السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الصبر (3)

الصبر على طاعة الله، والصبر عن محارم الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة

الصبر (3)
أحمد حمدي
السبت ١١ مارس ٢٠١٧ - ١٦:٥٢ م
1165

الصبر (3)

كتبه/ أحمد حمدي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

هناك ثلاثة أنواع أخرى من الصبر، وهي: الصبر على طاعة الله، والصبر عن محارم الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة.

أولًا: الصبر على طاعة الله:

معناه: الثبات على الطاعة، والاستمرار والمواظبة وليس الانقطاع، لأن الطاعة لها مشَقّة وأَلَم، وقد تخالف هوى النفس، وتحتاج إلى مجاهدة، مثل: الصبر على صلاة الفجر في البرد والشتاء والظلام، وترك النوم والدعة والكسل ودفء الفراش، وكذلك الصبر على صلاة الجماعة وتكبيرة الإحرام، والصبر على أمر الأهل والأولاد بالصلاة، والصبر على الدعوة إلى الله، والصبر على الصيام، والمواظبة على أوراد الأذكار وعلى قراءة كتاب الله وحفظه ومراجعته وتفسيره من أوله لآخره..

فطلب العلم يحتاج إلى صبر وسَهَر ورحلة في طَلَبِه، وقيام الليل مع مشقة طول القيام يحتاج إلى صبر.. قال الشيخ ابن العثيمين -رحمه الله-: "من ثبت نبت، والصابر هو الظافر".

ثانيًا: الصبر عن محارم الله وما نهى الله عنه:

فالمعصية لها لَذّة وحلاوة عند مُواقَعَة الذنب، ولأنها محرّمة يعقبها حسرة وندامة.. فالصبر على مشقة ترك هذه اللذّة، ومجاهدة النفس الأَمّارة بالسوء، لقوله تعالى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ"..

فالصبر على ترك أكل السحت والرشوة والربا وأموال اليتامى وميراث البنات وأموال الناس بالباطل وإن كان رزقه ضيق، والصبر على ترك شرب الدخان والشيشة والمخدّرات وإن كان متعودًا عليها وأَلِفها، والصبر على ترك الشهوات من ترك مصاحبة الفتيات والمُيوعة والنظر إلى الأفلام والمسلسلات وإدمان القنوات الإباحية، والصبر على ترك سماع الغناء والموسيقى، والصبر على حفظ اللسان وترك إطلاقه بالخوض في أعراض الناس والغيبة والنميمة والسب والطعن واللعن، والصبر على كظم الغيظ وعدم إنفاذ الغضب والعفو عند المقدرة.

ثالثًا: الصبر على أقدار الله المؤلمة "المصائب":

قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب" فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلا وقدوة وأسوة في الصبر على المصائب، وينبغي علينا أن نتأسى به..

وحتى لا يبتلى أحد الناس بمصيبة فيقول ابتليت بما لم يبتلى به أحد؛ لقد ابتُلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفقد أبيه وهو في بطن أمه ونشأ يتيمًا، وفقد أمه وهو عمره 6 سنوات، وفقد جده عبدالمطلب وعمره 8 سنوات، وفقد عمه أبا طالب الذي كان يحوطه ويحميه ويدافع عنه فزاد عليه الأذى بعد وفاته ومات كافرًا وكان يتمنى هدايته، وماتت خديجة زوجته التي كانت تواسيه بمالها ونفسها وهي أم أولاده، وهذا في عام الحزن، وماتت حفيدته أمام عينيه، ومات أبناؤه رقية وأم كلثوم وإبراهيم والقاسم فقال "إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون"، ومات عمه أسد الله حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- ومُثِّل بجسده..

ولقد اتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في عرضه السيدة عائشة شهرًا كاملًا من قِبَل رأس النفاق عبدالله بن أُبَيّ بن سلول حتى نزلت البراءة من فوق سبع سموات في سورة النور، ولقد سُحِر النبي - صلى الله عليه وسلم - من بنات لبيد بن الأعصم اليهودي كما ورد عند البخاري..

ولقد استُهزِئَ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسُخِر منه، وقيل عنه أنه ساحر وكاهن وكذاب ومجنون بعد ما كان يلقب بالصادق الأمين..

وأُلقي الشوك والقاذورات أمام بيته، وكان الصبيان والسفهاء يلقونه بالحجارة يوم الطائف حتى أدموا قدميه الشريفتين، ووضع عقبة بن أبي معيط سلا وأمعاء وقاذورات الجزور على عنقه وهو ساجد عند الكعبة، وخنقه بردائه حتى علّم في رقبته الشريفة، ووقع في حفرة يوم أُحُد وشُجّت جبهته وسال الدم منه ودخلت حلقتا المغفر في وجنتيه وكسرت رباعية أسنانه وكاد يُقتل..

ووضعت له زينب بنت الحارث اليهودية السمّ في الشاة، وحاول اليهود اغتياله بإلقاء الحجر عليه من خلف الحائط أو الجدار..

ولقد حوصر - صلى الله عليه وسلم - في شِعب أبي طالب هو وأصحابه ثلاث سنوات حتى أكلوا أوراق الشجر والجعران والخنافس، ولقد كان - صلى الله عليه وسلم - يجوع ويربط على بطنه الحجر والحجرين، ويخرج في وقت الظهيرة لا يخرجه إلا الجوع، ومات ودِرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاع من شعير، ولم يشبع من خبز الشعير يومين متتاليين، وكان يمر عليه الهلال والهلال والهلال -ثلاثة أهِلّة، شهران كاملان- يعيش على الأسودين الماء والتمر ولا يوقد في بيته نار، ويرسل أحيانا إلى بيوته التسع فيقولون "والله ما عندنا إلا الماء"..

وقد كان - صلى الله عليه وسلم - ينام على الحصير والحصى ويؤثِّر في جنبه، وكان له كساء خشن غليظ وإزار من ردائين فقط، أحدهما للمهنة وأحدهما لاستقبال الوفود والجمع والأعياد..

وكان بيته ضيق، وسقفه قريب من الأرض، ولقد كان - صلى الله عليه وسلم - يوعك كما يوعك الرجلان، ويمرض، ومات بالحمى وأثر السم في فمه، وحزن على موت أصحابه أمثال سعد بن معاذ وزيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وغيرهم..

لقد خُيِّر - صلى الله عليه وسلم - بين أن يكون ملِكًا نبيًا أو عبدًا رسولًا فاختار أن يكون عبدًا رسولًا..

لقد ابتُلى - صلى الله عليه وسلم - فصبر.. ربنا أفرغ علينا صبرًا وثَبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

آداب العمل الجماعي -3
630 ٣٠ أبريل ٢٠٢٠
رمضان في ظروف خاصة!
784 ٢٧ أبريل ٢٠٢٠
فضل العمل الجماعي -2
618 ٢٢ مارس ٢٠٢٠
فضل العمل الجماعي -1
945 ١٩ مارس ٢٠٢٠
الطموح -2
624 ١٠ مارس ٢٠٢٠
الطموح (1)
682 ٢٧ فبراير ٢٠٢٠