الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

دروس مِن قصة نبي الله عيسى -عليه السلام- (2) ولادة المسيح -عليه السلام-

قصة الولادة- محنة مريم -عليها السلام- مع قومها

دروس مِن قصة نبي الله عيسى -عليه السلام- (2) ولادة المسيح -عليه السلام-
سعيد محمود
الثلاثاء ٠٤ أبريل ٢٠١٧ - ١١:١٦ ص
14741

دروس مِن قصة نبي الله عيسى -عليه السلام- (2) ولادة المسيح -عليه السلام-

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

- إشارة مختصرة إلى ما تقدم في المرة السابقة، والذي تختصره الآيات: قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ . ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران:33-37)، (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (المائدة:42).

1- قصة الولادة:

قال الله -تعالى-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا . فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا . قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا . قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا . قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا . قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا . فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا . فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا . فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا . وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا . فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) (مريم:16-26).

- ملخص الآيات: تقدَّم أن مريم -عليه السلام- لما جعلتها أمها محررة تخدم في بيت المقدس، وأنه كفلها زوج أختها -نبي ذلك الزمان- زكريا -عليه السلام-، وأنه أتخذ لها محرابًا، وهو المكان الشريف مِن المسجد لا يدخله أحدٌ عليها، وأنها لما بلغت اجتهدت في العبادة، فلم يكن لها نظير في فنون العبادات، وأنها خاطبتها الملائكة بالبشارة لها باصطفاء الله لها، وبأنه سيهب لها ولدًا يكون نبيًّا مؤيدًا بالمعجزات، وأنه يكون مِن غير أب؛ فتعجبت مِن ذلك! فأخبرتها الملائكة أن الله قادر على ما يشاء، فاستكانت لذلك وسلمت لأمر ربها، وعلمتْ أن هذا فيه محنة عظيمة لها، فإن الناس يتكلمون فيها بسببه؛ لأنهم لا يعلمون حقيقة الأمر، وإنما ينظرون إلى ظاهر الحال مِن غير تدبر أو تعقل.

وكانت إنما تخرج مِن المسجد في زمن حيضها أو لبعض شأنها، فبينما هي يوم خرجت، وانفردت وحدها شرقي المسجد إذ بعث الله إليها الروح الأمين جبريل -عليه السلام- في هيئة بشرية، فلما رأته خافته، وقالت: أعوذ بالله منك إن كنت ممن يتقي الله، ويبالي بالاستعاذة، فأخبرها الملك أنه ليس مِن البشر، ولكنه ملك بعثه الله إليها ليهب لها ولدًا زكيًّا، قالت: كيف يكون لي ولد ولستُ ذات زوج، ولا أنا ممن يفعل الفاحشة، فأجابها الملك بأن ذلك أمر الله قضاه، وهو سهل عليه ويسير لديه، فإنه على ما يشاء قدير، ويكون مِن ذلك آية للناس ودلالة على عظيم قدرة الله الذي نوع في خلقهم، وأن هذا الغلام سيكون رحمة للعباد بأن يدعوهم إلى عبادة الله وحده في صغره وكبره، ثم نفخ الملك في جيب درعها فنزلت النفخة إلى فرجها فحملت عن فورها، كما قال الله -تعالى-: (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا)، وما هو إلا أن حملت به فوضعته، وقد ألجأها الطلق إلى جذع نخلة وعند ذلك قالت: (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا)، وذلك أنها علمتْ أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها، مع أنها كانت مِن العابدات وهي مِن بيت النبوة والديانة، فعند ذلك أنطق الله الغلام، فقال: (أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) وهو النهر الصغير (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) ولم يكن ذلك زمان التمر، ولكن خرق الله لها العادة إكرامًا وتثبيتًا، ثم قال لها: (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَ?نِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا)، أي: قولي لهم ذلك بلسان الحال والإشارة، وكان ذلك في شريعتهم، أما في شريعتنا؛ فيُكره للصائم صمت يوم إلى الليل.

دروس وعبر مستفادة:

1- ولادة المسيح أمر عجيب عند الناس، لكنها عند الله أمر يسير؛ فهناك ما هو أعجب في الخلق: قال الله -تعالى-: (أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ) (النازعات:27)، وقال: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة:255)، وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) (النساء:1)، وقال: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (آل عمران:59).

2- ورع الصالحين يمنعهم مِن أخذ المشروع لهم في الدين إذا كان فيه شبهة عند الجاهلين: (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا) (مريم:23)، وقال -تعالى- عن نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ) (الأحزاب:37).

3- جواز تمني الموت عند خوف الفتنة في الدين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي) (متفق عليه).

2- محنة مريم -عليها السلام- مع قومها:

قال الله -تعالى-: (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا . يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا . فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا . قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا . وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا . وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا . ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ . مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ . فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (مريم:27-37).

- ملخص الآيات: دلت الآيات على أنها حملت ولدها بنفسها وأتت به قومها تحمله، فلما رأوا ذلك قالوا: (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا)، والفرية هي المنكرة العظيمة مِن الفعال والمقال، ثم قالوا: (يَا أُخْتَ هَارُونَ)، وكان لها أخ اسمه هارون، وكان مشهورًا بالعبادة والصلاح والخير، ولهذا قالوا: (مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا)، أي: لستِ مِن بيت هذا شيمتهم ولا سجيتهم؛ لا أخوك، ولا أبوك، ولا أمك؛ فاتهموها بالفاحشة العظمى، وربما اتهموا بها بعض الصالحين، كزكريا النبي -عليه السلام-، وابن خالتها يوسف النجار.

فلما ضاق الحال وانحصر المجال، وامتنع المقال، عظم التوكل على ذي الجلال، ولم يبقَ إلا الإخلاص والاتكال (فَأَشَارَتْ إِلَيْه)، أي: خاطبوه وكلموه فإن جوابكم عليه، وما تبغون مِن الكلام لديه، فعندها قالوا: (قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا)، وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا والاستهزاء، فعندها نطق الرضيع فقال: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ) معترفًا بالعبودية، تنزيهًا لله عن قول الظالمين الذين زعموا بعد ذلك أنه ابن الله (آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ) ثم برأ أمه مما نسبها إليه الجاهلون، فإن الله لا يعطي النبوة لولد زنا، وأنه مبارك حيث يحمل دعوة التوحيد أينما كان. (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ) وظيفة العبودية على الجوارح. (وَالزَّكَاةِ) وظيفة العبودية على المال. (مَا دُمْتُ حَيًّا . وَبَرًّا بِوَالِدَتِي)، لتأكد حقها عليه. (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) أي: لستُ بفظ ولا غليظ. (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) أي السلامة عليَّ مِن الآثام والشرور في كل مراحل وجودي. (ذَ?لِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) ثم ختمت الآيات بتقرير عبودية المسيح خلافًا لمَن عبدوه وجعلوه ولدًا لله -عز وجل-: (مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى? أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ).

دروس وعِبَر مستفادة:

1- الغلو في الأنبياء والمرسلين والصالحين، طريق الشرك على مرِّ الزمان؛ ولذلك كانت وظيفة الأنبياء حماية جناب التوحيد: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)، وعن أنس -رضي الله عنه- أن ناسًا قالوا: يَا مُحَمَّدُ يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا، وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ، لَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ) (متفق عليه).

2- المسيح -عليه السلام- أعظم مَن تكلم في المهد: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي المَهْدِ إِلَّا ثَلاَثَةٌ: عِيسَى، وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ، كَانَ يُصَلِّي، جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ المُومِسَاتِ، وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى، فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلاَمًا، فَقَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الغُلاَمَ، فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلاَمُ؟ قَالَ: الرَّاعِي، قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ؟ قَالَ: لاَ، إِلَّا مِنْ طِينٍ. وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ، ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَقَالَتْ: لِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الجَبَابِرَةِ، وَهَذِهِ الأَمَةُ يَقُولُونَ: سَرَقْتِ، زَنَيْتِ، وَلَمْ تَفْعَلْ) (متفق عليه).

فائدة: رجح الأمين الشنقيطي في أضواء البيان أن الذي تكلم مِن تحتها هو ابنها عيسى -عليه السلام-، لقرينتين:

الأولى: أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور، وأقرب مذكور هو عيسى -عليه السلام-.

الثانية: أنها لما جاءت أشارت إليه ليكلموه، قرينة على أنها عرفتْ قبْل ذلك أنه يتكلم على سبيل خرق العادة.

خاتمة:

ولادة المسيح عيسى -عليه السلام- بلا أب، أو كونه تكلم في المهد، أو غير ذلك مِن المعجزات التي أيده الله بها، لا تسوغ الغلو فيه، وزعم الألوهية له، ولقد أيد الله المسيح -عليه السلام- بكثير مِن الآيات والمعجزات في مواجهة أعدائه المكذبين الذين انتشر فيهم السحر وعلم الطب، وهذا ما يظهر معنا عند الحديث عن دعوته -عليه السلام- في قومه.

وهو ما يأتي عليه الحديث في المرة القادمة -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة