السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

خواطر غزاوية

خواطر غزاوية
الثلاثاء ٠٦ يناير ٢٠٠٩ - ٠٦:٣٩ ص
2662

خواطر غزاوية

كتبه/ جمال عبد الرافع

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فقد تعددت الرؤى والتحليلات والتفسيرات لما يحدث في غزة...

قال بعضهم: ما يحدث في غزة هو رد على صواريخ حماس "العبثية"، تلك "الألعاب الكرتونية" التي أثارت "اليهود"؛ فجعلتهم يدافعون عن أنفسهم.

بالتأكيد هذا رأي فصيلة "اليهود"، ستجده على صفحات جريدة "الشرق الأوسط" أو اسمعه عبر قناة "العربية" أو من خلال متصهينة اليوم شيوعيي الأمس.

وقيل: بل هي حملة عالمية ضد "القومية العربية" ورموزها، وإقامة لشرق أوسط جديد، تسقط فيه معاني العروبة والوحدة، والقومية، والاشتراكية.

ومصدر هذا الصوت المنكر لا يهمنا كثيراً إن كان من ليبيا أو من دمشق، فمردده قد أعلنت وفاته منذ زمن بعيد.

وقيل: ما يحدث في غزة آية ربانية، ودلالة على قرب خروج المهدي من السرداب -عجـَّل الله فضح سر مدعيه-، يقود جيشه أبو الهزائم "حسن نصر الله"، ومعه سبعون ألفاً من يهود دمشق، والعراق، وإيران عليهم الطيالسة.

وقيل: هي حملة عالمية ضد حماس لاقتلاع حكمها الصوري في غزة، وعقوبة جماعية لأهل غزة؛ لتصديقهم كذبة "الديمقراطية"، و"صندوق الانتخابات".

ونسي الجميع -وسط هذا الخضم الهائل من التحليلات والتفسيرات- الحديث عني، عن نفسي.

فأنا أشعر بالإهانة لأن أبي وأمي، وأخي وأختي، وابني وابنتي -هناك في غزة- قد ذاقوا الويلات من صواريخ "اليهود".

هدموا مسجدي.. دمروا بيتي.. نسفوا مدرستي.. قتلوا طفلي، لكنني من أعماق قلبي أشكرهم.

فقد خرج الملايين من شرق العالم الإسلامي وغربه، ليس تأييداً ولا مناصرة لغزة، ولكن خرجوا في جنازة رهيبة مهيبة؛ لتشييع جثامين "الأنظمة العربية" ودفنها.

إن اليهود والأمريكان ومن عاونهم لا يفهمون طبيعة هذه الأمة؛ ظنوا أن الأمر مجرد صوغ للخطط ورسم للخرائط، ثم يكون التنفيذ والحصاد!!

ولكن هيهات هيهات؛ إنهم لم يجنوا إلا الغرق في مستنقعات العراق، وهاهم يطردون من الصومال، وستهزمهم -بإذن الله- أفغانستان، وستكون غزة مقبرة لهم -إن شاء الله-.

ما لا يفهمه "أولمرت" و"بوش" و"اليهود" من قبل ومن بعد أننا أمة حرة أبية عصية على البلع.

لن يزيلوا الإيمان من قلوبنا، ولن يكتموا صوت الحق والحرية فينا...

لن نبكي على غزة كما بكى "ابن الأثير" على بغداد يوم اجتاحها التتار.

أنا لم أحزن لما يلقاه أهل غزة؛ فهم إما مجاهدون، وإما شهداء أحياء عند ربهم يرزقون.

ولكن حزني العميق هو على حال صرت إليه، أبكي على نفسي، أنعاها.

أشعر بالعجز.. بالشلل.. بالموات، سَمِّهِ ما شئت.

لكنني مع كل لحظة تمر، وكل قطرة دم تـُنزف هناك: أتعود الأمر وأتألف المأساة، وهكذا ستمر كما مرت مثيلاتها؛ فمنذ ثلاث سنوات كانت هناك مذبحة في غزة ومرت ونسيتها!!

في الوقت الذي أشعر فيه بنعمة النسيان أستشعر مرارة الإحساس باللامبالاة.

أنا متعب جداً، حزين، بائس، أشعر كأني أحدثك من تحت الركام في غزة، لا بل من بين جثث القتلى، لا بل أشعر أني محبوس بين الأكفان.

مرَّ صاروخ بجوار أذني.. كاد يصدمني، للأسف مرَّ ولم أكن بين الشهداء.

هل سأستمر في المعاناة؛ أتألم للهزيمة؟!

لا؛ بل أعتقد -مع أول فجر يبزغ، ومع أول ضوء شمس ينبثق- أني سأنسى، أكيد؛ فأنا معتاد على النسيان، أقصد اللامبالاة!!

أتساءل أحياناً:

ألست أُمني نفسي بأنه لولا الموانع لكنت مع إخواني أجاهد معهم في سبيل الله؟

لو كانت الأمنية حقيقيةً، والشعور صادقًا؛ فما المانع من أن أحيا من الآن حياة المجاهدين الشهداء؟!

فلأجاهد لمساعدة محتاج، أو نصرة مظلوم، أو محاربة بدعة، أو نشر سنة.

فلأجاهد في حفظ القرآن، في تعليم الآيات، في طبع كتاب، في نشر دعوة الخير.

فلأجاهد عند كل يتيم.. أكفله، أو أبحث عمن يكفله، عند كل أرملة.. لا تجد ما تنفقه فأعاونها.

فلأجاهد مع كل كلمة حق أصدع بها -معلماً أو متعلماً-، مع كل نصيحة تنشر.

فلأجاهد عند كل مسجد يـُبنى، عند تصحيح كل خطأ، عند كل لهفان أغيثه، عند كل بيت أصلحه، عند كل حيران أهديه.

فلأجاهد عند كل جنازة أتبعها، عند كل عارٍ أكسوه، عند كل مريض أزوره.

ولا تخلو لحظة -إن أردت- من جهاد.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة