الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

بشائر من الهزائم (4)

مشهد دخول التتار دار الخلافة و سقوط بغداد

بشائر من الهزائم (4)
زين العابدين كامل
الأحد ١٨ ديسمبر ٢٠١٦ - ١٤:٣١ م
1016

بشائر من الهزائم 4

 

كتبه/ زين العابدين كامل

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

 

ما زلنا نثبت بالأحداث والوقائع التاريخية أن الهزائم تكون أحيانا هي الخطوة الأولى نحو النصر والتمكين، وقد ذكرنا ما حدث بين التتار والخليفة العباسي "المستعصم بالله" خلال مفاوضات النهاية، وكيف تم قتل العلماء والعُبّاد وأهل الرأي..

 

واليوم نذكر مشهد دخول التتار دار الخلافة و سقوط بغداد:

 

ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في حوادث شهر محرم من عام 656 هـ مشهد دخول التتار بغداد مقر الخلافة العباسية، والحقيقة أن نص" ابن كثير" يغني عن كل تعليق، والتاريخ يعيد نفسه؛ لأن الأمر مرتبط بسنة الله- عز وجل- ولن تجد لسنة الله تبديلاً، يقول ابن كثير في وصفه هذه الوقعة:

"جاء التتار إلى بغداد وجيوش بغداد في غاية القِلّة، ونهاية الذِلّة، لا يبلغون عشرة آلاف فارس، وهم وبقية الجيش قد صرفوا عن إقطاعاتهم الأجور، والرواتب لا توجد، حتى استعطى كثير منهم في الأسواق، وأبواب المساجد، وأنشد الشعراء القصائد يرثون لحالهم ويحزنون على الإسلام وأهله.

 

"هذا حال الجيش الذي كان في ذلك الوقت، لماذا ؟ لأن الخليفة لم يكن متفرغاً لتقوية الأمة ولا لإعداد الجيش، ولا لتحقيق قول الله جل وعلا : وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ " .

 

قال" ابن كثير : " وكل ذلك عن آراء الوزير "ابن العلقمي" الرافضي، كان وزير الخليفة رافضياً شيعياً خبيثاً متمالِئاً مع الأعداء، فهو الذي فعل هذه الأفاعيل، ثم عندما وصف "ابن كثير" - ما وقع قال : " وقع هول شديد كان الناس يُقْتَلون ويبادون أربعين يوماً والسيف يعمل في أهل بغداد، حتى كسروا عليهم البيوت ، فلما هربوا صعدوا إلى الأسطحة فصاروا يقتلون على الأسطحة، حتى سالت ميازيب بغداد من دماء المسلمين "

 

استباحة بغداد:

 

بعد أن ألقى أهل المدينة السلاح، وبعد أن قُتل الصفوة، وبعد أن إنتشر جُند "هولاكو" في شوارع بغداد ومحاورها المختلفة، أصدر "هولاكو" أمره الشنيع باستباحة بغداد، وأتوا على كل ما فيها، فخرّبوا المساجد بقصد الحصول على قبابها المُذهبة، وهدموا القصور بعد أن سلبوا ما بها من تحف نادرة، وأباحوا القتل والنهب وسفك الدماء..

 

ولم يقتصر التتار على قتل الرجال الأقوياء فقط، وإنما كانوا يقتلون الكهول والشيوخ، وكانوا يقتلون النساء إلا من استحسنوه منهن، كانوا يأخذونهن سبياً..

 

ولم يسلم إلا من اختفى في بئر أو قناة، وقد استمرت هذه الغارة أربعين يوماً، اندلعت فيها ألسنة النيران في كل جانب، فالتهمت كل ما صادفها، وأتت على الأخضر واليابس..

 

وعندما دخل "هولاكو" مدينة بغداد، قصد قصر الخلافة، وجلس في الميمنة، واحتفل مع الأمراء بذلك اليوم، وأمر بإحضار الخليفة، وقال له: أنت المضيف ونحن الضيوف فيجب عليك أن تقوم بواجب الضيافة، فصدق الخليفة قوله، وكان يرتعد خوفاً، لدرجة أنه لم يعد يعرف أين وضع مفاتيح خزائنه، فأمر بكسر الأقفال، وإخراج ألفين من الثياب، وعشرة آلاف دينار، ونفائس، وجواهر عديدة، قدمها هدية لهولاكو خان الذي لم يُعِر تلك الأشياء التفاتاً، ووزعها على أتباعه، ثم قال للخليفة: هذه الأموال التي تملكها على سطح الأرض، والآن نريد أن تكشف لنا عن الأموال والدفائن، فما هي وأين توجد؟ عندئذ اعترف الخليفة بوجود حوض مملوء بالذهب وسط القصر، فلما حفروا ذلك المكان وجدوه مملوءاً بالذهب الإبريز، وكانت كل قطعة منه تزن مائة مثقال..

 

ثم أمر "هولاكو" بأن يحصوا حرم الخليفة وحاشيته، فوجدوا سبعمائة من النساء والسرايا وألفاً من الخدم، وعندما وقف الخليفة على تعداد نسائه قال في تضرع: "امنحني تلك النسوة اللائي لم يكن يطلع عليهن ضوء الشمس ولا نور القمر"، فأمر "هولاكو" بأن يختار من بينهن مائة من النسوة ممن هن من أقاربه والمحببات إليه..

 

ثم رجع إلى معسكره ليلاً.. وفي الصباح كلف قائده "سونجاق" بأن يذهب إلى المدينة ليضبط أموال الخليفة ويخرجها، فجمع كل ما كان الخلفاء العباسيون قد ادخروه خلال خمسة قرون..

 

وأخيراً بعد أن سفك "هولاكو" من الدماء ما سفك، وبعد أن خرب ما خرب، أصدر أمره بالكف عن القتل، وبأن ينصرف كل إلى عمله.. يقول ابن كثير: "ولما نودي ببغداد بالأمان خرج من تحت الأرض من كان بالمطامير والمقابر كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم، ولقد أنكر بعضهم بعضهم بعضاً فلا يعرف الوالد ولده ولا الأخ أخاه، وأخذهم الوباء الشديد، فتفانوا وتلاحقوا بمن سبقهم من القتلى..

 

وقال "ابن كثير" رحمه الله: عُدة من مات من المسلمين قيل ثمانمائة ألف من المسلمين، وقيل ألف ألف -يعني مليون-.. ونستكمل في المقال القادم بإذن الله تعالى.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com