الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

انحطاط الأُمَــم

هل بَذَلْنا شيئًا لنبدأ أولى خطوات العودة؟

انحطاط الأُمَــم
خالد آل رحيم
الاثنين ٠٨ مايو ٢٠١٧ - ٢٠:٣٣ م
1376

انحطاط الأُمَــم

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

إن من أهم أسباب انحطاط الأُمم هو التخلي عن مبادئها وعقائدها وثوابتها، والناظر في السنن يجد أنه ما من أُمَّةٍ سقطت إلا بسبب تخليها عن تلك الثوابت والعقائد والمبادئ، وما من أُمَّةٍ عاودت النهوض إلا بمعالجة تلك الأسباب والعودة إلى الأصل.

يقول ابو الحسن الندوي -رحمه الله تعالى-:

أمران لا يحدد لهما وقت بدقة: النوم في حياة الفرد، والانحطاط في حياة الأُمَّة؛ فلا يشعر بهما إلا إذا غلبا واستويا.

وحديثنا لأُمَّتِنا -أُمَّة الإسلام- التي أعطاها المولى تعالى الخيرية على جميع الأُمَم فقال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، واختار لها دينًا اختاره لنفسه -جلَّ وعَلَا- فقال: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ)، بل أعظم من ذلك أنه أخبر -تعالى- أنه لن يقبل من أحد دينًا غيره فقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ).

الغريب أن تجد بعض من ينتمي لهذه الأُمَّة يبحث عن رفعتها في غير دينها وعقيدتها؛ كسراب بقيعة يبحث الظمآن فيه عن الماء؛ فلا هو وَجَد الماء، ولا هو أَذْهَب الظمأ، وصار البعض يَفِرّ من دينه كالحُمُر المستنفرة التي ذكرها المولى -تعالى- في كتابه (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ).

وقد عَلَّق ابن قيم الجوزية على هذه الآية قائلًا: (وهذا غاية الذم لهؤلاء؛ فإنهم نفروا عن الهدى الذي فيه سعادتهم وحياتهم كنفور الحمر مما يُهلِكها ويعقرها، وتحت "المستنفرة" معنى أبلغ من النافرة؛ فإنها لشدة نفورها قد استنفر بعضُها بعضًا وحَضَّه على النفور).

وقد ذكر ابن خلدون في كتابه "العِبَر وديوان المبتدأ والخبر": أن عُبيدالله بن مروان فَرَّ هارِبًا إلى النوبة بعد زوال مُلْكِ بني أُمَيَّة, فدخل عليه يومًا مَلِكُ النوبة، فجلس على الأرض، فقال له عُبيدالله: ما يمنعك أن تجلس على ثيابنا؟ فقال: أني مَلِك! وحق لكل ملك أن يتواضع لعظمة الله إذا رفعه الله..

ثم قال: لِمَ تشربون الخمر وهي مُحَرّمة عليكم في كتابكم؟ فقلت: اجترأ على ذلك عبيدنا وأتباعنا بجهلهم..

فقال: فلم تطؤون الزرع بدوابكم والفساد محرم عليكم؟ قلت: فعل ذلك عبيدنا وأتباعنا بجهلهم..

قال: فلم تلبسون الديباج والذهب والحرير وهو محرم عليكم في كتابكم؟ قلت: ذهب منا المُلك وانتصرنا بقوم من العجم دخلوا في ديننا فلَبِسوا ذلك على كُرْهٍ منا..

فأطرق ينكث بيده في الأرض ويقول: عبيدنا، وأتباعنا، وأعاجم دخلوا في ديننا!..

ثم رَفَع رأسه إِلَيَّ وقال: ليس كما ذكرت؛ بل أنتم قومٌ استحللتم ما حَرَّم الله عليكم, وأتيتم ما عنه نُهِيتُم, وظَلَمتم فيما ملكتم، فسَلَبَكم الله العِزّ، وأَلبَسَكم الذُلّ بذنوبكم، ولله نقمة لم تبلغ غايتها فيكم، وأنا خائف أن يَحِلَّ بكم العذاب وأنتم ببلدي فينالني معكم، وإنما الضيافة ثلاث؛ فتَزَوَّدْ ما احتجت إليه، وارتحل عن أرضي.

قال الأشقر -رحمه الله تعالى-: "لقد أدرك هذا النوبيّ الأسباب الحقيقية التي أَطاحَت بمُلْكِ بني أُمَيَّة، وأن أهم الأسباب الظُّلْم، ظُلْم النفوس بالذنوب والمعاصي، وظلم العباد بعدم إنفاذ حكم الله على وجهه الحق" (انتهى).

وما نراه الآن من التخَبُّط والعشوائية والتخوين والتكفير بين أبناء الأُمَّة بسبب أنهم لم يُراجعوا دِينَهم، وصارت أمورُهم إلى أهوائِهم؛ فصارت الأُمَّةُ في مؤخرة الأُمَم، بعد أن كانت القائِدَة والرائِدَة للعالم بأَسْرِه.

وقد وقفت على موقف ينبغي ألا يَمُرّ على قارِئِه مرور الكرام، وهو موقف "اللنبي" -القائد الصليبي- عندما دَخَل دمشق، فكان أول ما فَعَله أن ذَهَبَ إلى قبر صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله تعالى- فلما وقف عليه رَكَلَه بِرِجْلِه، وقال له: "قُمْ يا صلاح الدين، لقد عُدْنا"!

فتلك أُمَمٌ خَطَّطَتْ لعودتها وعادت، وقد مَثَّل هذا الموقف مدى اهتمامهم بالعمل على عودتهم بعد فترة انحطاط كبيرة..

ونحن -أُمَّة الإسلام- أَحَقُّ بذلك؛ فهل بَذَلْنا شيئًا لنبدأ أولى خطوات العودة؟ أم سنظل في انحطاطنا؟!.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة