الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

حسن نصر الله والحماقة

حسن نصر الله والحماقة
الشيخ / عبد المنعم الشحات
الثلاثاء ٠٣ فبراير ٢٠٠٩ - ٠٠:١٢ ص
2718

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فبعد انتهاء العمليات العسكرية الصهيونية على غزة هناك عدد من الأسئلة تطرح نفسها يأتي على رأسها السؤال عن "حسن نصر الله" الأمين العام لحزب الله الرافضي في لبنان أين ذهب؟!

لقد كانت بياناته في بداية الحرب تنافس بيانات الأخ "خالد مشعل" رئيس المكتب السياسي لحماس سخونة وحضورا.

وكان مشعل إذا توعد الصهاينة شبرا توعدهم "حسن نصر الله" ذراعا، وإذا وعد مشعل الأمة بصمود وعدهم "حسن نصر الله" بالنصر المبين، حتى ظن المراقبون أن "حسن نصر الله" هو الذي يدير الحرب.

الفرق الجوهري بين بيانات قيادة "حماس" وبيانات "حزب الله" أن حماس كانت تناشد العالم الإسلامي بسرعة التدخل، بينما كان "حسن نصر الله" يعيد الخطاب لكي يناشد الأنظمة العربية بسرعة التدخل مستبعدا حزبه ودولته الأم إيران من النداء، مع أن النداء يشملهم في أول من يشمل -إن لم يكن قاصرا عليهم-؛ ذلك أن العرب قد أعلنوا أن السلام خيارا استراتجيا لهم، ومن ثمَّ فإن حماس لم تدخلهم في حساباتها وهي تعلن الحرب أو تنهي الهدنة! بينما تبقى إيران في حالة حرب نظرية مع أمريكا وإسرائيل.

بيد أن التبعة في ذلك تقع على حزب الله أكثر من إيران نفسها؛ للقرب الجغرافي، ولترسانة الصواريخ التي يملكها والتي تطول العمق الإسرائيلي بسهولة، ولكن "حسن نصر الله" ظن أنه بإطلاقه نداءات في الهواء للأنظمة العربية سوف يصرف الذهن عن التساؤل عن موقفه هو من مناصرة غزة، ولِمَ لَمْ يفتح الجبهة الشمالية الإسرائيلية تخفيفا للعبء عن غزة، لاسيما وأن هذا كان السبب المعلن وراء قيام حزب الله بمناوشة إسرائيل في 2006م، على الرغم من أن الذي قامت به إسرائيل في غزة في 2006م لم يكن إلا مناوشات بسيطة، ومن ثمَّ فكان المتوقع من حزب الله الذي زعم أنه ردَّ على مناوشات إسرائيل لغزة بمناوشات مثلها أن يرد على حرب إسرائيل على غزة بحرب مثلها.

ربما راهن "حسن نصر الله" في أول الأمر على أن العملية لن تستغرق وقتا طويلا، وبالتالي لن توجد فرصة كافية لطرح هذا التساؤل، ولكن الأمر طال وكلما طال الأمر كلما ارتفع صوت استغاثة "حسن نصر الله" مطالبا الدول العربية بمساعدة حماس، وذهب في ذلك إلى مسلك كاد به أن يقطع ما بقي من علائق بين حماس وبين الأنظمة العربية، وهي علائق على ضعفها تمثل بالنسبة لحماس أهمية كبرى.

المهم أن "حسن نصر الله" ظن بهذا أنه أخرج نفسه من المطالبة بعمل شيء من أجل غزة، ولما طال الأمر أكثر وانكشف المستور أكثر وأكثر قام "حسن نصر الله" بافتعال حرب وهمية مع إسرائيل محذرا إياها من ارتكاب أي حماقة في الجنوب اللبناني، وهو تصريح مخزي بكل معاني الكلمة؛ لأنه اعتراف صريح منه بأن الحماقات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين لا تعنيه.

ومع ذلك حاول بعض دراويش "حسن نصر الله" أن يفسروا ذلك أنه بمثابة إعلان حرب على إسرائيل، فسارع الحزب إلى تأكيد أنه جماعة مقاومة لبنانية تدافع عن الأرض اللبنانية المحتلة فقط، كما أنه مشارك في الحكومة اللبنانية والتي التزمت ككل بقرار مجلس الأمن المتعلق بحرب 2006م، وهي تصريحات لا تحتاج إلى مزيد توضيح إلا أن يعاد التأكيد على أن الرجل مارس الكذب والخداع على كل الناس في 2006م، والتي زعم فيها أن التحرك كان من أجل تخفيف الضغط على غزة، لا من أجل تخفيف الضغط على إيران في ملفها النووي، ومع ذلك فيبقى في زعم الحزب سقطات أخرى، منها:

- أنه وإن كان في خطابه السياسي الداخلي ولكي يجمع بين امتلاك السلاح وبين المشاركة في الحكومة اللبنانية يزعم أنه جماعة مقاومة من أجل تحرير ما بقي من الأرض اللبنانية، وهي مزارع شبعا، وأن سلاحه مُعَدٌّ من أجل ذلك لا من أجل الاستخدام في الداخل -"رغم أنه استخدم في الداخل"- إلا أنه عندما يخاطب الجماهير العربية يدعي بأنه يحارب اليهود من أجل اغتصابهم لبيت المقدس، وليس اغتصابهم لمزارع شبعا اللبنانية، وهذا نوع آخر من الخداع ناهيك بأن أحداً لم يطلب منه -"إلا بعض الجماهير المخدوعة بخطابه الثوري"- أن يرسل قوات إلى غزة وإنما كان من الممكن لو أراد أن يحرك جبهة مزارع شبعا، ويظل حركة مقاومة لبنانية تحركت في أرضها لتخفيف الضغط على المقاومة الفلسطينية كما ادعى في 2006م.

وأما اعتذاره بالتزامه بما التزمت به الحكومة اللبنانية من اتفاق في 2006م فيحتاج إلى أناس يعانون من ضعف شديد -إن لم يكن فقدان في الذاكرة- لكي يستوعبونه؛ لأن آخر مرة رفع فيها حزب الله سلاحه كان في وجه هذه الحكومة فيما نعلم مما أفقده جزءا كبيرا من مكاسب 2006م.

ولأن الحكومة اللبنانية لم تكن موافقة على التحرش بإسرائيل في 2006م، ولأن الحكومة اللبنانية هي فيما نعلم إحدى الحكومات العربية التي لا تملك إلا الشجب والإدانة.

ومن هنا يثور السؤال: ما الفرق بين الحكومات العربية التي ارتبطت مع إسرائيل بمعاهدات سلام ومن ثمَّ قعدت عن نصرة الفلسطينيين احتراما لهذه المعاهدات، وبين "حسن نصر الله" الذي قعد عن تلك النصرة احتراما لاتفاق وقف إطلاق للنار؟!

الفرق الجوهري في أن أهل السنة في هذه الدول -وهم لا يملكون شيئا من القوة- خرجوا يطالبون الحكومات بإلغاء معاهدات السلام، بينما مقاتلي "حزب الله المدججين بالسلاح" خرجوا في مظاهرات بأسلحتهم، ولم يقل واحد منهم "لسيده حسن نصر الله" بئست الأسلحة التي تعطيها لنا على ألا ننصر بها إخواننا مكـْتـَفِين بالنصرة الحنجرية منك؛ إذاً فـ"حسن نصر الله" كان ينتظر حماقة إسرائيلية لكي يتحرك.

بيد أن "حسن نصر الله" عندما علق أمرَ تدخله على ارتكاب إسرائيل لحماقة في الجنوب اللبناني كان على ثقة أن هذه الحماقة لن تأتي لأن اليهود من أجبن الناس، ولا يمكن أن تصل حماقتهم إلى هذه الدرجة بأن يفتحوا على أنفسهم جبهتين في آنٍ واحد، ويبدو أن البعض حاول فرض المواجهة على كل من حزب الله وإسرائيل فأطلق صواريخ من الجنوب اللبناني على إسرائيل لكي ترتكب الحماقة، ولكن إسرائيل التي طالما مثلت دور "الثور الهائج" الذي لا يحتمل أدني مناوشة

هي التي سارعت بنفي أن يكون حزب الله هو الفاعل، ولكنها ردت ردا محدودا على أماكن إطلاق الصواريخ.

وانتظرنا لعل حزب الله أن يكون منتظرا للحماقة الإسرائيلية على أَحَرِّ من الجَمْر فيتذرع مثلا بأن رد الفعل جاوز الفعل؛ إلا أن حزب الله أكثر عقلا من إسرائيل عندما وصف هذه الصواريخ بالمغرضة، ولم يعد من المنطقي أن يعول "حسن نصر الله" على الحماقة الإسرائيلية؛ لأنها أتته بلا جهد، ولكنه أدار ظهره إليها.

ومع هذا أبى "حسن نصر الله" إلا أن يظل في الصورة فألقي خطابا "ألمح" فيه من أنه لن يسمح باستئصال المقاومة في غزة، و"ألمح" إلى أنه في هذه الحالة فكل الاختيارات مطروحة، وهذا التصريح فيه قدر من الذكاء السياسي بخلاف تصريح "الحماقة" الذي قبله.

ولكنه علق تدخله على أمر لم تجعله إسرائيل نفسها هدفا لها -عن حماقة-؛ لأنها لا يمكن أن تصل إليه إلا بعدد من القتلى والجرحى لا يمكن أن يتقبلهم الرأي العام الإسرائيلي بأية حال.

ومن ثمَّ صار "حسن نصر الله" في مأمن من أن يتورط في الدخول في حرب؛ لأنه علق دخوله على ما يشبه المستحيل!

وللمرة الثانية يراهن "حسن نصر الله" على الحماقة الإسرائيلية التي يعلم أنها لن تحدث أو بمعنى أدق يراهن على العقلية الإسرائيلية أو إن شئت قل الجبن الإسرائيلي.

ووضعت الحرب أوزارها، واكتفى "حسن نصر الله" بإلقاء بيانات الحرب، واكتفى جنوده بالرقص بالسلاح في شوارع بيروت وفي مدن الجنوب اللبناني، وأصبحوا الحاضر "إعلاميا" الغائب "فعليا"، وكسبوا الرهان على الحماقة الإسرائيلية.

بيد أن الرهان لم يكن فقط على الحماقة الإسرائيلية الغائبة، وإنما كان أيضا على "سذاجة سنية" قائمة من جمهور أهل السنة الذين رأوا في "حسن نصر الله" رمزا للأمل إلا إن هذه الحرب ربما كشفت الواقع المر الذي أبى كثير من العامة أن يعترفوا به، حتى أن الخجل عرَف أخيرا طريقا إلى "حسن نصر الله" فلم يتحفنا ببيان للنصر.

آن الأوان أن يعرف جمهور أهل السنة أن حزب الله ومِنْ ورائه إيران لم يتحركا يوما لنصرة أهل السنة، وأنهم هم من عاون الكفار على أهل السنة قديما وحديثا، وما أحداث العراق عنكم ببعيد!!

وإن الصراع الذي يقع بينهم وبين الكفار أحيانا له مبررات كثيرة من الممكن أن تجد منها الصراع على "كعكة السنة" في مكان ما، ولكن ليس من الممكن أن تجد منها نصرتهم لأهل السنة!!

ومع أنهم لو واجهوا اليهود مرات ومرات وأيديهم ملوثة بدماء السنة لما تمنينا إلا انتصارهم على اليهود؛ لأننا ندرك جيدا قاعدة الولاء والبراء، ولا نعاملهم بالمثل، ولكن الذي نحتاج إلى الإطناب في بيانه هو ألا تنخدع حركات الجهاد السنية فتبني حساباتها على احتمال وجود مناصرة مِنْ حزب الله، وألا ينخدع العوام بعنتريات حزب الله.

وأهم من هذا ألا يجعلوا هذا الإعجاب مبررا لقبول مذهب قائم على سب خير الخلق بعد الأنبياء.

إنه مما يثير العجب حقا التفاف الناس حول حزب الله لمقاومة أبدوها أمام اليهود مع أن حركات الجهاد السنية تقوم بما هو أعلى من ذلك بمراحل -بفضل الله-.

ولا أدري لماذا لا ينال مجاهدو غزة -"فضلا عن طالبان التي صمدت أمام أمريكا نفسها"- هذه المكانة في نفوس العامة؟!

ألأنهم لا يحبون تمجيد القادة وإنما ينسبون النصر لكل الأمة مرجعين فيه الفضل إلى الله؟!

أم لأنه ليس ورائهم صحف صفراء تكيل لهم المدح؟!

قتل ابنٌ لـ"حسن نصر الله" ضربت له بالطبول الصحف الصفراء، والزهار قُتل له ثلاثةُ أبناء -نسأل الله أن يتقبلهم عنده في الشهداء-، و"نزار ريان" قُتِل مع أربعة من أفراد أسرته، نسأل الله أن يتقبلهم عنده في الشهداء، علما بأنه كان يعلم بالتهديد الإسرائيلي لبيته، ولكنه أراد أن يكسر سنة الفرار من البيوت -"وإن كنا لا نوافقه على ذلك رحمه الله"-. إلا أن المقصود بيان حجم التضحية والفداء.

لقد اكتسب "حسن نصر الله" مساحة في قلوب العامة بعد مواجهات حزب الله وإسرائيل 2006م ثم خسر جزءا كبيرا منها بعد أن استعرض قوته في الداخل اللبناني.

وآن الأوان لتسقط كل الأقنعة بعد أحداث غزة التي تحصن "حسن نصر الله" فيها بالحماقة الإسرائيلية الغائبة، والغفلة السنية الحاضرة.

وآن الأوان لترحل عنا هذه الغفلة، ويحل محلها البصيرة بالسنن الشرعية و الكونية.