الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

كيف واجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ظاهرة البطالة (2)

بعض الأسئلة التي توضح طريقة العلاج لظاهرة البطالة

كيف واجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ظاهرة البطالة (2)
زين العابدين كامل
الأحد ٢٦ مارس ٢٠١٧ - ١٥:١٦ م
1222

كيف واجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ظاهرة البطالة (2)

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،،

ذكرنا في المقال السابق قصة الصحابي الذي جاء يسأل رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- ويمدّ يَدَه، فسأله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أَمَا فِي بَيْتك شَيْء؟" قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ. قَالَ: "ائْتِنِي بِهِمَا"، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، وَقَالَ: "مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟"، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ. قَالَ: "مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟" مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاه وَأخذ الدِّرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِيُّ، وَقَالَ: "اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فانبذه إِلَى أهلك، واشتر بِالآخرِ قدومًا فأتني بِهِ"، فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ، وَلا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا"، فَذهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فجَاء وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) انتهى..

وهاك بعض الأسئلة التي توضح طريقة العلاج لظاهرة البطالة:

        ألم يكن بوسع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يعطيه شيئًا من المال أو الطعام؟

        هل كان ما يملِكُه الرجل يساوي بالفعل درهمين؟ أم أن المُشتَري أراد أن يكون جزءًا من الحل؟

        لماذا ساعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرجلَ في إعداد القدوم بنفسه؟

        لماذا قال له رسولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَلا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا؟

        لماذا اختار له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِهْنَةَ جَمْعِ الحَطَبِ ثم بَيْعِه؟

والإجابة: كان بوسعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يوفر له مالًا، وربما كان ما يملكه لا يساوى درهمين، وساعده في إعداد القدوم ليُشَجِّعَه ويَحُثَّه على العمل، وأعطاه فترة كافية ليرى الرجل أثَرَ ونتيجة عمله، واختار له مِهنَةً تتناسب مع حاله وقدراته، وهكذا تُواجَهُ المشكلات وتُحَلُّ.

وقد قَرَن القرآنُ الكريمُ بين الإيمان والعمل في آيات كثيرة من كِتاب الله؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَن عَمَلًا)..

وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القُدْوَةَ والمَثَل الذي يُحْتَذَى به في هذا المجال؛ حيث كان يرعى الغنم، ويُزَاوِل التِّجارة بأموال خديجة -رضي الله عنها- قبل بعثته، فعن أبي هريرة، عن النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ". فقال أصحابه: وأنتَ؟ فقال: "نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ"(أخرجه البخاري. قال سُويد -أَحَدُ رُواتِه-: يعني: كل شاةٍ بقيراط، والقيراط الذي هو جزء من الدينار أو الدرهم)..

وشَجَّعَ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المشاريع الاقتصادية بين المسلمين، وحثَّهم على المُزَارَعة، كما فعل الأنصار مع إخوانِهم المهاجرين الفقراء، الذين قَدِموا المدينةَ بلا أدني مالٍ، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قالت الأنصار للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "اقسمْ بيننا وبَيْن إخواننا النَّخِيلَ". فقال: "لا". فقالوا: "تَكْفُونَا الْمُؤْنَة, وَنَشْرَككُمْ في الثمرة". قالوا: "سمِعْنا وأطَعْنا" (أخرجه البُخاري)، أي: يساعدوهم في العمل ويشركوهم في الثمر..

كما أنكر النبي -عليه الصلاة والسلام- على من جاء مُسْتَعْطِيًا وهو جَلْدٌ قَوِيّ قادِرٌ على الكسب؛ فقد روى أحمد والنسائي أنه جاءه رجلان يسألانه الصدقة؛ فرفع فيهما البصر وخفضه، فوجدهما جَلْدَيْن قَوِيّين؛ فقال: "إن شئتما أعطيتكما، ولا حَظَّ فيها لغَنِيٍ، ولا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِب"..

ومرَّ عُمَر -رضي الله عنه- بقومٍ من أهل اليمن جاءوا إلى الحج بلا زاد، فقال: "من أنتم؟ فقالوا: المتوكلون. فقال: بل أنتم المتواكلون، إِنما المتَوَكِّلُ رَجُلٌ ألقى حَبَّةً في بطن الأرض وتَوَكَّلَ على ربه عزّ وجلّ.. وقال عُمَر -رضي الله عنه-: (لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول "اللهم ارزقني"؛ فقد عَلِمتُم أنَّ السماء لا تُمْطِرُ ذَهَبًا ولا فِضَّةً). والله المستعان ...

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com