الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

ثرثرة في الجنازة!

لا بد أن يتواصى الناس فيما بينهم بالرجوع إلى الله والتوبة، والاستقامة والتقوى

ثرثرة في الجنازة!
سعيد الروبي
الخميس ٢٩ مارس ٢٠١٨ - ١٧:٥٣ م
1081

ثرثرة في الجنازة!

كتبه/ سعيد الروبي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد كنتُ أمشي في جنازةٍ، أشيع ميتًا إلى قبره، والناس مِن حولي يمشون في صمتٍ، فعرضتْ لنا بركة صغيرة مِن الماء، فتفرقنا قليلًا؛ فبعضنا اتجه يمينًا، وبعضنا اتجه شمالًا؛ لنتفادى المياه، فمررتُ سريعًا برجلين ممَن يشيعون الجنازة، يمشيان ببطءٍ نسبيًّا؛ فسمعتُ أحدهما يقول للآخر: "حسني مبارك"... ولم أسمع بقية الكلام؛ لأنني كنتُ مسرعًا، وهما يمشيان ببطءٍ، ولكن بقي الاستغراب عندي؛ بسبب ذكر "حسني مبارك" في هذا الوقت أثناء سير الجنازة، وانشغلتُ بالميت.

وبعد انتهاء الجنازة عاد المشهد إلى ذاكرتي، وعاد التعجب والاستغراب مِن هذين الرجلين، وعاد التساؤل يلح عليَّ: ترى ماذا كانا يقولان عن حسني مبارك؟!

هل كانا يذكرانه إيجابيًّا أم سلبيًّا؟!

وما علاقة ذلك حديثهما عن حسني مبارك" بالجنازة أو بصاحب الجنازة؟!

حاولتُ أن أتخيل بداية الحوار، وكيف بدأ الحديث! ولكن لم أعرف؛ لأني لم أسمع إلا كلمة "حسني مبارك".

وتوقفتُ عن التفكير، ولكن بقي الانطباع لدي أن الناس "أو جزءًا منهم" منشغلون تمامًا بالأحداث، وأن الأسماء والموضوعات والشخصيات تشغل تفكيرهم، وتأخذ مساحة مِن كلامهم، حتى في الجنازة!

صحيح أنه ليس كل الناس يتكلمون في الجنازة في مثل هذه الموضوعات، ولكن يبقى جزءٌ مِن الناس لو أتيحتْ لهم الفرصة للكلام في الأمور العامة سيتكلمون حتى ولو في الجنازة!

ومرة أخرى: دخلتُ مسجدًا لصلاة الظهر بيْن الأذان والإقامة، وكان المصلون قد فرغوا مِن صلاة سنة الظهر القبلية، وجلسوا في انتظار إقام الصلاة؛ فإذا بهم يتحدثون عن السكر، والتموين، وسعر كيلو السكر.. ! هكذا في المسجد بيْن الأذان والإقامة بصوتٍ عالٍ؛ هذا يتكلم بكلمة، وهذا يتكلم بكلمة، بدلًا مِن الانشغال بالدعاء أو الذكر أو حتى لزوم الصمت!

إن الأحوال العامة شغلت الناس، وسيطرت على كلامهم واهتمامهم في أي مكان: في الجنازة، في المسجد، وأكيد في المنازل، وفي المجالس الأخرى التي يجلسون فيها، ولكن الحديث عبارة عن نقدٍ ولومٍ وعتابٍ، وهجوم وشكوى، وهذا في حد ذاته ليس ممنوعًا ولا محرمًا، ولكن يبقى الجزء الإيجابي والمفيد في الكلام غائبًا.

فالذي يقوله الناس معلوم ومعروف؛ فهم لم يأتوا بجديدٍ؛ إنما كلامهم وصف لواقع كلنا يعلمه، والمطلوب هو الحديث عن المخرج والحل، والعلاج الصحيح، وهو: بالقرب مِن الله، والتوبة؛ فكل هذه المعاناة أساسها، وسببها البُعد عن صراط الله المستقيم، وطريقه القويم.

ولا بد أن يتواصى الناس فيما بينهم بالرجوع إلى الله والتوبة، والاستقامة والتقوى، إذا تحدثوا عن الأسعار، ولا يكتفون بالشكوى مِن الغلاء؛ لا بد أن نذكرهم بالكلام المفيد النافع الإيجابي بدلًا مِن نصف الكلام الذي يصف الواقع، ولا يصف الحل!

مع تذكير الناس أن الجنازة ليستْ مجالًا للحديث عن "حسني مبارك"، وأن المساجد ليستْ مكانًا للحديث عن التموين والسكر.

وإذا حدث الكلام؛ فلا بد مِن تذكيرهم ببقية الكلام الذي تركوه، وهو الكلام عن إصلاح أحوالنا مع الله؛ لأن أحوالنا مع الله ساءتْ وتدهورت وتراجعت، مع التنبيه على أن كلامنا هذا ليس دفاعًا عن الحكومة، وإنما هو لوصف الحل الصحيح لمشاكلنا ومعاناتنا؛ حتى لا نتهم بتهمٍ معلبة وجاهزة، لا نريد أن ننجر إليها، فيتوه الموضوع ويتشعب، ويتجه إلى مسارٍ آخر.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً