الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

نعمة الشكر وشكر النعمة

وعبادة الشكر مِن آثارها: زيادة النعم وسعة الرزق

نعمة الشكر وشكر النعمة
هيثم مجدي الحداد
الأحد ٠٨ يوليو ٢٠١٨ - ١٧:٣٩ م
805

نعمة الشكر وشكر النعمة

كتبه/ هيثم مجدي الحداد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن مِن نعم الله على العباد أن يهديهم إلى استشعار نعمته -سبحانه-، وشكرها؛ فنعم الله -جلَّ وعلا- كثيرة، قال -تعالى-: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (النحل:18)، وأقرب مثال: ذلك النَفَس الداخل والنَفَس الخارج؛ فلو أعد الإنسان لكل نَفَس عبادة ما أطاق ذلك، وما استطاع!

استشعار النعمة له أثره في محبة الله -تعالى-، والسير في سبل رضوانه؛ فالإنسان أسير الإحسان؛ فكيف بإحسان الله -جلَّ وعلا- للعبد؟!

وقد عقد أهل العلم مقارنات بيْن أفضلية الغني الشاكر أو الفقير الصابر، وقد ذهب الإمام أحمد -رحمه الله- في إحدى روايتيه إلى أفضلية الغني الشاكر، وذهب بعض أهل العلم إلى القول الآخر، وهي رواية ثانية عن أحمد، وهي أفضلية الفقير الصابر، وفي المسألة قول ثالث اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وهو أن الأتقى منهما هو الأفضل؛ لقوله -تعالى-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13).

وشكر النعمة عبادة لا يهتدي إليها كثيرٌ مِن الناس، قال -تعالى-: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سبأ:13).

وقد ذمَّ الله -تعالى- أهل الترف حيث قال: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) (الإسراء:16)؛ لذا كانت عبادة الشكر عند الأغنياء والمترفين عبادة لها شأن، ولذلك لما سمع سليمان -عليه السلام- كلام النملة حينما قالت: (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) (النمل:18)، كان رد فعله: (فتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل:19)، فالنعم نوع مِن الابتلاء ليرى الله -تعالى- عبده كيف يستعملها: أيستعملها في طاعته أم في معصيته؟

وتفارق عبادة الشكر عبادة الحمد في أنها خاصة بالصفات المتعدية، فدائمًا ما تكون مقابل نعمة، أما الحمد فيكون للصفات اللازمة والمتعدية، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "والفرق بينهما: أن الشكر أعم مِن جهة أنواعه وأسبابه، وأخص مِن جهة متعلقاته، والحمد أعم مِن جهة المتعلقات، وأخص مِن جهة الأسباب. ومعنى هذا: أن الشكر يكون: بالقلب خضوعًا واستكانة، وباللسان ثناءً واعترافًا، وبالجوارح طاعة وانقيادًا ومتعلقه: النعم دون الأوصاف الذاتية، فلا يُقال: شكرنا الله على حياته، وسمعه وبصره، وعلمه، وهو المحمود عليها كما هو محمود على إحسانه وعدله. والشكر يكون على الإحسان والنعم، فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد مِن غير عكس، وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر مِن غير عكس، فإن الشكر يقع بالجوارح والحمد يقع بالقلب واللسان" (مدارج السالكين 2/ 246).

وعبادة الشكر مِن آثارها: زيادة النعم وسعة الرزق، قال -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم:7)؛ فينبغي على المسلم شكر نعمة الله باللسان والقلب والجوارح، قال -تعالى-: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا) (سبأ:13)، واستعمال نعمه فيما يرضيه، واجتناب استعمالها فيما يغضبه -جلَّ وعلا-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة