أسباب حسن الخاتمة (موعظة الأسبوع)
كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما
بعد؛
مقدمة:
- الإشارة إلى المقال السابق: "علامات حسن
الخاتمة "، وأن هذه العلامات لها أسباب تؤدي إليها، وهي ما نتناوله اليوم
بإذن الله -تعالى-.
- الصالحون مشغولون بخاتمتهم وتحصيل أسبابها: كان مِن دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَا
وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، ثَبِّتْنِي بِهِ حَتَّى أَلْقَاكَ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني)، وكان -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ مِن فتنة المحيا والممات.
- أسباب حسن الخاتمة حاصلة لمن حرص عليها ووفقه
الله إليها: قال الله
-تعالى-: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ
اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (إبراهيم:27).
مِن علامات حسن الخاتمة:
(1) الاستقامة:
- الاستقامة أعظم كرامة، وسبب عظيم في حسن
الخاتمة: قال الله
-تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ
ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا
تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت:30)، وقال
-تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ
ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأحقاف:13)، ولما سُئل
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن الاستقامة، قال: "أن تستقيم على الأمر
والنهي، وألا تروغ روغان الثعالب!".
- أهل الاستقامة هم الذين يوفقون للخاتمة الحسنة: ذكر الإمام الذهبي -رحمه الله- في السِّير: "لما حضر أبو سفيان بن الحارث
بن عبد المطلب -رضي الله عنه- قال: لا تبكوا عليَّ؛ فإني لم أتنطف بخطيئة منذ
أسلمتُ!".
(2) التقوى:
- لعظيم أمر التقوى، وأنها سبب النجاة، أمر الله
بلزومها حتى الموت بما يدل على أنها مِن علامات حسن الخاتمة: قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(آل عمران:102).
- سكرات الموت وشدته ضيق يفرجه التقوى: قال الله -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل
لَّهُ مَخْرَجًا) (الطلاق:2)، وقال
-تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ
أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق:4).
(3) حسن الظن بالله -تعالى-:
- ويتأكد ذلك عند الإقبال على الموت أو اشتداد
المرض: عن جابر -رضي
الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبْل موته بثلاث يقول: (لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ
بِاللَّهِ) (رواه مسلم)، وعن أنس -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي المَوْتِ، فَقَالَ: (كَيْفَ تَجِدُكَ؟)، قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَا
يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا المَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ
اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ) (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وحسنه الألباني).
(4) الصدق:
- أمر الله به وملازمته حتى الممات: فقال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة:119).
- الصدق سبب في حسن الخاتمة وطيب المآل: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: عَمِّيَ الَّذِي سُمِّيتُ بِهِ لَمْ
يَشْهَدْ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا-، قَالَ:
فَشَقَّ عَلَيْهِ، قَالَ: أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُيِّبْتُ عَنْهُ، وَإِنْ أَرَانِيَ اللهُ مَشْهَدًا فِيمَا
بَعْدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيَرَانِي اللهُ
مَا أَصْنَعُ، فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا، فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ، فَاسْتَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ
مُعَاذٍ، فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ: يَا أَبَا عَمْرٍو، أَيْنَ؟ فَقَالَ: وَاهًا
لِرِيحِ الْجَنَّةِ أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ، فَوُجِدَ
فِي جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ،
فَقَالَتْ أُخْتُهُ -عَمَّتِيَ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ- فَمَا عَرَفْتُ
أَخِي إِلَّا بِبَنَانِهِ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (رِجَالٌ
صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ
مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب:23)، فَكَانُوا
يُرَوْنَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ" (رواه مسلم).
- بالصدق تنال الخاتمة التي ترجو: عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِي -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَعْرَابِ
جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَآمَنَ بِهِ،
وَاتَّبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ، فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ،
غَنِمَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْيًا، فَقَسَمَ،
وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهَ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى
ظَهْرَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ، دَفَعُوهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا:
قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فَأَخَذَهُ، فَجَاءَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فقَالَ: (قَسَمْتُهُ لَكَ)،
قَال: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنِ اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى
هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ، فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ،
قَالَ: (إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ، يَصْدُقْكَ)،
فَلَبِثُوا قَلِيلا، ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحْمَلُ، قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ
حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أهُوَ هُوَ؟!)، فَقَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: (صَدَقَ اللَّهَ، فَصَدَّقَهُ)، ثُمَّ كَفَّنَهُ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ قَدَّمَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَكَانَ مِمَّا
ظَهَرَ مِنْ صَلاتِهِ عَلَيْهِ: (اللَّهُمَّ هَذَا
عَبْدُكَ، خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ، فَقُتِلَ شَهِيدًا، أَنَا شَهِيدٌ
عَلَيْهِ) (رواه
النسائي، وصححه الألباني).
(5) التوبة:
- أمر الله بالتوبة على الدوام ليكون عليها حسن
الختام: قال الله
-تعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ
الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31).
- مَن خُتم عمره تائبًا نجا، ولو عمل ما عمل قبْل
ذلك: عن أبي سعيد
الخدري -رضي الله عنه-: أنَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: (كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ
تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا
فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لاَ، فَقَتَلَهُ، فَجَعَلَ
يَسْأَلُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا، فَأَدْرَكَهُ
المَوْتُ، فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ
الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ العَذَابِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ
تَقَرَّبِي، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وَقَالَ: قِيسُوا
مَا بَيْنَهُمَا، فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ)
(متفق عليه).
وفي حديث ماعز الأسلمي -رضي الله عنه- لما جاء
إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تائبًا مِن الزنا، وقال: "يَا رَسُولَ اللهِ،
طَهِّرْنِي"، وفي الحديث: (لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً
لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ) (متفق عليه).
(6) الحذر مِن أسباب سوء الخاتمة:
مِن أعظمها: "فساد العقيدة - محاربة السُّنة واتباع البدعة - النفاق - إلف المعصية
والإصرار عليها - حب الدنيا - تعلق القلب بغير الله - التسويف بالتوبة".
وسنذكرها في حديثٍ قادمٍ -إن شاء الله-.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حُسن الخاتمة.
موقع أنا السلفي
www.anasalafy.com