الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مِن دروس الأضحى: "دعوة التوحيد - كمال الشريعة - النساء شقائق الرجال - التكافل - الوحدة"

ومِن بيْن الدروس الكثيرة التي تفوح مِن هذه المناسبة العظيمة، نقتطف هذه الدروس لعل الله أن ينفعنا بها

مِن دروس الأضحى: "دعوة التوحيد - كمال الشريعة - النساء شقائق الرجال - التكافل - الوحدة"
الدعوة السلفية
الخميس ٣١ أغسطس ٢٠١٧ - ١٥:٣٠ م
1713

مِن دروس الأضحى: "دعوة التوحيد - كمال الشريعة - النساء شقائق الرجال - التكافل - الوحدة"

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

معشر المسلمين...

هذا يوم عيدنا "يوم الحج الأكبر"، يوم يربط حاضرنا بماضينا؛ لنستلهم منه الطريق الذي ينبغي أن نسير عليه.

ومِن بيْن الدروس الكثيرة التي تفوح مِن هذه المناسبة العظيمة، نقتطف هذه الدروس لعل الله أن ينفعنا بها:

دعوة التوحيد:

إذا ذُكر الحج ذُكر إبراهيم -عليه السلام- "إمام هذه الملة" وجهاده، وإقامته لمعالَم التوحيد، وذُكرتْ تلك الملة الحنيفية، قال الله -تعالى-: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)، وقال -تعالى-: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران:67).

وذُكرتْ تلك الأسوة الحسنة التي ضربها إبراهيم -عليه السلام- لمَن بعده في الموالاة في الله: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة:4).

وفي الجملة: إذا ذُكر إبراهيم -عليه السلام-؛ ذُكرَ القلب السليم الذي ذكره -عليه السلام- في دعائه: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ . يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:87-89).

وهذا القلب السليم هو القلب الذي يمتلأ بمحبة الله والخوف منه، والتوكل عليه، والإنابة والإخبات إليه، وغيرها مِن أعمال القلوب التي هي لأعمال الجوارح كالروح بالنسبة للجسد.

كمال الشريعة:

امتن الله على هذه الأمة بكمال الشريعة وحُسنها، وقد بيَّنها رسوله -صلى الله عليه وسلم- بقوله وفعله، وقد ادخر الله -عز وجل- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- عبادةَ الحج ليختم بها حياته، ويعلِّمها لأمته كما علَّمهم غيرها، وليقول -صلى الله عليه وسلم-: (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) (رواه مسلم)، ولينزل عليها فيها قوله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة:3).

وعلى الرغم مِن يقين المسلمين بهذا؛ إلا أن يقينهم يزداد يومًا بعد آخر حينما يرون كثيرًا مِن "باحثي الغرب" يقرون بكمال الشريعة وتمامها مِن الناحية المصلحية البحتة، ويتحسرون على تخبطهم في تجارب عديدةٍ في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، بينما الحل الأمثل في شريعة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-!

النساء شقائق الرجال:

ومِن أهم الأمثلة على ذلك: باب العلاقة بيْن الرجال والنساء، والذي أقامت الشريعةُ فيه ميزانَ العدل بينهما؛ ليتقاسموا في الدنيا الأعباء، ولتتكامل أدوراهما بدلًا مِن أن تتناطح، وليسعى كلُّ إنسانٍ؛ ذكرًا كان أو أنثى إلى المسارعة والمسابقة في إخلاص العبادة للخالق، والإحسان إلى المخلوقين؛ فيسعد في الدنيا والآخرة.

قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (النساء:124)، وأكَّد النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بقوله: (إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).  

ولقد رصد علماء الاجتماع أثر "أحكام الأسرة" في "الشريعة الإسلامية" على استقرار المجتمعات الإسلامية حتى في فترات الضعف التي أصابتها، ولذلك فلا عجب أن يسعى الأعداء "وعبْر بعض أبناء الأمة للأسف!" لتقويض هذا البنيان العظيم؛ مما يوجب علينا الحذر مِن مكائدهم التي يروجونها عندنا بدعاوى زائفة، مثل: "حرية المرأة - أو مساواتها بالرجل في الميراث في الحالات التي قضى فيها الشرع بغير ذلك؛ حكمة منه وعدلًا - أو غيرها مِن القضايا".

فالمرأة المسلمة كالرجل المسلم كلاهما لله عبد؛ عليه الالتزام بشرعه الكامل الشامل، ولنعلم أننا إن أردنا أن نحمد الله على نعمة الإسلام وشريعته الجامعة؛ فإن ذلك لا يتم إلا بالتمسك بها، وتعلمها وتعليمها، وبيان محاسنها للناس جميعًا (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) (الأنفال:42).  

التكافل:

وإذا كانت الشريعة قد ضبطتْ نظام الأسرة بما يحقق التوازن بيْن أطرافها، في حين تخبطت المناهج الأرضية؛ فذات الكلام ينطبق على التوازن بيْن كل طرفين: الحاكم والمحكوم، والكبير والصغير، ولعل مِن أهم هذه الجوانب ضبط العلاقة بيْن الأغنياء والفقراء.

إن مِن أكثر جوانب العظمة في تلك الشريعة أنها لمْ تعادي الأغنياء أو تسلب منهم أموالهم كـ"النظم الشيوعية!"، وفي ذات الوقت لم تترك لهم الحبل على الغارب كـ"النظم الرأسمالية!"، وإنما شرعتْ أنواعًا مِن التشريعات يحصل بها التكافل بيْن أبناء الأمة مِن: "الزكاة - والصدقة - والنذور - والكفارات".

وارتبط كلُّ عيدٍ مِن عيدي المسلمين بشعيرة يحصل فيها تكافل بيْن أغنياء الأمة وفقرائها: فشُرعتْ "زكاة الفطر" في "عيد الفطر"، وشُرعت "الأضحية" في "عيد الأضحى"، وهي سنة مؤكَّدة فيها إحياء لسُنة إبراهيم -عليه السلام-، وفيها تكافل بيْن المجتمع؛ فهي قربان نقدِّمه إلى الله -تعالى-؛ إلا أن الله تصدق به علينا وأذِن لنا في التصرف فيه، وأرشد إلى التصرف الأمثل في قوله: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) (الحج:36). أي: كلوا واهْدُوا إلى الأغنياء القانعين، وتصدقوا على الفقراء المحتاجين.

وقد استحب السلف أن تكون هذه الأقسام الثلاثة متساوية تقريبًا، فإن كان لا بد مِن تفضيل أحد هذه الأقسام فليكن قسم الفقراء؛ لا سيما في هذه الأزمنة التي غلتْ فيها الأسعار، واشتد فيه الحال على الفقراء.

الوحدة:

قال الله -تعالى-: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:92).

ولعلك لا تدرك المعنى التام لهذه الآية الكريمة إلا عندما يَمنُّ الله عليك بالحج أو العمرة، أو عندما تطالِع مشاهد الحجيج في وسائل الإعلام؛ أناس جاءوا مِن بقاعٍ شتى، ألوانهم مختلفة، وعاداتهم مختلفة، ولكن وحَّدتهم "ملابس الإحرام" البسيطة التي تذكِّر بني آدم بأصل المساواة بينهم، ألسنتهم مختلفة، ولكن مع اختلاف لغاتهم؛ فكلهم يلهج بالتلبية، والتكبير، والتحميد، والتهليل.

نسأل الله -تعالى- أن يَرفع عن بلاد المسلمين الغلا والوبا، وأن يتقبَّل مِن المضحين أضحياتهم، وأن يرد الحجيج إلى بلادهم سالمين غانمين.

وتَقبَّل الله منا ومنكم.

الدعوة السلفية - مصر

عيد الأضحى المبارك 1438هـ - 2017م

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com