الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الشيخ البراك وأهل النفاق

الشيخ البراك وأهل النفاق
الشيخ / عبد المنعم الشحات
الأربعاء ١٨ فبراير ٢٠٠٩ - ١٣:٤٥ م
2696

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فلسنا في حاجة إلى الـتأكيد على أن المسلمين جميعا في سفينة واحدة تتلاطمها الأمواج من كل جانب، وترميها الأعداء بأنواع المقذوفات من كل ناحية، وكل على ثغر عليه أن يحرص على ألا يـُؤتى الإسلام من قبله.

ومع هذا لابد من تفقد ومشاركة وجدانية مع المرابطين على الثغور الأخرى؛ فكل ثلم في أي جزء من أجزاء السفينة خصم من رصيد الأمة ككل، وكل انحراف عن المنهج الرباني تدنيس لثوب الأمة الطاهر، وكل فتنة نار تحرق بعض أبناء الأمة.

وكان لخبر التصريح بإنشاء دور سينما في المملكة العربية السعودية على كل الدعاة الغيورين على الأمة في جميع أنحاء العالم وقع الصاعقة، ليس لأن الإسلاميين لاسيما السلفيين يدينون بالولاء للسعودية كما يحلو للعلمانيين أن يدندنوا ظنا منهم أن السلفيين يقلدون شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وتلامذته رغم أن السلفيين من أكثر الناس نفورا من التقليد، وربما ظن بعض العوام ذلك معللين إياه بأن مكة والمدينة هما مهبط الوحي، وكل ذلك لا حقيقة له وإنما هي الأخوة الإيمانية العامة والانشغال بمصالح المسلمين في كل مكان، والحرص على نقاء المجتمعات الإسلامية حرصنا على نقاء بيوتنا.

والسعودية منذ قامت على أكتاف الدعوة الوهابية وهي تعلن تحكيمها للكتاب والسنة، وهذه نعمة لا يعرف قدرها إلا من حرمها، إلا أن تحكيم الشريعة لا يعني أن ينصب القضاة الشرعيون فحسب؛ فهذا جزء منها ويبقى تحكيمها في جميع مناحي الحياة امتثالا لأمر الله: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(الأنعام:162).

ومن الملاحظ أن مساحة تطبيق الشريعة خارج دور القضاء بدأت تتقلص في السعودية تحت تأثير سياسة الصوت العالي التي يتبعها رويبضات العلمانيين، وكل يتكلم وعينه على أن يحظى بتغطية إذاعة (كذا.. ) لجهاده، وإبراز مجلة (كذا.. ) لجهوده في التنوير.

وفي النهاية تتم الاستجابة تحت مظلة من التأويل، والوعود المعسولة، والنوايا الحسنة (المزعومة) من أنه هذه هي آخر التنازلات؛ هذا إن اعترفوا بوجود التنازل أصلا، وقد أمرنا الله -تعالى- أن نسير في الأرض ونأخذ العبرة ممن سلف، وذلك لأن السنن الكونية لا تتبدل: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(آل عمران:137)، ومعها أيضا السنن الشرعية الثابتة: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد:11)، وهذه تشمل التغيير من الأحسن إلى الأسوأ، ومن الأسوأ إلى الأحسن، ومعها أيضا كيد الشيطان الذي أعلمنا الله بضعفه: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)(النساء:76)، ومن مظاهر ضعفه تكراره لنفس حيله في كل زمان ومكان، مما يستوجب دراسة حيله القديمة لتفادي تكرارها في الحاضر والمستقبل.

ولقد ابتليت بعض ديار المسلمين بأن كانت هدفا أكثر من غيرها لحملات التغريب والغزو الفكري، منها مصر بيد أن الله هيأ لها صحوة مباركة قامت بدورها في تعرية كيد الشيطان وردت على شبهات جنده من العلمانيين، ومدت يد العون لانتشال إخوانهم من بحار شهواتهم حتى انتشر الخير وظهر -بفضل الله تعالى-، وإن بقي الشر متمكنا من كثير من النفوس (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)(1)(الإسراء:84).

ولقد قام الدعاة من البلاد التي ابتليت بالغزو الفكري أولا كمصر بجهودهم في تحذير العلماء والدعاة في البلاد الأخرى من التدسس الناعم للطابور الخامس في إثارة قضايا حقوق المرأة وموقف الإسلام من الفن و محاولة التوطئة للفقه الانهزامي أمام الحضارة الغربية(2).

وفي معظم المواقف كان معظم علماء المملكة يرون أن الإنكار على ولاة الأمر سرا أوجه وأفضل وأكثر تحقيقا للمقصود؛ لاسيما وأن الولاة عندهم مازالوا يتولون باسم الشرع ويعلنون تحكيمه على الوجه الذي أشرنا إليه آنفا.

وفي المقابل وجد من يطالب العلماء بقيادة مظاهرات وغير ذلك من الصور التي يعلم القاصي والداني ما يترتب عليها من مفاسد.

وفي المقابل وجد من علماء المملكة ومن خارجها من طالب العلماء بضرورة الإنكار العلني للمنكرات المعلنة بغض النظر عن دور الولاة فيها سواء كانوا فاعلين أم مشجعين أم صامتين؛ لحاجة العوام إلى هذا البيان والتوضيح، وأما الأمور الخاصة بهؤلاء الولاة فيكون الإنكار عليهم سرا.

وممن كان ينادي بذلك العلامة الألباني الذي أجاب على سؤال حول هذا الموضوع قائلا: "إن عصوا الله سرا أسررنا لهم النصيحة، وإن جهروا بالمعصية جهرنا بالنصيحة".

ومن باب أولى إذا كانت المعصية تتعلق بدين العامة فالنصيحة فيها للعامة واجبة وإن دخل فيها الولاة بطريق التبع.

الحاصل أنه ومع تصاعد عمليات التغريب والعلمنة بدأ كثير من العلماء هناك يميل إلى ضرورة الصدع بالحق مع التزام الحرص على جلب المصالح ودرء المفاسد، ولا شك أن هذا يكون له أثر أكبر على العوام هناك مما يرجى أن يساهم في محاصرة الشر والفساد أو تقليله.

وممن أخذ موقفا رائعا في مسألة "دور السينما" العلامة البراك الذي أفتى فيها بفتوى حض فيها الولاة والعامة أن يتعظوا بالمفاسد التي جرتها السينما على بلاد المسلمين الأخرى كمصر(3).

السؤال:

ما موقفنا أحسن الله إليكم تجاه الخطوات الأولى لافتتاح دور السينما في بلادنا الطاهرة؟

الجواب:

"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، هذا حََدَث. هذه البلاد مُستهدفة من الكفار ومن المنافقين والفاسقين المتبعين للشهوات (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً)(النساء:27).

فتح دور السينما حَدَثٌ في هذه البلاد، وفاجعة، ومن وراءها المنافقون والكافرون والفاسقون من هواة الزنا (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً). ومن المؤسف أن يشيد بفتح وعرض بعض الأفلام، أن يُشيد بها أناس ويعتبرونها حَدَثًا عظيما.

نعم إنّه حدثٌ عظيم ولكن في الشر، وهم يعدونه تقدّمًا وفتحًا... وهؤلاء الذين يُشيدون به هم بين فاسقٍ ومنافق.

بين فاسق... يُريد أن تشيع الفاحشة في بلاد الطهر والخير ومعقل الإسلام.

أو منافق... فإن المنافقين يأسوا بين المسلمين وهم يكيدون للإسلام والمسلمين.

فالواجب على الأمة أن تـُنكر وتستنكر ذلك، كلٌ بحسبهِ، وأن يتواصلوا مع ولاة الأمر مناصحين ومنكرين ومستنكرين، نسأل الله أن يحول بين أولئك المفسدين وبين ما يُريدون. هذا لونٌ من ألوان الفساد والإفساد، وإلا فقنوات الفساد متضافرة ومتعاونة وتعمل معاول الهدم...

والنـّاس، أو أقول كثير من الناس هم الذين فتحوا لها الأبواب، يفتحون الأبواب على بيوتهم، يجلبونها لأهلهم، يجلبونها لأنفسهم ويستقبلونها، هذه القنوات (ما فرضت) نفسها على الناس، ولكن لا شك أنها إذا وُجدت مع ضعف الإيمان وغلبة الهوى والشهوات سيكون لها مستقبـِلون ومرحبون ومتابعون. وهكذا دُور السينما.

ماذا ينقص الناس من ألوان الفساد والفجور والشهوات البهيمية؟!

ماذا ينقصهم وهذه المسلسلات تـُعرض في مختلف القنوات وأيضا الإنترنت؟!

لكن السينما لها شأن آخر...

أتظنون أنّ السينما مجرّد.. لا.. دُور السينما اعرفوا وخذوا فكرة عن دُور السينما في مصر، وفي غيرها، وفي لبنان، وما كان هناك هو الذي سيكون هنا ولابد...

لكن لا يأتي الأمر دفعة واحدة, إنها خطوات... هذه الخطوة مسبوقة بخطوات...

لكنها خطوة قوية ظاهرة، لهذا صفقوا واستبشروا بها... وإلا فالأمر لا يقف عند هذا.

ستكون دور السينما يضمّها الرجال والنساء. ولسنا بهذا يعني نقول نحن متشائمون... لا.. نحن مدركون... نحن ندرك أهداف هؤلاء وما تنتهي إليها هذه الأمور. فإنا لله وإنّا إليه راجعون... ولا حول ولا قوة إلا بالله". انتهي.

نحن نعلم أن العلمانيين في مثل هذه المواقف يرتدون ثوب الناصحين وينكرون على العلماء إنكارهم على الولاة محذرين إياهم من الخروج عن منهج السلف في نصيحة ولاة الأمور؛ وكأنهم لا يعرفون للسلف قولا إلا في هذه المسألة.

ومع ذلك فتوجيه مثل هذه النصائح للأمة وتنبيهها لما يراد بها هو المهمة الأصلية التي أخذ الله العهد والميثاق على العلماء أن يقوموا بها.

اللهم وفق الشيخ البراك واحمه من كيد أهل النفاق، ووفق الدعاة إلى الله في كل مكان واحمي اللهم بلاد المسلمين من كيد الكفار والمنافقين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مما أجرى به الشيطان العداوة بين بلاد المسلمين أن يعير كل بلد الآخر بما يشيع فيه من منكرات، ويعممون الحكم على أهله مع أن الواجب على كل مسلم أن ينصح لكل إخوانه العصاة من أي بلد وأن يعين إخوانه المطيعين من أي بلد لا أن يأخذهم بجريرة غيرهم، وهذا لا يكاد يقع إلا من العوام فوجب تنبيههم إلى ذلك. ولكن يقع من بعض الدعاة أحيانا أن يغلب عليه التعميم في الوصف مما يؤذي إخوانهم في البلاد فلا شك أننا أهل مصر نـتأذى من اختزال بعض الدعاة مصر في شارع الهرم على ما سمعه من بعض فساق بلده دون أن ينتبه إلى أن وجود هذا الفساد لم يمنع -بفضل الله تعالى- الصحوة في مصر من النمو المضطرد -بفضل الله-.

(2) وممن قام بدور كبير في هذا الشأن الأستاذ محمد قطب حيث هذب فصول التمثيليات الهزلية التي قام بها الغرب في مصر لدفع المرأة إلى خلع الحجاب وتمرير الاختلاط والفن وغيرها، كما حذر من كل محاولات التدسس التي كانت تتم في الخليج بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة، عفا الله عن الأستاذ محمد قطب ليته اكتفي بالتنظير في هذا الجانب وقلد العلماء في غيره أو أمر من ينتسب إليه ممن شطح في أبواب الإيمان والأحكام أن يرجع إلى العلماء إذاً لكفانا مؤنة تلك الحرب الجانبية التي لم يستفد منها إلا العلمانيون.

(3) العجيب أن يأتي التصريح بالسينما في السعودية بعد وقائع التحرش الجنسي الجماعي في دور السينما في مصر مما حدا بكثير من غير الإسلاميين أن يطالب بإغلاق دور السينما.