الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الوفاق بين العبادات والأخلاق

على المسلم ان يتقي الله تبارك وتعالى، و يتحلى بالأخلاق الفاضلة، في كل وقت وفي كل حين

الوفاق بين العبادات والأخلاق
أحمد مسعود الفقي
السبت ١٩ مايو ٢٠١٨ - ١٣:٤١ م
1308

الوفاق بين العبادات والأخلاق

كتبه/ أحمد مسعود الفقي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم المهمة التي بعث من أجلها في هذه الكلمات : "إنما بُعِثتُ لأتمم مكارم الأخلاق" وفي رواية: "صالح الأخلاق"    فكأن الرسالة التي خطت مجراها في تاريخ الحياة ، وبذل صاحبها جهدا كبيرا في مد شعاعها وجمع الناس حولها ، لا تنشد أكثر من تدعيم فضائلهم ، وتحسين أخلاقهم، وإنارة آفاق الكمال أمام أعينهم.

  ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أعظم المثل في التزام الأخلاق الحميدة، في كل أمر من الأمور:

 في أمر الإيمان والعقيدة: عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم ضيفه ) رواه البخاري ومسلم .

فقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر» فليفعل كذا وكذا، يدل على أن هذه الخصال من خصال الإيمان، وقد علم أن الأعمال تدخل في الإيمان، وقد ورد أن استقامة اللسان من خصال الإيمان، كما في (المسند) عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه»

   في العبادات: كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وكذا أعمال القلب والعقل والجوارح واللسان مثل صدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والرفق والرأفة، والدعاء، والذكر، وتلاوة القرآن، وكذلك حب اللّه ورسوله، وخشية اللّه والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك، كلها داخلة في مفهوم العبادة، وذلك أن العبادة هي الغاية المحبوبة للّه والمرضية له ، كما قال تعالى: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات/56] ". وبها أرسل اللّه جميع الرسل، كما قال نوح لقومه: " يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف/59] " والدين كله داخل في العبادة التي تتضمن غاية الذل للّه بغاية المحبة له ، ومن هنا تكون فضائل الأخلاق ومكارمها داخلة في إطار العبادة وركنا أساسيا من أركانها، ولكن من يمعن النظر في أحوال المسلمين الآن يرى تناقضا عجيبا، واختلافا كبيرا بين ما يقومون به من عبادات  وبين ما يصدر عنهم من أخلاق وسلوكيات، فتجده يصلي وفي الصفوف الأولى ويواظب على الجماعة ولكنه سليط اللسان، يغتاب هذا ويسب هذا ويطعن في هذا قل أن يسلم منه إنسان .

  في  يوم من الأيام، سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه : "أتدرون من المفلس؟! قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال: المفلس من أمتى من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ، ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ،وضرب هذا ،  فيُعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار". رواه مسلم عن أبي هريرة

 ولذلك ربط الله عز وجل جميع العبادات بالأخلاق، برباط وثيق لا تنفك إحداهما عن الأخرى، فلا تستقيم العبادات إلا بالأخلاق والعكس.

   ففي شأن الصلاة: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ( إن فلاناً يصلي ويسرق! قال: ستنهاه صلاته يوماً ) أي: إن العبد إذا أقام الصلاة نهته، وهذه الإقامة هي المعنية بقول الله عز وجل:(( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)) العنكبوت (45)

وفي حق الزكاة قال الله عز وجل:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) البقرة 264

 وقال جل في علاه: ((  يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )) البقرة 262

فبين سبحانه عظيم الأجر الذي يناله المنفقون في سبيله وأنه لا خوف عليهم مما يستقبلونه من أمور الآخرة ولا هم يحزنون على ما فاتهم من أمور الدنيا.

   أما بالنسبة للصيام فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) رواه البخاري ( 1804 ).

وعَنْه أيضا رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ ) رواه أحمد، وصححه ابن حبان وصححه الألباني في " صحيح الترغيب ".

فالله عز وجل غني عن طاعة هذا، غني عن صيامه وقيامه، هذا الذي لم يترك قول الاثم والباطل فكذب واغتاب، هذا الذي أكثر من الشتم والسباب، هذا الذي لم يترك قول الزور، ولم يكف عن المسلمين الشرور، فليس لله حاجه في ان يدع طعامه وشرابه، وقد كان الصحابة وسلف الأمة يحرصون على أن يكون صيامهم طُهْرة للأنفس والجوارح، وتَنزُّهًا عن المعاصي والآثام .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ليس الصيام من الشراب والطعام وحده ، ولكنه من الكذب والباطل واللغو.

وأما بالنسبة للحج فقد قال الله عز وجل :( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ) البقرة  197

وقوله: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} أي: يجب أن تعظموا الإحرام بالحج، وخصوصًا الواقع في أشهره، وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه، من الرفث وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية، خصوصًا عند النساء بحضرتهن، والفسوق وهو: جميع المعاصي، ومنها محظورات الإحرام، والجدال وهو المماراة والمنازعة والمخاصمة، لكونها تثير الشر، وتوقع العداوة.

وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" رواه البخاري  ومسلم

  إذا كان الامر كذلك، فعلى المسلم ان يتقي الله تبارك وتعالى، و يتحلى بالأخلاق الفاضلة، في كل وقت وفي كل حين، لا سيما حال تلبسه بهذه العبادات الفاضلة وأقول في هذا المعنى:

احذر أخي في الله من تناقض****  يكون بين العبادات والأخلاق

فكل خلق سيء هو زائل **** وكل خلق طيب هو باق

واعلم بأن لكل طاعة مشروعة**** قسطا من الأخلاق والأذواق

فصلاتنا لا تستقيم بدونها    **** وبدونها ضرب من الإرهاق

وزكاتنا من غير من أو أذى **** مقبولة  مباركة من الرزاق

وصيامنا الذي يخلو من الكذب **** والزور والرياء والنفاق

يغفر لنا من الذنوب ما تقدم ****  ويباعد الوجه به عن الإحراق

والحج من غير الفسوق أو الرفث **** أو الجدال أو الفراق أو الشقاق

ليس له جزاء إلا الجنة **** ينجو به العبد يوم التلاق

يا ربنا يا ذا الجلال  والكرم **** أصلح عبادتنا على الإطلاق

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

لا يستوون عند الله (2)
34 ٠٧ أبريل ٢٠٢٤
لا يستوون عند الله (1)
38 ٢٧ مارس ٢٠٢٤
مَن هوى فقد هوى(2)!
219 ٠٢ فبراير ٢٠٢٢
من هوى فقد هوى (1)!
127 ٢٩ ديسمبر ٢٠٢١