الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الزمن قوة لا تفرطوا فيها !

الزمن جزء من العلاج الرباني للبشرية، والموفّق من أحسن توظيفه في كل أحواله

الزمن قوة لا تفرطوا فيها !
أسامة شحادة
الأحد ٢٣ أبريل ٢٠١٧ - ١٩:٤٧ م
1066

 الزمن قوة لا تفرطوا فيها !

كتبه/ أسامة شحادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مَرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على بعض أصحابه يُعَذَّب في بطحاء مكة فقال: "اصبروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة"، وعن خباب بن الأرت -رضي الله عنه- قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مُتَوسِّدٌ بُردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصدّه ذلك عن دينه، والله ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون" رواه البخاري.

"ولكنكم تستعجلون" هو تحذير نبوي من خلل في التفكير والسياسة والمواقف؛ فالزمن قوة إيجابية لمن أحسن التعامل معه، وقوة سلبية لمن يسيئ التعامل معه بالعَجَلة، ومن تدبر قصص الأنبياء -عليهم السلام- مع أقوامهم يجد أن الزمن كان دوما جُنديًا مُسَخَّرًا لخدمة الحق، "وما يعلم جنود ربك إلا هو" (المدثر: 31).

يقول الشيخ المراغي في تفسير قوله تعالى: "إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين": "أي إن الحق الذي نطقت به الشرائع وأرشدت إليه التجارب هو: من يتق الله فيما به أمر وعنه نهى، ويصبر على ما أصابه من المحن وفتن الشهوات والأهواء، فلا يستعجل الأقدار بشيئ قبل أوانه، فإن الله لا يضيع أجره في الدنيا ثم يؤتيه أجره في الآخرة"، وبالصبر والتعامل الإيجابي مع الزمن بلغ يوسف عليه السلام تحقيق رؤياه وهو فتى صغير بسجود الشمس والقمر له!

وفي واقعنا المعاصر، لو تذكرنا كيف كانت أحوال المسلمين قبل عدة عقود، من شيوع الأفكار الشيوعية المُلحِدَة وانتشار الموبقات والفواحش، ومن ثم تبدلت هذه الأحوال لتسود "الصحوة الإسلامية" على غالب المجتمعات عبر جهود بسيطة وإمكانيات متواضعة، ولكن البركة الربانية والصبر وحركة الزمان قضت على تلك الجهود التي تكاتف على فرضها الكثير من الأنظمة اليسارية والمدعومة بقوى دولية كالاتحاد السوفيتي أيام عظمته وجبروته.

واليوم نحتاج من جديد إلى تطبيق قوله تعالى: "وتَوَاصَوا بالحق وتَوَاصَوا بالصبر".. نحتاج إلى الثبات على الحق، وإلى الصبر وعدم الاستعجال وترك الزمان ليعمل عمله في تفتيت الباطل.

ليست هذه دعوة للسلبية أبدًا، بل دعوة لليقظة والعمل وبذل الوسع والطاقة، دعوة للثبات على الحق والتمسك بالمبادئ، لكن هي أيضًا دعوة لضبط النفس عن الانجرار لردات الفعل الانفعالية، والتمسك بالصبر وتحمل الأذى والألم إذا لم يمكن تجنبه ونعجز عن دفعه، فليس لنا إلا الصبر والدعاء ممن يقع عليه البلاء أو ممن يشاهده وقلبه يتقطع، كما حدث مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وخباب وأصحابه -رضي الله عنهم-.

إن مرور الزمن والصبر ضرورة لنا لتعظيم الأجور عند الله -عزّ وجلّ- واصطفاء الشهداء، كما أنه الفرصة لتوبة الناس؛ فلو استجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لخباب بالدعاء بالهلاك على قريش لهلك كثير من الصحابة الذين كانوا على الكفر آنذاك!

وفي واقعنا اليوم لو أن الله -عزّ وجلّ- عَجَّل العقوبة لكثير من الناس والدول -على كفرهم وظلمهم وفحشهم- لما تمكن آلاف وملايين المسلمين من التوبة أو الدخول في الإسلام، ولكن الصبر والرضى بقدر الله -عزّ وجلّ- كان هو المفتاح الذي أَثَّر في الكثيرين للدخول في دين الله تعالى وهدايته، أو التوبة والرجوع إلى أعتابه.

الزمن جزء من العلاج الرباني للبشرية، والموفّق من أحسن توظيفه في كل أحواله، بالصبر على أهله ومجتمعه وأُمَّتِه، مع الثبات على الحق، ودوام التذكير والدعوة لهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل: أي الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: "أدومها وإن قل". وقال: "اكْلَفوا من الأعمال ما تطيقون" رواه البخاري.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً