الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

القصد القصد تبلغوا (2)

من مقتضيات الإيمان العمل بما تستلزمه الأخوَّة بين المؤمنين من التراحم والتوادد والتعاطف

القصد القصد تبلغوا (2)
أحمد مسعود الفقي
الأحد ٢٢ أكتوبر ٢٠١٧ - ١٥:٤٠ م
1115

القصد القصد تبلغوا (2)

كتبه/ أحمد مسعود الفقي

    الحمد لله وحد وأصلي وأسلم على من لا نبي بعده وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم

أما بعد:  

فهذه تكملة للمقال السابق الذي بعنوان" القصد القصد تبلغوا 1 "

....  كذلك ينبغي على العبد أن يعلم أن الإسلام دين الوسطية والاعتدال في كل شيء لا سيما الإنفاق فمن رحمة الله بالناس أن ارتضى لهم دينا قيما وسطا لا مغالاة فيه ولا تقصير ولا إفراط فيه ولا تفريط قال تعالى:(وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) البقرة١٤٣

  وقال تعالى في معرض حديثه عن صفات عباد الرحمن (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) الفرقان٦٧

    قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا الآية: أي  ليسوا مبذرين في إنفاقهم ، فيصرفوا فوق الحاجة ، ولا بخلاء على أهليهم ، فيقصروا في حقهم فلا يكفوهم بل عدلا خيارا ، وخير الأمور أوسطها.

      بل نهى سبحانه وتعالى عباده عن كلا الأمرين[ البخل والشح ]و[الإسراف والتبذير] في الإنفاق  فقال جل وعلا:(ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا)الإسراء ٢٩

  ثم يأتي دور الترشيد في الاستهلاك والاقتصاد في الإنفاق بما يعين العبد على مواجهة هذه الأزمات

  عن المقدام بن معد يكرب رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن، بحسب امرئ أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) رواه الإمام أحمد و الترمذي و النسائي و ابن ماجة ، وصححه الألباني

  فندب النبي-صلى الله عليه وسلم-إلى التقليل من الأكل حيث قال: "حسب امرئ أكلات يقمن صلبه"

وفي " الصحيحين" أن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم أضاف كافرًا، فأمرَ له بشاةٍ فحُلِبَت، فشرِبَ حِلابَها، ثم أخرى فشرِبَ حِلابَها، حتى شرِبَ حِلابَ سبع شِياه، ثم أن أصبحَ فأسلمَ، فأمرَ له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بشاةٍ فشرِبَ حِلابَها، ثم أخرى فلم يستتِمَّه. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن المؤمن ليشرَبُ في معِيٍّ واحد، والكافر يشرَبُ في سبعة أمعاء»؛ أخرجه مسلم.

يقول الحافظُ ابن رجب - رحمه الله -: "إن المؤمن يأكل بأدب الشرع فيأكلُ في معِيٍّ واحدٍ، والكافرُ يأكل بمُقتضى الشهوة والشَّرَهِ والنَّهَم فيأكلُ في سبعة أمعاءٍ".

  وندب صلى الله عليه وسلم مع التقلل من الأكل والاكتفاء ببعض الطعام إلى الإيثار بالباقي منه، فعن جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " طَعَامُ الرَّجُلِ يَكْفِي رَجُلَيْنِ ، وَطَعَامُ رَجُلَيْنِ يَكْفِي أَرْبَعَةً ، وَطَعَامُ أَرْبَعَةٍ يَكْفِي ثَمَانِيَةً " رواه مسلم

  وعن أبي بكر رضي الله عنه: "أن أصحاب الصفة كانوا أناساً فقراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة، من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس، أو كما قال، وأن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق النبي بعشرة" (الحديث رواه البخاري

    وفي حديث مسلم في القوم الذين جاؤوا رسول الله، مجتابي النمار متقلدي السيوف عامتهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما بهم من الفاقة، فخطب الناس وحثهم على الصدقة فتصدق الناس حتى تجمع كومان من الطعام، ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تهلل وجهه كأنه مذهبة، فتمعُّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث دليل على كراهته وجود مضطرين في المجتمع المسلم وفيه من يملك مواساتهم، وإزالة الضرورة عنهم، فلما رأى إسراع الصحابة، رضوان الله عليهم، إلى مواساة هؤلاء تهلل وجهه ورضي بما صنعوا، إيماء إلى أن هذا هو الذي ينبغي أن يكون عليه أعضاء المجتمع المسلم كله.

    وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا أبا ذر، إذا طبختَ مرقةً فأكثِر ماءها) أي: إذا طبخت لحماً فأكثر ماءه، (وتعاهد جيرانك). رواه مسلم.

  قديماً وإلى عهد قريب ولا زال هذا في كثير من بلاد المسلمين إذا صنع أحدهم طعاما أو طبخ طبيخا أو جلب فاكهة أهدى جيرانه منه، أما الآن فكثير من الناس لا يجدون شيئا يأكلونه، ويبيت الواحد منهم طاوياً، ولربما لم يصنعوا طعامهم منذ أيام، ثم بعد ذلك يجدون من جيرانهم رائحة الطعام الذي يشتهونه، وقد يكون فيهم الأرامل والأيتام والفقراء.

      لهذه المعاني ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى إشاعة روح التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع المسلم، بل وبين المسلم وجاره غير المسلم تأليفا لقلبه وجبرا لخاطره، وذلك من حسن الجوار ،فتحسن إليه ولا تؤذيه في جواره ، وتتصدق عليه إذا كان فقيراً ، وتهدي إليه ، وتنصح له فيما ينفعه ، لأن هذا مما يسبب رغبته في الإسلام ، ودخوله فيه.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ»، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ) رواه مسلم

والظهر : المركوب

  قال الراوي وهو أبو سعيد الخدري: حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضلة.

يعني لا حق لأحد منا في زيادة، فالذي معه زيادة وأخوه محتاج فليعط هذا المحتاج، ولا يبخل عليه، فإن الله يخلف عليه أفضل ما أعطى، بل ويعطي الأجر العظيم، وكلما ضاق الشيء فأعطيت محتاجا كان الأجر أوسع وأعظم من الله سبحانه.

  ونختم بما يجب على المسلم في كل وقت وحين لا سيما في أوقات الأزمات وهو التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع المسلم.

  عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) رواه البخاري  ومسلم

  إن من مقتضيات الإيمان العمل بما تستلزمه الأخوَّة بين المؤمنين من التراحم والتوادد والتعاطف، وأن التقصير في ذلك و التهاون فيه ضعف في الإيمان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ولهذا كان المؤمن يسره ما يسر المؤمنين ويسوءه ما يسوؤهم ومن لم يكن كذلك لم يكن منهم.

 

  فينبغي على المسلم أن يجتهد في تطهير قلبه نحو إخوانه المسلمين؛ فيفرح بوصول الخير إليهم، ويتألم إن أصابهم ما يضرهم أو يؤلمهم، ويقف معهم في مصائبهم وما ينزل بهم، فيغيث المحتاج، وينصر المظلوم، ويعين ذا الحاجة، ويتعاون معهم على الخير والبر.

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الأشعريين إذا أَرْمَلُوا في الغزو، أو قلَّ طعام عِيَالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسويّة، فهم مني وأنا منهم". رواه البخاري ومسلم

  فلقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الأشعريين؛ من أهل اليمن بأنهم يتعاونون، ويتسابقون في الخير.

وبذلك طبّقَ الأشعريون مبدأ التكافل بين المسلمين تطبيقا عمليا، وقوله: (أرملوا في الغزو) أي: نَفَدَ زادهم،  وذكر صلى الله عليه وسلم حالين للأشعريين برزوا، وتميّزوا عن غيرهم فيهما: إذا نفد طعامهم في الغزو، والأمر الثاني: إذا قلّ الطعام لديهم وهم في المدينة، في هذين الحالين، يجمعون ما عند الجميع من زاد، ويضعونه في ثوب واحد، ويقتسمونه بينهم بالتساوي، ما أروعه من منظر، وما أجمله من مشهد، تجتمع فيه القلوب، وتتآلف فيه الأجساد، لا سيما في أوقات الضيق والشدة والأزمات.

نسأل الله أن ينفس كرب المكروبين ويفرج هم المهمومين

إنه ولي ذلك ومولاه

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

لا يستوون عند الله (1)
27 ٢٧ مارس ٢٠٢٤
مَن هوى فقد هوى(2)!
214 ٠٢ فبراير ٢٠٢٢
من هوى فقد هوى (1)!
121 ٢٩ ديسمبر ٢٠٢١