الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

"الدعوة السلفية" تستنكر تصريحات الرئيس التونسي.. وتؤكد: دعوات تُصادم الشريعة

"الدعوة السلفية" تستنكر تصريحات الرئيس التونسي.. وتؤكد: دعوات تُصادم الشريعة
الأربعاء ١٦ أغسطس ٢٠١٧ - ١٩:١٤ م
898

أصدرت الدعوة السلفية، بيانا حول تصريحات الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، التي دعا فيها إلى سن قوانين للمساواة بين الرجل والمرأة، وإباحة زواج المسلمة من الكافر.

وإل نص البيان:
بيانٌ من "الدعوة السلفية" بشأن دعوات الرئيس التونسي للمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث وإباحة زواج المسلمة من الكافر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد,

فوجئ العالمُ الإسلاميُ بخطابٍ صادمٍ لرئيسِ جمهوريةِ تونس، الباجي قائد السبسي، دعا فيه إلى سنِّ قوانين تصادمُ بعضَ قطعيات الشريعة وبالأخص:

- مسألةُ مساواة المرأة بالرجلِ في الميراثِ.

- مسألةُ إباحة زواج المسلمة من الكافر.

وكانت الصدمة أشد فيما بعد من بيان ديوان الإفتاء في دولة تونس، فبدلًا من أن يُبيّنوا الأمر للخاصة والعامة، ولعل الرجل قد التبس عليه الفهمُ –رغم أن المسائل التي تَحدّثَ عنها من مسائل الإجماع التي تستند على أدلة قطعية من الكتاب والسنة- اختاروا جانب التلبيس، وأثنوا على كلام الرجل من باب أن دعاوى المساواة بين الرجل والمرأة قد قررتها الشريعةُ الإسلامية في قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ}.

 وفي هذا الصدد تؤكد "الدعوة السلفية" على الأمور التالية:

1-    أن دعوى الاجتهاد في المسائل التي أجمعت عليها الأمةُ هو نوع من العبثِ بدين الله -عز وجل- قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}،وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ) (رواه مسلم)، وفي رواية: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَوَّامَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)؛ فلا تخلو الأرض مِن قائمٍ لله بحجةٍ.

ومنه عُلم أن الأمةَ لا تجتمعُ على ضلالةٍ أبدًا، وأن من يخالف إجماع الأمة هو الذي يقع في الضلالة، كما قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

2-    أنَّ بعض هذه الأحكام -المُجمع عليها- يعرفُها علماءُ الشريعةِ، ويعرفها غيرهم، بل يعرفُها الكفارُ الذين يخالطون المسلمين، وهي ما يَطلقُ عليها أهلُ العلمِ وصفَ "المعلوم من الدين بالضرورة"، وبالتالي يُكفّرون من يُنكره؛ من بابِ أنَّ الحجةَ فيها مقامةٌ على كلِ أحدِ باستفاضةِ العلمِ بها، وإذا كان يتصور في هذا الزمان الجهل ببعض البدهيات ولكن الأمر في غاية الخطورة على من يخوض في دين الله بغير علم لاسيما في هذه المسائل.

3-    كما ينبغي التنبيه على أنّ أمورَ الدينِ كُلّها مبناها على الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وأنه بفرض أنّ مسألةً ما وصفتْ بأنها ليس فيها إجماعٌ أو أنّ أدلتها ليستْ قطعية، فليس معنى هذا فتح باب التحريف والتبديل والقول على الله بغير علم، وإنما الاجتهاد القائم على رد المتشابه إلى المُحكم وفق قواعد يعلمها أهل العلم، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ  فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ  وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ  وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا  وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}.

4-    أنّ المواريث من المسائل التي جاءت مفصّلة في القرآن الكريم بشكلٍ واضحٍ وبيّنٍ بما لا يحتملُ أي اجتهاد أو نظر، ومنها أن بنتَ المتوفى لها نصف نصيب الابن، وهذا ثابتٌ في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}.

وأن هذه القاعدة لا تنطبق على كل رجل وامرأة في الميراث، كما قد يتوهمه بعضُ الجهلاء، بل قد يترك المتوفى بنتين وجمع من الأشقاء، فتأخذ البنتان الثلثين، ويشترك كُلُّ أشقائه ذكورهم وإناثهم في الثلث، للذكر مثل حظ الأنثيين، لقوله تعالى:{وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ}، فيكون في هذه الحالة نصيب أخت المتوفى على النصف من نصيب أخيه في حين أن نصيبَ بنت المتوفى أكثر من ضعفِ نصيب أخيه، والأمثلةُ على ذلك كثيرة.

5- مسألة حُرمة زواج المسلمةِ من الكافرِ، هي أيضا مما جاء النص عليه في القرآن الكريم، ومما أجمعتْ الأمّةُ عليه على مر العصور؛  لقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}.

قال الإمامُ ابن جزي: "وإنّ نكاحَ كافر مسلمة يَحرمُ على الإطلاقِ بإجماعٍ"، وقال الإمام ابن قدامة: "إذ لا يجوزُ لكافرٍ نكاحَ مسلمة"، قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم".

5-    قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ}، فيه أن الشريعةَ جاءتْ بالعدلِ بين الرجالِ والنساءِ، فيما أعطت كلَّ طرفٍ من حقوق، وما ألزمته من واجبات، وهذا إن سميّ مساواة مع وضوح هذا المعنى فلا مشاح في الاصطلاح، وأما المساواة بمعنى التطابق في كل شيء فلم تأت به الشريعةُ الإسلامية، ولا أي شريعة منتسبة للشرائع السماوية أو حتى من الشرائع الأرضية، فلا بد في النهاية من أن يكون عندهم طائفة من الأحكام التي يختص بها كل جنسٍ، وقد حاولتْ بعضُ الأمم أن تُثبت أن المساواةَ المطلقة بين الجنسين ممكنة؛ فبدأوا يجربون أمورًا مضحكةً مبكيةً من التلاعبِ البيولوجي في خلق الله؛ ليجعلوا الرجالَ يقومون بما خلق له النساء، أو العكس، ورغم المليارات التي تنفق على هذه المحاولات إلا أنها ما زالت محل استهجان كل عقلاء العالم بغض النظر عن دينهم.

7-  لا يجوز بأي حال من الأحوال الاحتجاج بأي نص عام في دستور أو غيره على مصادمة أحكام الشريعة الأسلامية؛ لأن الدستور في النهاية كلامُ البشرِ، ولا قدسية له، بل واضعوه أنفسهم قد يسارعون بالتراجع عن بعض مواده، فسواء كان هناك ضابطٌ واضحٌ في الدساتير بعدم جواز مخالفة الشريعة كما في الدستور المصري أو اكتفى الدستور بالنص على أن دين الدولة الإسلام كما هو الحال في الدستور التونسي أو حتى خلا الدستور من أية إشارة إلى ذلك، فلزوم حكم الشريعة للمسلم لا يفتقر إلى مستند خارجي، ومن الناحية الديمقراطية البحتة؛ فإن معرفة مجالس التشريع النيابية أن غالب أفراد شعبها عليهم التزام ديني معين، فهذا يلزم هذه المجالس أن تحترم هذا، لا أن تتدرج في التحايل عليه، أو استيعابه، كما دندن الرئيسُ التونسي في خطابِه.

8- نذكرُ الجميعَ بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا طاعة لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ"، وقد بيّن اللهُ مصيرَ من يُطيع الحكامَ في معصيته، فقال:{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}.

وذمّ الذين اتبعوا علماء السوء ممن يُعلم عنهم تطويع الشرع لأهوائهم أو أهواء غيرهم من الحكام أو العامة، فقال: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا  لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ  سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

9- نحذرُ الجميعَ من مغبةِ العدولِ عن أحكامِ الشريعةِ الثابتةِ إلى أي مصدر آخر كائنًا ما كان، وقد قال الله –تعالى- عن من فعل شيئًا من هذا: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، وقال: {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وقال: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

10- تقدرُ "الدعوة السلفية" موقفَ الأزهر من هذه الدعوات في هذا الموقف، وفي غيره من المواقف التي كان للمواقف الحكيمةِ التي اتخذها الأزهرُ أكبر الأثر في أن يتضحَ الحقُ فيها بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، وباستمرار العقد الاجتماعي في بلادِ المسلمين بين الشعوب وحكوماتها، والذي تمثل مرجعيةُ الشريعةِ فيه -لاسيما ما يتعلق بالأحكام المُجمع عليها- جزءًا جوهريًا منه.

نسألُ اللهَ أنْ يَهدينا جميعًا إلى سواء السبيل.

الدعوة السلفية - مصر

23  ذي القعدة 1438

 15 أغسطس 2017

تصنيفات المادة