السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

هلموا إلى النفحات الطيبات

ولهذا الشهر الفضيل آدابٌ لاستقباله، ولاستشعار روحانياته

هلموا إلى النفحات الطيبات
أحمد مسعود الفقي
الأربعاء ١٠ مايو ٢٠١٧ - ١٨:٣١ م
1851

هلموا إلى النفحات الطيبات

كتبه/ أحمد مسعود الفقي

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

وأشهد إن لا إله إلا لله، واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم

وبعد!!

أيام قليلة ويقبل علينا شهر من أفضل شهور العام، شهر تهفو نفوس المسلمين إليه، لتصفو فيه قلوبهم، وتكثر فيه عباداتهم، فيزدادوا قربًا من الله عز وجل، فلا تراهم إلا بين راكع وساجد ، وتالٍ للقرآن ومسبحٍ ، وصائمٍ ومتصدقٍ، وهذا لاشك ما ينبغي أن يكون عليه المسلم، في سائر العام، وليس في هذا الشهر فحسب.

إنه شهر رمضان الكريم.. ولهذا الشهر الفضيل آدابٌ لاستقباله، ولاستشعار روحانياته.

أتى رمضــان مــزرعة العبــاد ... لتطـهير القلــوب من الفســاد

فــأد حقــوقــه قــولًا وفعــلًا ... وزادك فــاتـخـذه إلى الـمعــاد

فـمـن زرع الحبوب وماسقـاها ... تـأوه نـادمـًا يــوم الـحصــاد

فبعض المسلمين حين يستقبلون هذا الشهر، يستقبلونه بحفاوةٍ، ولكن بحفاوةٍ غير التي يريدها الله، فيستقبلونه وقد تفننوا  في المترفات، وتفننوا في المسليات، بل وتفننوا  في الانحرافات أيضًا، ويعدون له من كل ذلك أشهى الألوان، وكأنهم قد عاشوا طيلة عامهم محرومين من مناهج التسلية، ومن مترفات الحياة، فجاءوا ليعوضوا في ذلك الشهر، وقد كان من الواجب عليهم أن يستغفروا الله، عن غفلتهم طيلة العام المنصرم، بيقظتهم في ذلك الشهر الكريم ، وقد انصرم العام الماضي بما فيه، ورفعت الأعمال حسنها وسيئها إلى الله تعالى في شعبان، فالله المستعان.

أما المغرضون فيحبون منا هذا اللون من الحياة، وهو الانشغال بهذه الملذات والمترفات عن طاعة رب الأرض والسموات، بل ويعينوننا علي ذلك، وربما أعانونا بكل شيء يؤصّل فينا انصرافَنا عن لُبِّ الدين وجوهر اليقين، وذلك بما يبثون من المسلسلات الهابطة، والأفلام المثيرة للغرائز، والبرامج التي تكون سببًا في ضياع الوقت، الذي هو عمر الإنسان في الحقيقة، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: “وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خيٌر من حياته”. والمسلمون هم الذين يعطونهم الفرصة لذلك، وكان من الممكن أن نَلْفِتَهُم نحن إلى حسن هذا الدين وإلى جمالِهِ إن رأونا متمسكين به ملتزمينَ بما يطلبه منا، ولكنهم يَرَوْن منا انصرافًا عن الدين ،وعن القيم والأخلاق الكريمة، وعن ((هذا الشهر الكريم، الذي جعله الله موسمًا للخيرات، ومغتنمًا لاكتساب الأعمال الصالحات، وأنعم علينا فيه بنعمٍ سابقة، ونعم مستمرة دائمة؛ ففي هذا الشهر أنزل الل وفي هذا الشهر أعطيت أمة محمد صلى الله عليه وسلم خمس خصال لم تعطهن أمة من الأمم قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويُزيِّن الله كل يوم جنته، ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ويصيروا إليكِ. وتُصفَّد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة. قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟ قال: "لا، ولكن العامل إنما يُوفَّى أجره إذا قضى عمله")) رواه أحمد (7904)، وضعفه الأرناءوط. من مقال للشيخ/ محمد الصالح العثيمين (رحمه الله)

أيها المسلمون : يجب علينا أن نستقبل شهر رمضان بتوبةٍ صادقةٍ خالصةٍ نصوحٍ، نقلع فيها عن كل معصيةٍ، ونندم على ما مضى من أعمارنا في معصية الله، ونعاهد الله ألا نعود لمعصية، كما يجب أن نحاسب أنفسنا على ما أسلفنا من خيرٍ، نحمد الله عليه، ونسأله التوفيق إلي المزيد منه، أو شرٍّ نأسف عليه، ونتوب ونستغفر الله منه، ونسأله أن يحفظنا من العودة إليه.

يقول الله تعالى: [ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً ] [التحريم 8]

ويقول أيضا: [وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] [النور:31]

قال أبو نواس وهو من شعراء العصر العباسي:

يا نفـس توبي قبـل أن        لا تستطيعي أن تتوبي

واستغفري لذنوبك ال          رحمن غفــار الذنـوب

إن المنايا كالرياح              عليك دائمــة الهبـوب

وإذا كان العبد مطلوباً منه أن يتوب في كل وحين، فالتوبة في رمضان تتأكد، لأنه شهر عظيم، تتنزل فيه رحمات رب العالمين، لكنه يحتاج من العباد إلى إقبال على الله تعالى.

وكذلك يجب على المؤمن أن يستقبل رمضان، ويستعد له بمعرفة شروطه و أحكامه وموانعه، وغيرها من المسائل الفقهية المتعلقة به، حتى لا يخطئ في جنب الله وهو غافل، أو يعصيه من حيث لا يدري.  فقال سبحانه: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[الأنبياء:7].

ويجب أن نستقبل شهر رمضان بفرح و سعادة، ففي هذا الشهر تغلق أبواب النار، و تكبل الشياطين، و تفتح أبواب الجنة، و تضاعف الحسنات، فهذا الشهر أفضل شهور السنة و خيرها، فلا تستقبل شهر رمضان و أنت في قلبك كره لأحد، أو حقد علي إنسان مهما أخطأ في حقك، فسامح جميع الناس و صالح من تخاصمت معه، ولا تجعل الحقد و الكره يضيعون عليك فضائل هذا الشهر الكريم.

يقول الحسن البصري رحمه الله: (إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا! فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون! ويخسر فيه المبطلون!)

كان السلف الصالح يدركون هذه النعمة ويقدرون لها قدرها فيسألون الله على ما ذكر ستة أشهر أن يبلغهم رمضان فإذا أدركوه بكوا من الفرح واجتهدوا في الطاعات ونافسوا في الخيرات وسارعوا إلى المغفرة والجنات فإذا ولَّى ودَّعوه بقلوب حزينة وأعين دامعة وسألوا الله ستة أشهر أخرى أن يتقبل منهم رمضان فالسنة عندهم كانت كلها رمضان ، وكان من دعائهم اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلاً.

باع قوم من السلف جارية لهم لأحد الناس، فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات، لاستقبال رمضان كما يصنع كثير من المسلمين اليوم، فلما رأت الجارية ذلك منهم قالت : لماذا تصنعون ذلك ؟ قالوا لاستقبال شهر رمضان، فقالت وأنتم لا تصومون إلا في رمضان ؟!والله لقد جئت من عند قوم السنة عندهم كأنها كلها رمضان، لا حاجة لي فيكم ردوني إليهم، فرجعت لسيدها الأول.

ويروى أن الحسن بن صالح، وهو من الزهاد العباد الورعين الأتقياء ،كان يقوم الليل هو وأخوه وأمه، فلما ماتت أمه تناصف هو وأخوه الليل، فيقوم نصفه ويقوم أخوه النصف الآخر، فلما مات أخوه صار يقوم الليل كله.

وكان لدى الحسن هذا جارية، فاشتراها منه بعضهم، فلما انتصف الليل عند سيدها الجديد، قامت تصيح في الدار يا قوم الصلاة الصلاة، فقاموا فزعين وسألوها، هل طلع الفجر؟ فقالت وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة؟! فلما أصبحت رجعت إلى الحسن بن صالح، وقالت: بعتني إلى قوم سوء لا يصلون إلا الفريضة، ولا يصومون إلا الفريضة فردني فردها.

نسأل الله عز وجل أن يبلغنا رمضان وأن يوفقنا لطاعته والعمل لمرضاته

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً