الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

العاشر من المحرم... الثالث عشر من حرب غزة... السابع من يناير

العاشر من المحرم... الثالث عشر من حرب غزة... السابع من يناير
الثلاثاء ٠٦ يناير ٢٠٠٩ - ٠٠:٠٦ ص
3667

العاشر من المحرم... الثالث عشر من حرب غزة... السابع من يناير

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

ففي صباح يوم الأربعاء، لو سألت أي مسلم: أي يوم هذا؟ فأي إجابة تنتظر؟

الإجابة المعتادة من الغالبية العظمى من المسلمين ستكون: إنه يوم عاشوراء، وهذا مما مَنَّ الله به على الأمة من مظاهر بدايات العودة إلى الله -عز وجل-، ومن ذلك المحافظة على صيام النوافل، التي من آكدها يوم عاشوراء.

بيد أن يوم عاشوراء يأتي هذا العام في ظل هجمة بربرية عدوانية من اليهود على إخواننا في غزة، مما جعل قطاعاً كبيراً من المسلمين يحبسون أنفاسهم، ويعدون الأيام والليالي سائلين الله -عز وجل- أن يَمُنَّ على مسلمي غزة بنصر قريب من عنده، وأصبح الكثيرون منهم يستيقظون على نشرات الأخبار ومواقع الإنترنت الإخبارية؛ للاطمئنان على أحوال إخوانهم، وهؤلاء ربما إذا سألتَه: أي يوم هذا؟ أجابك: إنه اليوم كذا من الحملة الصهيونية على غزة.

وهي فرصة لكي نذكِّر اليهود أنهم ليسوا من موسى -عليه السلام-، ولا هو منهم، كما أننا معشر المسلمين المصريين لسنا من فرعون، ولا هو منا.

فالقضية ليست قضية نسب؛ فقد قال الله لنوح -عليه السلام- عن ابنه: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)(هود:46).
فنحن قد تبرَّأنا من فرعون وعمله، وتبرَّأنا مما صنعه بإخواننا من مؤمني بني إسرائيل في زمان موسى -عليه السلام-، ونصوم لله شكراً على نجاة موسى -عليه السلام- ومن معه من فرعون وقومه؛ لأننا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ) رواه البخاري، يعني يهود زمانه الذين كانوا ما زالوا يعظمون يوم عاشوراء، قبل أن تطمس أيدي التبديل والتحريف هذه الشعيرة كما طمست ما قبلها من عقائد وشرائع.

إن الأمر قد تبدل الآن؛ فورث اليهود ميراث آل فرعون من الظلم، والبغي، والجبروت، والعطش إلى الدماء، وحب العلو في الأرض والفساد، وورثنا نحن ميراث موسى -عليه السلام-، ولا أقول ميراث أمته؛ لأنه حتى الذين كانوا معه في زمانه -عليه السلام- كان الغالب عليهم المعصية والتقاعس عن العمل بدين الله –تبارك وتعالى-.

إن مقارنةً يسيرة بين حال بني إسرائيل الذين رفضوا دخول الأرض المقدسة متهربين من الجهاد قائلين لموسى -عليه السلام-: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)(المائدة:24) وموقف الصحابة -رضي الله عنهم- الذين قالوا: (وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ) رواه أحمد، بل بين موقفهم وموقف أهل فلسطين الذين يتلقون القذائف بصدورهم عبر ستين عاماً من الزمان استطاعوا معها أن يوقِفوا مشروع دولة إسرائيل الكبرى، بل الصغرى لمن تدبر في حقائق الأمور.
بهذه المقارنة اليسيرة يتبين أن هذه الأمة وإن ورثت دين التوحيد عن أتباع الأنبياء السابقين إلا أنها قامت به بما لم تقم به أمة قبلها في العسر واليسر، والمنشط والمكره.

وأما اليهود فليس بينهم وبين إسرائيل -عليه السلام- إلا نسب مشكوك فيه، وهو إن صح لا يغني عن صاحبه شيئاً، أما عقيدتهم فمُهَلْهَلة؛ كان أصلُها التوحيد، ثم باع الأحبار أنفسهم في أزمنة الاحتلال للمحتلِّين على كثرتهم، وأدمجوا في التوراة طرفاً من عقائد المحتلين، ونسبوه إلى الله -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-، حتى شهد شاهد منهم أن أجزاء التوراة يعارض بعضها بعضاً فكرةً وأسلوباً بما لا يمكن معها أن تنسب إلى مصدر واحد، فضلاً أن يكون مصدرها من عند الله.
ولم تكن شرائعهم بأحسن حالاً من عقائدهم؛ فجلُّها مأخوذٌ عن الديانات الوثنية التي استعبدهم أصحابها من بابليين إلى فرس إلى رومان.

نحن أولى بموسى -عليه السلام- منهم، كما أننا أولى بعيسى -عليه السلام- من كل متبجح بالنسبة إلى المسيح، وهو في واقع الأمر لا يُعرف له عقيدة إلا عقيدة التثليث التي وضعها لهم بولس اليهودي؛ ليذيقهم من نفس الكأس الشيطانية التي شربوا منها جميعاً إلا أمة الإسلام.

وقد وضع لهم الواضعون أو حَرَّف لهم المحرِّفون معنى العفو عند المقدرة إلى الذل والخضوع والاستسلام عند الضعف، ونسبوا هذا لعيسى -عليه السلام- أنه قال لهم: "من ضربك على خدك الأيمن فأدِرْ له خدَّك الأيسر"، فلما تمكنوا وجدنا أنهم لا يؤمنون بما وضعتْه أيديهم بقدر ما يؤمنون بما تطوله أيديهم، وأيديهم صارت الآن -نتيجة لتقصيرنا في الأخذ بأسباب القوة الإيمانية والمادية- طويلة، تمدُها من ورائها قلوب ملؤها الحقد والحسد، وملؤها الخوف من محاكمة التاريخ لهم جميعاً كمجرمي كذب على الله –عز وجل-، ومجرمي حرب على أوليائه، ومجرمي تضليل للبشرية، واستعباد لهم برقِّ العبودية تارة، وبرقِّ غلبة الشهوات تارة، يستعبدون الأمة كما يستعبد بائعو المخدرات زبائنهم، وكل هذه الحيل لم ولن تجدي مع أمة الإسلام -بحمد الله-.

يخافون أن يحاكمهم المسلمون على تلك الجرائم، مع أن المسلمين متى تمكنوا لا يعرفون هذا النوع من المحاكمات، بل لا يعرفون إلا تعبيد الناس لربهم، ولو كانوا من الفراعين بل لو كانوا فرعون نفسه، كما أخبرنا ربنا أنه أمر موسى -عليه السلام-: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)(طه:43-44).

إن المسلمين ينكرون المنكر على فاعله، ويردون الظلم على صاحبه، فإن تاب وأناب فدخل في الإسلام إن كان كافراً أو رجع إلى الطاعة إن كان عاصياً؛ قيل له: الإسلام يجُبُّ ما قبله، والتوبة تجُبُّ ما قبلها.

وفي هذه المناسبة نتساءل: إذا كان جُل هؤلاء الصائمين يعلم قوله -صلى الله عليه وسلم) : إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ) رواه ابن ماجه، فكم منهم سوف يجعل لإخوانه النصيب الأكبر من دعواته عند إفطاره؟

لعل هذا يلفت انتباهنا إلى أن الأعداء عبر وسائل شتى يحاولون وأدَ روح التدين في أفراد الأمة، فإن عجزوا حاولوا احتواء هذا التدين، ومن مظاهر هذا الاحتواء قصر معاني التدين على المعاني الفردية، وتعريف الدين بأنه علاقة خاصة بين العبد وربه، مع أن القرآن يخاطب الأمة حتى في العبادات الفردية بصيغة الجمع (يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوا)؛ حتى يستشعر أفراد الأمة الرابطة الجامعة التي تجمعهم، بل إن صيام عاشوراء جاء كواحد من التشريعات التي تؤكد اتساع قاعدة تلك الجامعة عبر الزمان؛ لتشمل كلَّ موحدٍ من أتباع الأنبياء السابقين.

فيا من تصومون لنجاة إخوانكم المؤمنين قبل قرون عديدة، أين أنتم من نصرة إخوانكم المؤمنين ولو بالدعاء لهم، لاسيما وأنتم صائمون؟

ويتزامن ذلك مع اليوم السابع من يناير، وهو يوم -منذ استنارت مصر بالإسلام- معدود من الأعياد الخاصة بالنصارى، والذي تركهم الإسلام فيها وشأنَهم الداخلي.

وكان الناس يستبدلونه بأول يوم من يناير، وكأنه يوم لا متعلق له بدين؛ تخفيفاً من حدةِ وَقْعِ الأمر من مطالبة المسلمين بإظهار البِشر والسرور لمناسبة تُصادم عقيدة أصحابها فيها عقيدة الإسلام صداماً صارخاً.

ولا أدري لماذا يحاول المسلمون أن يظهروا التسامح فوق ما يأمرهم به دينهم، فينقلب هذا مداهنة على حساب دين الله –عز وجل-، مع أن القدر المشروع لهم في دين الله من التعامل مع آحاد الكفار الذين يعيشون في بلاد المسلمين وفق قاعدة: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)(البقرة:256).

ولماذا يطالَب المسلمون وحدهم عندما يكونون أغلبية وأكثرية أن يبالغوا في مداهنة الآخر الذي يكون أول المتضررين من ذلك؛ حيث يحرمه ذلك في كثير من الأحيان من التدبر والتأمل، لعل الله أن يخرجه من ظلمات الكفر إلى نور التوحيد.
وبقدر ما يدل بقاء هذه الأعياد إلى يومنا هذا في بلاد المسلمين على عظمة حضارة الإسلام؛ بقدر ما يدل إظهارها ومحاولة تعميمها على قدر الهزيمة النفسية التي ابتليت بها الأمة في العصور المتأخرة، مما كان له أكبر الأثر في تسلط الأعداء عليها.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية