيه تزكية للنفس بالعقائد الصالحة، وهكذا إذا نظرت إليه من جانب العبادات أو المعاملات أو العادات.

 

ولننظر في باب: الاستنجاء وآداب التخلي، الذي هو من الأمور الشخصية المحضة، فإن الإسلام جعل فيه تشريعاً وأمراً ونهياً وآداباً وحدوداً لله عز وجل حدها، ويجب على كل مسلم أن يتعلمها؛ كي يلتزم بها، وهذه آية من آيات تنظيم الإسلام لأدق شئون الإنسان، فما من الناس إلا وهو يحتاج إلى هذا الآداب حتى يكون متبعاً لكتاب الله ومقتدياً برسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

 

والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لا يكون فقط في الواجبات أو المأمورات، وليس فقط أيضاً في الآداب الشرعية، وإنما أيضاً في العادات المحضة، قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه الأربعين: اعلم أن مفتاح السعادة في اتباع السنة والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع مصادره وموارده وحركاته وسكناته، حتى في هيئة أكله وقيامه ونومه وكلامه، ولست أقول ذلك في آدابه فقط، بل في جميع أمور العادات، فبه يحصل الاتباع المطلق، كما قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].

 

ثم يقول: فلا ينبغي التساهل في امتثال ذلك، فتقول: هذا مما يتعلق بالعادات فلا معنى للاتباع فيه، فإن ذلك يغلق عليك باباً عظيماً من أبواب السعادة.

 

وهذا في العادات المحضة فكيف بالآداب؟! بل كيف بالأوامر والنواهي التي فيها حلال وحرام ومستحب ومكروه وواجب؟!

تعريف الاستنجاء والاستجمار والاستطابة

 

نبدأ بتوفيق الله عز وجل في ذكر بعض مسائل الاستنجاء وآداب التخلي، ونحاول أن نلتزم بالخطة الأصلية التي وضعها صاحب الكتاب الذي نشرحه وهو كتاب (منار السبيل بشرح الدليل).

 

قال المؤلف رحمه الله: [باب الاستنجاء وآداب التخلي.

 

الاستنجاء: هو إزالة ما خرج من السبيلين بماء طهور أو حجر طاهر مباح منقٍ، فالإنقاء بالحجر ونحوه أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء، ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات تعم كل مسحة المحل، والإنقاء بالماء عود خشونة المحل كما كان وظنه كافياً.

 

ويسن الاستنجاء بالحجر ونحوه، ثم بالماء، فإن عكس كره، ويجزئ أحدهما، والماء أفضل.

 

ويكره استقبال القبلة واستدبارها في الاستنجاء.

 

ويحرم بروث وعظم وطعام ولو لبهيمة، فإن فعل لم يجزه بعد ذلك إلا الماء، كما لو تعدى الخارج موضع العادة.

 

ويجب الاستنجاء لكل خارج إلا الطاهر والنجس الذي لم يلوث المحل ].

 

هذا هو الفصل الأول من هذا الباب، فيبدأ بذكر تعريف الاستنجاء.

 

الاستطابة والاستنجاء والاستجمار هي كلمات تدل على إزالة الخارج من السبيلين، والاستطابة والاستنجاء يكونان بالماء وبالأحجار، أما الاستجمار فيختص بالأحجار.

 

فالاستطابة هي: الاستنجاء بالماء أو بالأحجار، يقال: استطاب وأطاب إذا استنجى، سمي استطابة؛ لأنه يطيب جسده بإزالة الخبث عنه.

 

أما الاستنجاء فهو استفعال من نجوت الشجرة يعني: قطعتها، فكأنه بهذا التطهير قطع الأذى عنه؛ فلذلك سمي استنجاء.

 

أما ابن قتيبة: الاستنجاء مأخوذ من النجوة، والنجوة: هي ما ارتفع من الأرض؛ لأن من أراد قضاء الحاجة بحث عن شيء مستتر من الأرض فاستتر به فمنه سمي الاستنجاء.

 

أما الاستجمار فهو استفعال من الجمار، وهي الحجارة الصغيرة؛ وذلك لأنه يستعملها الإنسان في استجماره.

حكم الاستنجاء من الريح والنوم

 

مسألة: ليس على من نام أو خرجت منه ريح استنجاء.

 

يقول الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ولا نعلم في هذا خلافاً، قال الإمام أحمد : ليس في الريح استنجاء في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما عليه الوضوء، يقول: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من استنجى من الريح فليس منا) عزاه في المغني إلى الطبراني في معجمه الصغير، لكن قال الألباني في إرواء الغليل حديث رقم (45): حديث ضعيف جداً، وعزوه للمعجم الصغير وهم. إذاً: الاستنجاء من الريح ليس من الدين، بل هو بدعة.

 

وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] قال: إذا قمتم من النوم. يعني: إذا قمتم من النوم وأردتم الصلاة فاغسلوا وجوهكم، لم يأمر الشرع بالاستنجاء من الريح والنوم، ولم يأت نص بذلك، وليس هذا في معنى المنصوص عليه حتى يقاس عليه؛ لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة ولا نجاسة هنا؛ لأن النوم في حد ذاته لا يوجد به نجاسة حتى يزيلها، وكذلك إخراج الريح لا يستلزم الاستنجاء.

 

يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع: وأجمع العلماء على أنه لا يجب الاستنجاء من الريح.

 

إذاً: الدليل هنا هو الإجماع وليس الحديث الضعيف، فقد أجمع العلماء على أنه لا يجب الاستنجاء من الريح والنوم ولمس النساء والذكر، وحكي عن الشيعة أنه يجب، والشيعة لا يعتد بخلافهم، وخلافهم لا يقدح في صحة الإجماع.

 

قال الشيخ نصر في الانتخاب: إن استنجى لشيء من هذا فهو بدعة.

 

وقال الجرجاني : يكره الاستنجاء من الريح، والله أعلم.

 

شروط ما يصلح الاستنجاء به

 

ذكر العلماء شروطاً في الشيء الذي يصلح أن يستنجى به، وقد ذكر المؤلف رحمه الله حداً مختصراً جداً لهذا الأمر فقال: (الاستنجاء هو إزالة ما خرج من السبيلين بماء طهور أو حجر طاهر مباح منقٍ).

 

أي: فإذا استعمل ماء في إزالة النجاسة فيتعين أن يكون هذا الماء ماءًَ مطلقاً، فلا يصح ولا يجوز إزالة النجاسة بمائع غير الماء المطلق.

 

قوله: (أو حجر طاهر) فيه احتراز من الحجر النجس، ثم قال: (مباح منق) وسنذكر التفصيل إن شاء الله.

 الشرط الأول: الاستنجاء بالأحجار وما في معناها

 

يقول الشارح رحمه الله: [والاستجمار بالخشب والخرق وما في معناهما مما ينقي جائز في قول الأكثر]. قوله: (وما في معناهما) أي: ما يشبه الحجر؛ وذلك بأن يكون منقياً مطهراً. قال: [ وفي حديث سلمان عند مسلم : (نهانا أن نستنجي برجيع أو عظم) ]. الرجيع هو الروث، ولا يجوز الاستنجاء به لكونه نجساً، وأما العظم فلأنه زاد إخواننا من الجن. قال: [ فتخصيصها بالنهي يدل على أنه أراد الحجارة أو ما قام مقامها ]. أي: لأنه خص من الأجسام الصلبة الرجيع أو العظم. قال المؤلف: (فالإنقاء بالحجر ونحوه أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء) أي: الاستنجاء بالأحجار لا تزيل العين والأثر، إنما تزيل العين فقط وتبقي أثراً معفواً عنه؛ لعموم البلوى به، ولمشقة الاحتراز منه. وإذا استجمر أحد بالأحجار مع وجود الماء فلا بأس، وإن كانت الأحجار تزيل العين ويبقى الأثر، فإذا توضأ بعد ذلك فوضوءه وطهارته صحيحة. قال في الشرح: [ إن الإنقاء بالحجر ونحوه أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء. بأن تزول النجاسة وبلتها، فيخرج آخرها نقياً لا أثر به] يعني: يخرج آخر الأحجار نقياً لا أثر به. أما ما ذكر العلماء في شرط ما يستنجى به فيقول الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني: والخشب والخرق وكل ما أنقي به فهو كالأحجار، هذا الصحيح من المذهب -الحنبلي-، وهو قول أكثر أهل العلم، وفي الرواية الأخرى: لا يجزئ إلا الأحجار، اختارها أبو بكر، وهو مذهب داود ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأحجار، وأمره بالأحجار يقتضي الوجوب، فقالوا: لابد من الأحجار، لكن الصحيح من مذهب داود أنه يجزئ الاستنجاء والاستجمار بالأحجار أو ما قام مقامها. إذاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وليستنج بثلاثة أحجار) أخذ منه بعض الأئمة -ومنهم داود بن علي- عدم جواز الاستجمار بغير الأحجار؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالاستنجاء بالأحجار، فحينئذٍ يجب أن يقتصر على الأحجار، والأمر يقتضي الوجوب، ولأن هذا فيه رخصة، والرخصة أتت بصورة مخصوصة، فيجب الاقتصار عليها فقط كما يقتصر على التراب في التيمم. وأجاب العلماء عن ذلك فقالوا: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وليستنج بثلاثة أحجار) وشبهه من الأحاديث، إنما نص على الأحجار؛ لأن الأحجار هي غالب الموجود للمستنجي بالفضاء، ولأن أسهل شيء يستطيع أن يحصل عليه في ذلك المكان هو هذه الأحجار، فإنه لا مشقة فيها ولا كلفة في تحصيلها، فالنص على الأحجار إنما خرج مخرج الغالب، وهذا مثل قول الله تبارك وتعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ [الأنعام:151] فهذا القيد لا مفهوم له، فهل يجوز أن يستدل بهذه الآية على أنه يجوز قتل الأولاد لسبب آخر غير الإملاق الذي هو الفقر؟! لا يجوز، لكن لما كان السبب الغالب الذي كان يدعو بعض العرب في الجاهلية إلى قتل الأولاد هو الفقر نص عليه. كذلك أيضاً قوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130] فغالب الربا يكون أضعافاً مضاعفة، فلذلك نص عليه، فهل يصح أن يستدل بهذه الآية -كما فعل بعض الذين في قلوبهم مرض- على جواز الربا إذا لم يكن أضعافاً مضاعفة؟! كلا. وكذلك قوله تبارك وتعالى: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101] هل هذا فقط في حالة الخوف أم أن هذه رخصة عامة في أي سفر يقصر الإنسان فيه الصلاة؟ هي رخصة عامة، وقيد الخوف لا مفهوم له؛ لكونه خرج مخرج الغالب، وهكذا نص على الأحجار لهذه العلة. استدل الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى على أن كل ما يشبه الأحجار ويقوم مقامها له حكمها في جواز الاستجمار به بقوله: ولنا ما روى أبو داود عن حذيفة قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة؟ فقال: بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع) فلولا أنه أراد الحجر وما في معناه لم يستثن منها الرجيع، ولم يكن تخصيص الرجيع بالذكر له معنى. وفي حديث سلمان رضي الله عنه قال: (نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، وأن نستجمر برجيع أو عظم) رواه مسلم . فتخصيص النهي بالرجيع -وهو الروث- والعظم يدل على أنه أراد الحجارة أو ما قام مقامها. وروى طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أتى أحدكم البراز فلينزه قبلة الله ولا يستقبلها ولا يستدبرها، وليستطب بثلاثة أحجار، أو ثلاثة أعواد، أو ثلاث حثيات من تراب) رواه الدارقطني . وقد روي عن ابن عباس مرفوعاً والصحيح أنه مرسل، ورواه سعيد في سننه موقوفاً على طاوس . يقول الإمام البيهقي : الصحيح أن هذا من كلام طاوس وليس من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأيضاً ذكر البيهقي أن نفس هذا الحديث روي عن سراقة بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه ضعيف أيضاً. قال البيهقي : وأصح ما روي في هذا ما رواه يسار بن نمير قال: (كان عمر رضي الله عنه إذا بال قال: ناولني شيئاً أستنجي به، فأناوله العود والحجر، أو يأتي حائطاً يتمسح به أو يمسه الأرض ولم يكن يغسله) أي: يجزئ الحجر وما في معنى الحجر، لكن التراب الرخو ليس فيه معنى الحجر، ولا يقوم مقام الحجر المأمور به، لكن إذا كان تراباً مستحجراً متماسكاً متضاماً يشبه الحجارة، وأمكن الإزالة به والإنقاء؛ فيكون حكمه حكم الحجر، فإن كان رخواً لا تمكن الإزالة به لم يجزئ؛ لأنه يعلق بالمحل. ثم قال الإمام ابن قدامة مبيناً صحة الاستنجاء بالأحجار أو ما في معناها: ولأنه متى ورد النص بشيء لمعنى معقول وجب تعديته إلى ما وجد فيه المعنى. أي: متى ورد النص بشيء في معنى معقول نستطيع أن ندركه بأنفسنا وجب أن يتعدى هذا الحكم إلى ما وجد فيه نفس هذا المعنى، وهو ما يسمى بالقيد، والمعنى المعقول ها هنا أن تزال عين النجاسة، وهذا يحصل بغير الأحجار، وبهذا يخرج التيمم فلا يصح القياس على التيمم؛ لأن التيمم غير معقول المعنى، فإن التيمم رخصة غير معقولة المعنى.

 الشرط الثاني: الاستنجاء بشيء منق قالع للنجاسة

 

لابد أن يكون ما يستجمر به منقياً؛ لأن الإنقاء مشترط في الاستجمار، أما الزجاج والفحم الرخو وشبههما مما لا ينقي فلا يجزئ ولا يجوز الاستنجاء بهما، ولو كان جسماً صلباً؛ لأنه لا ينقي.

 

روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد! انه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة -الحممة هي الفحم-؛ فإن الله عز وجل جعل لنا فيها رزقاً، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك) رواه أبو داود والدارقطني والبيهقي وضعفه الدارقطني والبيهقي .

 

إذاً: فشرط الشيء الذي يستنجى به أن يكون قالعاً لعين النجاسة، ولا يشترط أن يزيل الأثر بالماء فقط.

 

ربما يقول بعض الناس: كيف نفصل في مثل هذه الأشياء ونحن الآن نعيش في المدن والأمور ميسرة إلى حد بعيد ولسنا بحاجة إلى ذلك؟!

 

نقول: قال بعض السلف: تعلم العلم فإنك لا تدري متى تحتاج إليه.

 

إذاً: فشرط الشيء المستنجى به أن يكون قالعاً لعين النجاسة، فالزجاج أو القصب الأملس أو ما يشبههما لا يجزئ كما قال الإمام النووي .

 

أما الفحم إن كان صلباً لا يتفتت أجزأ الاستنجاء به، وإن كان رخواً يتفتت لم يجزئ؛ لأن حديث النهي عن الاستنجاء بالحممة ضعيف، فبالتالي لا يصح الاستدلال به.

 

ومن استنجى بزجاج ونحوه لزمه الاستنجاء ثانياً؛ لأن الزجاج لا يقلع عين النجاسة، إنما يستنجي بالحجر أو ما في معناه.

 

فإن استنجى بالزجاج ونحوه، فتعدت النجاسة محلها؛ فحينئذٍ يتعين عليه استعمال الماء، أما إذا لم تتعد النجاسة المحل فتكفيه الأحجار.

 الشرط الثالث: الاستنجاء بالطاهر لا النجس

 

يشترط العلماء فيما يستنجى به: أن يكون طاهراً، فإن كان نجساً لم يجزئ الاستنجاء به، فإن أزال النجاسة بشيء نجس لم يجزئ، وبهذا قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة : يجزئه؛ لأنه يجفف كالطاهر.

 

يقول ابن قدامة : ولنا: (أن ابن مسعود رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة يستجمر بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذه ركس) رواه البخاري ، وفي لفظ الترمذي : (قال: إنها ركس) يعني: نجسة.

 

فهذا تعليم من النبي صلى الله عليه وسلم يجب المصير إليه، فعلل رفضه لاستعمال هذه الروثة بأنها نجسة، فيفهم من ذلك أن ما كان نجساً لا يجوز الاستجمار به.

 

أيضاً: عملية الاستجمار أو الاستنجاء أو الاستطابة هي عبارة لإزالة النجاسة، فكيف تحصل إزالة النجاسة بالنجاسة؟! وهذا مثل أن يغسل إنسان ثوباً متنجساً بالبول!

 

فإن استنجى بنجس لم يجزئه الاستجمار بعده؛ لأن المحل تنجس بنجاسة من غير المخرج، فلم يجزئ فيها غير الماء كما لو تنجس ابتداءً، ويحتمل أن يجزئه؛ لأن هذه النجاسة تابعة لنجاسة المحل فزالت بزوالها، وهذه المسألة فيها خلاف كما ذكر الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى.

 

وهذه المسألة ذكرها الإمام النووي رحمه الله فقال: ذكرنا أنه لا يجوز الاستنجاء بنجس، هذا مذهبنا ومذهب جمهور العلماء، وجوزه أبو حنيفة وغيره.

 

أي: جوز أبو حنيفة إزالة النجاسة بالروث.

 

ثم يقول النووي : ودليلنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (اتبعت النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج لحاجته فقال: أبغني أحجاراً أستنفض بها، ولا تأتني بعظم ولا روث) رواه البخاري .

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (وليستنج بثلاثة أحجار، ونهى عن الروث والرمة) والرِّمة: هي العظم البالي، والرُّمة هي الحبل، وبه سمي الشاعر ذو الرمة.

 

وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم: (فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: إنها ركس).

 

وعن سلمان قال : (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروث والعظام) رواه مسلم .

 

وعن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله وسلم أن يتمسح بعظم أو بعر) رواه مسلم .

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بعظم أو روث وقال: إنهما لا يطهران) رواه الدارقطني وقال: إسناده صحيح.

 

وحديث رويفع بن ثابت من الأحاديث الصريحة جداً في هذه المسألة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رويفع ! لعل الحياة ستطول بك بعدي فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وتراً أو استنجى برجيع دابة أو عظم؛ فإن محمداً منه بريء) رواه أبو داود والنسائي ، وقال الإمام النووي : هذا حديث إسناده جيد.

 

وهنا مسألة ذكرها الماوردي قال: لو أحُرق عظم طاهر بالنار حتى تفحم وتغير حاله فهل يجوز الاستنجاء به؟

 

الجواب: عند الشافعية في هذه المسألة وجهان: أحدهما: يجوز الاستنجاء به؛ لأن النار أحالته وحولت طبيعته.

 

الثاني: لا يجوز لعموم حديث النهي عن الرِّمة، والرِّمة هي العظم البالي، ولا فرق بين البالي بنار أو بمرور الزمان، وهذا الوجه الثاني صححه الإمام النووي رحمه الله تعالى.

 الشرط الرابع: عدم جواز الاستنجاء بما له حرمة أو متصل بحيوان

 

يشترط فيما يستنجى به: ألا تكون له حرمة، وهذه من المصائب والبلايا التي لا يلتفت لها كثير من الناس.

 

يقول الإمام ابن قدامة رحمه الله تبارك وتعالى: ولا يجوز الاستنجاء بما له حرمة، كشيء كتب فيه فقه أو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما فيه من هتك الشريعة والاستخفاف بحرمتها، فهو في الحرمة أعظم من الروث والرمة، ولا يجوز بمتصل بحيوان كَيَدِهِ وعقبه وذنب بهيمة وصوفها المتصل بها.

 

قال بعض أصحابنا: يجمع المستجمر به ست خصال: أن يكون طاهراً جامداً منقياً غير مطعوم ولا حرمة له ولا متصل بحيوان.

 

يقول ابن قدامة رحمه الله: أما الطعام فتحريمه من طريق التنبيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الروث والرمة في حديث ابن مسعود ، لكونه زاد إخواننا من الجن، فزادنا مع عظم حرمته أولى.

 

وهذا تنبيه إلى أنه لا يستنجي الإنسان بما هو زاد إخوانه الآدميين من الفواكه أو الخبز أو أي شيء مما يؤكل، لأنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء بالعظام؛ لأنها زاد إخواننا من الجن، فزادنا مع عظم حرمته أولى ألا يستنجى به.

 

يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع: فرع: قال أصحابنا: ومن الأشياء المحترمة التي يحرم الاستنجاء بها: الكتب التي فيها شيء من علوم الشرع، فإن استنجى بشيء منها عالماً أثم، وفي سقوط الفرض الوجهان، والصحيح لا يجزئه، فعلى هذا تجزئه الأحجار بعده، ولو استنجى بشيء من أوراق المصحف -والعياذ بالله- عالماً صار كافراً مرتداً، نقله القاضي حسين والروياني وغيرهما والله أعلم.

 

مسألة: يقول النووي : إذا استنجى بمائع غير الماء لم يصح.

 

يعني: كأن يستنجي بخل أو بأي سائل غير الماء لم يصح.

 

ثم يقول: ويجب عليه أن يستنجي بعده بالماء، ولا يجزئه الأحجار بلا خلاف في هذه الحالة.

 

وذلك لأن المائع من خل أو ماء ورد أو أي شيء من السوائل غير الماء إذا لاقى النجاسة فإنه ينجس بذلك، فتزيد النجاسة على النجاسة، ولا ينقي ذلك إلا الماء.

 

هذا ما يتعلق بشروط ما يستنجى به.

 الشرط الأول: الاستنجاء بالأحجار وما في معناها على الصحيح

 

يقول الشارح رحمه الله: [والاستجمار بالخشب والخرق وما في معناهما مما ينقي جائز في قول الأكثر].

 

قوله: (وما في معناهما) أي: ما يشبه الحجر؛ وذلك بأن يكون منقياً مطهراً.

 

قال: [ وفي حديث سلمان عند مسلم : {نهانا أن نستنجي برجيع أو عظم} ].

 

الرجيع هو الروث، ولا يجوز الاستنجاء به لكونه نجساً، وأما العظم فلأنه زاد إخواننا من الجن.

 

قال: [ فتخصيصها بالنهي يدل على أنه أراد الحجارة أو ما قام مقامها ].

 

أي: لأنه خص من الأجسام الصلبة الرجيع أو العظم.

 

قال المؤلف: (فالإنقاء بالحجر ونحوه أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء) أي: الاستنجاء بالأحجار لا تزيل العين والأثر، إنما تزيل العين فقط وتبقي أثراً معفواً عنه؛ لعموم البلوى به، ولمشقة الاحتراز منه.

 

وإذا استجمر أحد بالأحجار مع وجود الماء فلا بأس، وإن كانت الأحجار تزيل العين ويبقى الأثر، فإذا توضأ بعد ذلك فوضوءه وطهارته صحيحة.

 

قال في الشرح: [ إن الإنقاء بالحجر ونحوه أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء. بأن تزول النجاسة وبلتها، فيخرج آخرها نقياً لا أثر به] يعني: يخرج آخر الأحجار نقياً لا أثر به.

 

أما ما ذكر العلماء في شرط ما يستنجى به فيقول الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني: والخشب والخرق وكل ما أنقي به فهو كالأحجار، هذا الصحيح من المذهب -الحنبلي-، وهو قول أكثر أهل العلم، وفي الرواية الأخرى: لا يجزئ إلا الأحجار، اختارها أبو بكر، وهو مذهب داود ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأحجار، وأمره بالأحجار يقتضي الوجوب، فقالوا: لابد من الأحجار، لكن الصحيح من مذهب داود أنه يجزئ الاستنجاء والاستجمار بالأحجار أو ما قام مقامها.

 

إذاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: {وليستنج بثلاثة أحجار} أخذ منه بعض الأئمة -ومنهم داود بن علي- عدم جواز الاستجمار بغير الأحجار؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالاستنجاء بالأحجار، فحينئذٍ يجب أن يقتصر على الأحجار، والأمر يقتضي الوجوب، ولأن هذا فيه رخصة، والرخصة أتت بصورة مخصوصة، فيجب الاقتصار عليها فقط كما يقتصر على التراب في التيمم.

 

وأجاب العلماء عن ذلك فقالوا: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: {وليستنج بثلاثة أحجار} وشبهه من الأحاديث، إنما نص على الأحجار؛ لأن الأحجار هي غالب الموجود للمستنجي بالفضاء، ولأن أسهل شيء يستطيع أن يحصل عليه في ذلك المكان هو هذه الأحجار، فإنه لا مشقة فيها ولا كلفة في تحصيلها، فالنص على الأحجار إنما خرج مخرج الغالب، وهذا مثل قول الله تبارك وتعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ [الأنعام:151] فهذا القيد لا مفهوم له، فهل يجوز أن يستدل بهذه الآية على أنه يجوز قتل الأولاد لسبب آخر غير الإملاق الذي هو الفقر؟!

 

لا يجوز، لكن لما كان السبب الغالب الذي كان يدعو بعض العرب في الجاهلية إلى قتل الأولاد هو الفقر نص عليه.

 

كذلك أيضاً قوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130] فغالب الربا يكون أضعافاً مضاعفة، فلذلك نص عليه، فهل يصح أن يستدل بهذه الآية -كما فعل بعض الذين في قلوبهم مرض- على جواز الربا إذا لم يكن أضعافاً مضاعفة؟! كلا.

 

وكذلك قوله تبارك وتعالى: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101] هل هذا فقط في حالة الخوف أم أن هذه رخصة عامة في أي سفر يقصر الإنسان فيه الصلاة؟

 

هي رخصة عامة، وقيد الخوف لا مفهوم له؛ لكونه خرج مخرج الغالب، وهكذا نص على الأحجار لهذه العلة.

 

استدل الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى على أن كل ما يشبه الأحجار ويقوم مقامها له حكمها في جواز الاستجمار به بقوله: ولنا ما روى أبو داود عن حذيفة قال: {سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة؟ فقال: بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع} فلولا أنه أراد الحجر وما في معناه لم يستثن منها الرجيع، ولم يكن تخصيص الرجيع بالذكر له معنى. وفي حديث سلمان رضي الله عنه قال: {نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، وأن نستجمر برجيع أو عظم} رواه مسلم .

 

فتخصيص النهي بالرجيع -وهو الروث- والعظم يدل على أنه أراد الحجارة أو ما قام مقامها.

 

وروى طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا أتى أحدكم البراز فلينزه قبلة الله ولا يستقبلها ولا يستدبرها، وليستطب بثلاثة أحجار، أو ثلاثة أعواد، أو ثلاث حثيات من تراب} رواه الدارقطني .

 

وقد روي عن ابن عباس مرفوعاً والصحيح أنه مرسل، ورواه سعيد في سننه موقوفاً على طاوس .

 

يقول الإمام البيهقي : الصحيح أن هذا من كلام طاوس وليس من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 

وأيضاً ذكر البيهقي أن نفس هذا الحديث روي عن سراقة بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه ضعيف أيضاً.

 

قال البيهقي : وأصح ما روي في هذا ما رواه يسار بن نمير قال: (كان عمر رضي الله عنه إذا بال قال: ناولني شيئاً أستنجي به، فأناوله العود والحجر، أو يأتي حائطاً يتمسح به أو يمسه الأرض ولم يكن يغسله) أي: يجزئ الحجر وما في معنى الحجر، لكن التراب الرخو ليس فيه معنى الحجر، ولا يقوم مقام الحجر المأمور به، لكن إذا كان تراباً مستحجراً متماسكاً متضاماً يشبه الحجارة، وأمكن الإزالة به والإنقاء؛ فيكون حكمه حكم الحجر، فإن كان رخواً لا تمكن الإزالة به لم يجزئ؛ لأنه يعلق بالمحل.

 

ثم قال الإمام ابن قدامة مبيناً صحة الاستنجاء بالأحجار أو ما في معناها: ولأنه متى ورد النص بشيء لمعنى معقول وجب تعديته إلى ما وجد فيه المعنى.

 

أي: متى ورد النص بشيء في معنى معقول نستطيع أن ندركه بأنفسنا وجب أن يتعدى هذا الحكم إلى ما وجد فيه نفس هذا المعنى، وهو ما يسمى بالقيد، والمعنى المعقول ها هنا أن تزال عين النجاسة، وهذا يحصل بغير الأحجار، وبهذا يخرج التيمم فلا يصح القياس على التيمم؛ لأن التيمم غير معقول المعنى، فإن التيمم رخصة غير معقولة المعنى.

حكم الاكتفاء بالأحجار في الاستنجاء أو الماء

 

يقول الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: وهو مخير بين الاستنجاء بالماء أو الأحجار في قول أكثر أهل العلم.

 

أي: يجوز للإنسان أن يستنجي بالأحجار حتى مع وجود الماء، وهذا من الرخص ومن التيسير على عباد الله.

 

وحكى ابن المنذر عن سعد بن أبي وقاص وحذيفة وابن الزبير رضي الله عنهم أجمعين أنهم أنكروا الاستنجاء بالماء.

 

وذلك لأن الأصل في مجتمع الصحابة هو الاستنجاء بالأحجار.

 

وهذا يدل على شيوع الاستجمار بالأحجار في عهد السلف، فكان هؤلاء الصحابة لا يرون الاستنجاء بالماء.

 

وقال سعيد بن المسيب : وهل يفعل ذلك إلا النساء؟!

 

وقال عطاء : غسل الدبر محدث.

 

وكان الحسن لا يستنجي بالماء.

 

وروي عن حذيفة القولين جميعاً.

 

وكان ابن عمر لا يستنجي بالماء ثم فعله، وقال لـنافع : جربناه فوجدناه صالحاً.

 

وشرط أن يكون ما يستنجى به غير مطعومٍ هو في الأشياء الجامدة وليس في الماء؛ لأن الماء لا يدخل أصلاً في هذا الخلاف؛ لتواتر الأدلة الصحيحة على أن الشرع أجاز الاستنجاء بالماء، بل ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

يقول الإمام الخطابي رحمه الله: زعم بعض المتأخرين أن الماء مطعوم؛ فلهذا كره الاستنجاء به سعد وموافقوه، وهذا قول باطل منابذ للأحاديث الصحيحة، والله أعلم.

 

وحكى القاضي أبو الطيب من الشافعية وغيره عن الزيدية والقاسمية -وهما من فرق الشيعة- أنه لا يجوز الاستنجاء بالأحجار مع وجود الماء.

 

إذاً: الزيدية والقاسمية من الشيعة قالوا: إذا كان الماء موجوداً فلا يجزئ إلا استعمال الماء، ولا يجوز العدول عن الماء إلى الاستنجاء بالأحجار مع وجوده؛ فاحذروا أن تكونوا مثل الشيعة دون أن تشعروا، فبعض الناس يستغرب هذا الحكم، ويقول: كيف يجوز أن أستعمل الأحجار مع وجود الماء؟!

 

نعم يجوز.

 أدلة أفضلية الاستنجاء بالماء على الاستنجاء بالأحجار

 

من أراد الاقتصار في الاستنجاء على أحدهما الماء أو الأحجار أو ما قام مقامها فالماء أفضل؛ لهذه الأدلة التي سنذكرها:

 

سبب ورود حديث ابن عباس : (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) أنه وضع للنبي صلى الله عليه وسلم الماء عند الخلاء قريباً منه حتى يتناوله، فقال: (من وضع هذا؟ قالوا: ابن عباس) فدعا له هذه الدعوة المباركة، فهذا دليل على استعمال الماء.

 

وعن أنس قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء -أي: وعاء صغير من جلد- وعنزة -أي: عصاً مثل الرمح- فيستنجي بالماء).

 

وعن حديث عائشة قالت : (مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء؛ فإني أستحييهم، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله).

 

ومنها: حديث سبب نزول قوله تعالى: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا [التوبة:108] في أهل قباء؛ لأنهم كانوا يستنجون بالماء.

 

إذاً: من أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل؛ لأنه يطهر المحل، ويزيل العين والأثر، بخلاف الأحجار فإنها تزيل العين فقط وتبقي الأثر، فليس هناك شك أن الماء أبلغ في التنظيف، وأن اقتصر على الحجر أجزأه بغير خلاف بين أهل العلم حتى مع وجود الماء؛ لما ذكرنا من الأخبار، ولأنه إجماع الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم.

 

والأفضل أن يستجمر بالحجر ثم يتبعه الماء، أولاً بالحجر ثم يتبعه الماء، لكن إن كان لابد أن يستعمل واحداً من الاثنين فقط، فالماء أفضل.

 

قال أحمد : إن جمعهما فالماء أحب إليه؛ لأن عائشة قالت: (مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء من أثر الغائط والبول فإني أستحييهم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله)، ولأن الحجر يزيل عين النجاسة فلا تصيبها يده، ثم يأتي الماء فيطهر المحل، فيكون أبلغ في التنظيف وأحسن.

 حكم الاقتصار على الأحجار مع وجود الماء للمقيم والمسافر

 

يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: ولا شك في جواز الاقتصار على الأحجار مع وجود الماء وعدمه.

 

يعني: يجوز استعمال الأحجار مطلقاً سواء كان الماء موجوداً أو معدوماً، وسواء كان الإنسان مقيماً أو مسافراً. قال: وهذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

 

يقول الإمام الماوردي : فلو استنجى أولاً بالماء لم يستعمل الأحجار بعده؛ فإنه لا فائدة فيه.

 

وهذا واضح؛ لأن الماء يزيل العين والأثر.

 

حكم الإنقاء بما دون الثلاثة الأحجار

 

يقول الإمام الخرقي رحمه الله تعالى: فإن لم يعد مخرجهما -أي: إن خرج شيء من السبيلين ولم يتجاوز المخرج ولم ينتشر إلى غيره- أجزأه ثلاثة أحجار إذا أنقى بهن، فإن أنقى بدون الثلاثة لم يجزئه حتى يأتي بالعدد، وإن لم ينق بالثلاثة زاد حتى ينقي.

 

لكن يستحب أن يختم على وتر، وإذا لم يتجاوز المخرج بما لم تجر العادة به -فإن اليسير لا يمكن التحرز منه- فإنه يجزئه ثلاثة أحجار منقية.

 

ومعنى الإنقاء: إزالة عين النجاسة وبلتها بحيث يخرج الحجر نقياً وليس عليه أثر لاصق إلا شيئاً يسيراً لا يزيله إلا الماء.

 

إذاً: لابد من الإنقاء واستعمال ثلاثة أحجار حتى يصح الاستنجاء بالأحجار، وإذا لم يحصل الإنقاء فلابد أن يزيد في الأحجار حتى يحصل الإنقاء، وهذا مذهب الإمام أحمد والشافعي وإسحاق وأبو ثور .

 

وقال مالك وداود : الواجب الإنقاء دون العدد.

 

أي: لو حصل الإنقاء بواحدة أو باثنتين يجزئ.

 

وأيضاً قال بهذا أبو حنيفة رحمه الله حيث أوجب الاستنجاء.

 أدلة من لا يشترط العدد في الاستنجاء بالأحجار

 

احتج أصحاب هذا القول بحديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من استجمر فليوتر، من فعله فقد أحسن ومن لا فلا حرج) فالعلماء الذين قالوا: إن الواجب هو الإنقاء وليس العدد، اعتبروا الشرط الوحيد هو الإنقاء ولم يشترطوا العدد، وقالوا: إن المقصود هو الإنقاء؛ لأنه لو استنجى بالماء لم يشترط العدد فكذلك الحجر.

 

وقد رد على هذا من الشافعية القاضيان أبو الطيب وحسين بالقياس بعبادة تتعلق بالأحجار ويستوي فيها الثيب والأبكار، فكان العدد فيها معتبراً ألا وهي رمي الجمار، ورجم الزاني المحصن يستوي فيه الذكر والأنثى.

 

إذاً: اعتبار العدد في رمي الجمار بحيث لابد أن نستعمل سبع جمرات يوافق اعتبار العدد في الاستنجاء بالأحجار.

 

لكن الإمام النووي بعدما ذكر هذا، يقول: ولا حاجة إلى الأقيسة مع الأحاديث الصحيحة.

 

وقد ذكرنا أن مخالفي الجمهور في هذه المسألة احتجوا بالحديث الذي ذكرناه آنفاً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) رواه الدارمي وأبو داود وابن ماجة وحسنه النووي .

 

وأيضاً قالوا: النجاسة لا تجب إزالة أثرها فكذا عينها كدم البراغيث؛ وقالوا: ولأنه لا تجب إزالتها بالماء فلم يجب غيره. وقال المزني : ولأنا أجمعنا على جواز مسحها بالحجر فلم تجب إزالتها كالمني؛ لأن المني طاهر والبول نجس.

 الجواب عن أدلة من لا يوجب العدد في الاستنجاء بالأحجار

 

الجواب على من استدل بحديث أبي هريرة : (من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) أن معنى قوله: (ومن لا فلا حرج) أي: فلا حرج في ترك الإيتار؛ وهو محمول على الإيتار الزائد على ثلاثة أحجار؛ حتى نجمع بين هذا الحديث وبين الأحاديث الأخرى التي اشترطت الثلاثة الأحجار، فلو حصل الإنقاء بأقل من ثلاثة أحجار فلابد أن يجعلها ثلاثة أحجار.

 

والدليل على هذا المذهب الصحيح هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا لكم مثل الوالد، فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول، وليستنج بثلاثة أحجار).

 

فنجمع بين قوله: (وليستنج بثلاثة أحجار) وبين قوله: (من استجمر فليوتر) أي: فليوتر، ولا يوتر بأقل من ثلاثة أحجار.

 

ومن الأدلة حديث سلمان رضي الله عنه: (أن رجلاً قال لـسلمان : إن نبيكم علمكم كل شيء حتى الخراءة -أي: آداب التخلي- فقال: أجل نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) رواه مسلم في صحيحه.

 

أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه) يقول النووي : هذا حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارقطني وقال: إسناده حسن صحيح.

 

واحتج أصحاب الشافعي بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من بوله)، وفي رواية: (لا يستبرئ من بوله) رواه البخاري ومسلم .

 

يقول الإمام النووي : في الاستدلال به نظر؛ لأن الدعوى هي أن من استنجى بأقل من ثلاثة أحجار داخل في هذا الحديث، وأنه لم يستبرئ من بوله، والدعوى يستدل لها ولا يستدل بها.

 

أيضاً من الأدلة قول ابن مسعود رضي الله عنه: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالثة فلم أجد، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: إنها ركس) رواه البخاري هكذا.

 

وروى أحمد والدارقطني والبيهقي في بعض رواياته زيادة قال: (فألقى الروثة وقال: ائتني بحجر) يعني: ائتني بحجر ثالث.

 

وفي بعضها: (ألقاها -أي: الروثة- وقال: ائتني بغيرها).

 

ألقى الروثة وقال: (ائتني بغيرها).

 

وأيضاً حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (من استجمر فليوتر) هذا متفق عليه، لكن هناك رواية لنفس هذا الحديث للإمام أحمد والبيهقي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثاً) قال البيهقي : هذه الرواية تبين أن المراد بالإيتار في الرواية الأولى ما زاد على الواحدة، فما هو الوتر الذي يزيد عن الواحدة؟ إنه الثلاث، فيكون الإيتار بالثلاثة الأحجار واجباً، والإيتار بعد الثلاث يكون مستحباً.

ذكر بعض آداب الاستجمار والاستنجاء

 

يقول الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: وإذا زاد على الثلاث استحب ألا يقطع إلا على وتر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من استجمر فليوتر) فإن حصل الإنقاء بوتر لم تستحب الزيادة، لكن إذا حصل الإنقاء بشفع استحبت الزيادة فيستجمر بخمس أو سبع أو تسع أو ما زاد على ذلك، فإن اقتصر على وتر منقية فيما زاد على الثلاثة جاز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (ومن لا فلا حرج).

 

ويقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: قال أصحابنا: لو أن إنساناً بال ومسح الموضع مرتين أو ثلاثاً، ثم خرجت قطرة وجب استئناف المسح أي: إذا حصل بعد المسح بالاثنين مرتين أو ثلاث خروج شيء جديد فإنه يعيد المسح من جديد ولا يبني على ما مضى.

 

ومن هذه الآداب ألا يستجمر بيمينه؛ لقول سلمان رضي الله عنه: (إنه لينهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه) وسلمان صحابي معروف، وترجمته من التراجم المهمة جداً؛ لأنه أنموذج كامل للباحث عن الحق.

 

لو قرأتم قصة إسلامه لوجدتم كيف ينبغي لكل من سأل عن الإسلام أن يتحرى ويبذل الجهد حتى يصل إلى الحق، وأنه إذا أخلص في ذلك فإن الله يوفقه مهما كان أمامه من عقبات، وسلمان أصله فارسي من أصبهان، وهو مولى النبي صلى الله عليه وسلم، توفي بالمدائن سنة (36هـ) وعمر سلمان عمراً طويلاً جداً، فالمتفق عليه بين المؤرخين أنه عاش مائتين وخمسين سنة، وقيل: ثلاثمائة وخمسين سنة رضي الله تبارك وتعالى عنه.

 

وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى) رواه أحمد وأبو داود بإسناد صححه النووي رحمه الله.

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد -وقال فيه-: ولا يستطب بيمينه) فهذه من الآداب التي علمها عليه الصلاة والسلام أصحابه.

 

وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه، ولا يتمسح بيمينه) متفق عليه.

 

أي: إذا كان يستنجي من غائط أخذ الحجر بشماله فمسح به، وإن كان يستنجي من البول وكان الحجر كبيراً أخذ ذكره بشماله فمسح به.

 

مسألة: لو أن رجلاً استنجى بيمينه هل يجزئه ذلك؟

 

يجزئه، لكنه خالف الأدب الشرعي، يقول علماء الشافعية: يكره الاستنجاء باليمين كراهة تنزيه ولا يحرم.

 

قال إمام الحرمين : الاستنجاء باليمين مكروه غير محرم، قال: وحرمه أهل الظاهر.

 

وقال ابن الصباغ وآخرون: الاستنجاء باليسار أدب، وليس باليمين معصية.

 

وقال الشافعي كما حكاه المزني في مختصره: النهي عن اليمين أدب، لكن لو حصل ووقع أنه خالف فقد ارتكب مكروهاً كراهة تنزيهية، ولكن قد يصح الاستنجاء.

 

ومختصر المزني له مكانة عظيمة عند العلماء فقد قال فيه بعضهم: لم تراعيني ولم تسمع أذني أحسن نظماً من كتاب المزني .

 

يقول الإمام ابن قدامة : يبدأ الرجل في الاستنجاء بالقبل؛ لئلا تتلوث يده إذا شرع في الدبر، والمرأة مخيرة في البداية بأيهما شاءت.

 

والظاهر عدم التفريق، والله أعلم.

 

مسألة: لو أن رجلاً تغوط وقبل أن يستنجي قام، هل تجزئه الأحجار؟

 

لا تجزئه؛ لأنها تعدت المحل غير المعتاد، فلابد من استعمال الماء في هذه الحالة.

 

ومن الآداب الشرعية في هذا الباب: أنه إذا استنجى بالماء يستحب له أن يدلك يده بالتراب بعدما يفرغ.

 

يقول الإمام النووي رحمه الله: السنة أن يدلك يده بالأرض بعد غسل الدبر، ذكره البغوي والروياني وآخرون، كما في حديث ميمونة رضي الله عنها قالت: (وضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءاً للجنابة، فأكفأ بيمينه على شماله مرتين أو ثلاثاً، ثم غسل فرجه، ثم ضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثاً) متفق عليه.

 

وفي رواية مسلم : (ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكاً شديداً)، وهذا في الغسل.

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء فاستنجى، ثم مسح يده على الأرض، ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ) وهذا حديث حسن.

 

وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الغيضة فقضى حاجته ثم استنجى من إداوة ومسح يده بالتراب) رواه النسائي وابن ماجة بإسناد جيد.

 

وهذا نوع من التنظيف ويجزئ عنه ما في معناه من الصابون أو غير ذلك.

 

الاستنجاء من البول يسمى انتقاص الماء، والانتقاص معناه: أن الإنسان إذا استبرأ من البول واستنجى بالماء؛ فإن ذلك يقطع نزول البول، فحينئذٍ يقال: إن الماء يقطع البول؛ ولذلك سمي الاستنجاء انتقاص الماء.

 

ويستحب بعد الفراغ من الاستنجاء بالماء أن ينضح على فرجه وسراويله؛ ليزيل الوسواس عنه؛ لأن هذا النضح يحدث بللاً، فإذا وجد البلل فإنه لا يفتح الباب للشيطان ليوسوس، وهذا باب خطير جداً إذا استرسل معه الإنسان، فحينما يتذكر أنه عمداً نضح سراويله بالماء فإنه يذهب عنه ذلك الوسواس.

 

يقول حنبل : سألت أحمد : أتوضأ وأستبرئ وأجد في نفسي أني قد أحدثت بعده؟ قال: إذا توضأت فاستبرئ، ثم خذ كفاً من ماء فرشه على فرجك ولا تلتفت إليه، فإنه يذهب إن شاء الله.

 

فالإنسان لا يتساهل في باب الوسواس؛ لأنه لو فتحه فسدت عليه عبادته.

 

روى النووي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جاءني جبريل فقال: يا محمد! إذا توضأت فانتضح) وهذا حديث غريب، لكن قد ثبت الانتضاح في حديث صحيح.

حكم الاستنجاء من البول والغائط وكل خارج من السبيلين

 

مسألة: لو أن رجلاً قضى حاجته ثم توضأ ثم استجمر، ثم صلى فهل تصح طهارته؟

 

الطهارة صحيحة؛ لأنه إنما أخر الاستجمار، والشرط هو إزالة النجاسة من بدنه أو ثوبه، وهو قد أزالها، لكن يشترط ألا يمس العورة عند الاستجمار بالأحجار مثلاً.

 

يقول الإمام النووي رحمه الله: الاستنجاء واجب عندنا من البول والغائط، وكل خارج من أحد السبيلين نجس ملوث، وهو شرط في صحة الصلاة، وبه قال أحمد وإسحاق وداود وجمهور العلماء، ورواية عن مالك ، وقال أبو حنيفة : هو سنة، وهو رواية عن مالك ، وحكاه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والعبدري وغيرهم عن المزني ، وجعل أبو حنيفة هذا أصلاً للنجاسات، فما كان منها قدر درهم بغلي عفي عنه.

 

إذاً: أبو حنيفة اعتبر هذا هو حد النجاسة، فإذا كانت النجاسة بقدر درهم بغلي عفي عنه، وإن زاد فلا، وكذا الحكم عنده في الاستنجاء إن زاد الخارج على درهم وجب وتعين الماء، ولا يجزئ عنده الاستنجاء بالحجر.

Islamweb.net

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة