السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً

يا له يوم لا كالأيام، تيقّظ فيه من غَفَل ونام، ويحزن كل من فرح بالآثام، وتيقن أن أحلى ما كنت فيه أحلام

وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً
خالد آل رحيم
الأحد ٢٦ فبراير ٢٠١٧ - ١٨:٠٩ م
1183

وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

آيه تشيب لها الرؤوس، يتدبرها كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وإذا كان هذا حال الأُمَم -وفيها الصالح والطالح- فكيف بمن تَنَكَّب الطريق وضَلّ سواء السبيل؟! 

قال ابن الجوزي: (والجاثية: الجالسة على الرُّكَب، والمعنى أنها غير مُطمَئِنّة، والأقدام يوم القيامة مثل النَّبْل في الجُعبة، والسعيد من يجد لقدميه موضعًا).

وقد رُويَ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كأني أراكم بالكوم جاثين دون جَهَنّم).

 وقال سلمان: "إن في يوم القيامة لساعة هي عشر سنين، يَخِرّ الناس فيها جُثاة على رُكَبِهم".

 قال ابن كثير: قَدِم سفيان الثوري المدينة، فسمع المعافري يتكلم ببعض ما يضحك به الناس، فقال له: يا شيخ، أما علمت أن لله يومًا يخسر فيه المُبطِلون؟ قال: فما زالت تُعرَف في المعافري حتى لحق بالله عزّ وجَلّ.

ثم قال: "وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً" أي: على رُكَبها من الشِدّة والعظمة.

 ويقال: إن هذا -يكون- إذا جيء بجَهَنَّم فإنها تزفر زَفْرَةً لا يبقى أَحَدٌ إلا جثا لركبتيه، حتى إبراهيم الخليل يقول: نَفْسي، نَفْسي، نَفْسي، لا أسألك اليوم إلا نفسي. وحتى أن عيسى ليقول: لا أسألك اليوم إلا نفسي، لا أسألك -اليوم- مريم التي ولدتني.

قال ابن مسعود: "الأرض كلها نار يوم القيامة، والجنة من ورائها، يرون أكوابها وكواعبها، ويعرق الرجل حتى يرشح عرقه في الأرض قامة، ثم يرتفع إلى أنفه وما مسه من الحساب بعد. قالوا: ومِمّ ذاك؟ قال: مما يرى الناس ما يُصنع بهم, قيل له: فأين المؤمنون؟ قال: على كراسي، قد ظُلِّل عليهم بالغمام، ما طول ذلك اليوم عليهم إلا كساعة من نهار".

ودخل عثمان -رضي الله عنه- على غلام له يَعلِف ناقَتَه، فرأي في عَلفِها ما يكره، فأخذ بأذن غلامه فعَرَكها، ثم ندم فقال: افعل بي ما فعلت بك، فأبى الغلام، فلم يدعه حتى فعل، فجعل عثمان يقول: شُد شد، حتى ظن أنه قد بلغ منه مثل ما بلغ، ثم قال عثمان: واهًا لقصاص الدنيا قبل قصاص الآخره.

وكان ابن السماك يقول: ألا منتبه من رقدته، ألا مستيقظ من غفلته، ألا مفيق من سَكْرَتِه، ألا خائف من صَرْعته، أقسم بالله لو رأيت القيامة تخفق بزلازل أهوالها وقد علت النار مُشْرِفة على أهلها وجيء بالنبيين والشهداء؛ لسَرَّكَ أن يكون لك في ذلك الجمع مَنزِلة وزلفى.

قال ابن الجوزى: "ظهرت أهوال لا توصف، وبدت أمور لا تعرف، وكشف حالات لم تكشف، إن لم تنتبه لهذا فأنت أعرَف، ستعلم من يلوم نفسه عند عذابها (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً)..

أنت تدري ما في كتابك، وستبكي واللهِ عند عِتابك، وستعلم حالَك يوم حسابك، إذا كَلّت كل الألسن عن جوابها (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً)..

يا له يوم لا كالأيام، تيقّظ فيه من غَفَل ونام، ويحزن كل من فرح بالآثام، وتيقن أن أحلى ما كنت فيه أحلام، واعجبًا لضحك نفسٍ البكاء أولى بها (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً)".

عباد الله: أطول الناس حزنًا في الدنيا أكثرهم فرحًا في الآخرة، وأشد الناس خوفًا في الدنيا أكثرهم أمنًا في الآخرة، يقول الله عزّ وجَلّ: "أنا لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين؛ إذا أمنني في الدنيا أخفتُه في الآخرة، وإذا خافني في الدنيا أَمَّنتُه في الآخرة"، حديث حسن.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة