الجمعة، ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

معالم في السلفية ( 2)

فالسلفية ليست مذهبا كتلك المذاهب الفقهية كما يحاول البعض وصفها بذلك وحصرها في مذهب الحنابلة

معالم في السلفية ( 2)
سامح بسيوني
الخميس ١١ أكتوبر ٢٠١٨ - ١٣:٢٤ م
1313

معالم في السلفية ( 2)

 

كتبه / سامح بسيوني

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ،،،

ثانيا: نشأت السلفية كمصطلح

ظهر مصطلح السلفية في أيام الدولة العباسية بعد التأثر بحركة الترجمة للفلسفة اليونانية وعلومها في مقابلة مصطلح (الخلف).

وقد مر هذا المصطلح بتطورات تاريخية حتى ظهر وذلك على النحو التالي:

فعند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كان جيل الصحابة رضوان الله عليهم محافظين على الدين غضا نقيا كما نزل, فتميز المسلمون في عهد الصحابة رضي الله عنهم في فترة ما بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- بأنهم ظلوا على عهدهم محافظين ، وبعرى الجماعة موثقين ذلك منذ وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم- وفي ظل خلافة الشيخين فلا نسمع أصواتا معارضة ذات بال فالإجماع منعقد وتام.

ثم انفرط عقد الجمع قليلاً واهتز في السنوات الأخيرة من خلافة عثمان رضى الله عنه فشهدت ظهور بعض الآراء التي خالفت جماعة الصحابة في الفهم والاعتقاد كالخوارج والشيعة من بعدهم وكانوا قلة لم يُأبه لهم، إذ إن جمهور المسلمين (  أهل السنة والجماعة ) هم الأكثر عددا المجتمعون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يحتاج الناس  إلي لقب أو اسم لأنهم هم الأصل..

لذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن تعريف أهل السنة والجماعة أجاب بقوله" الذين ليس لهم لقب يعرفون به لا جهمي ولا رافضي ولا قدري.

ثم لما كان عصر التابعين وتابعي التابعين أخذ العلماء بتدوين  السنة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم  وآثار الصحابة  وصار الآخذون بها والمقتدون بهديهم يطلق عليهم أهل «الحديث والأثر» ، وقد امتد هذا اللقب من أواخر عصر الصحابة إلى عصر بنى أمية وفترة من حكم العباسيين في مقابلة من انحرف عن مسار السلف الصالح من أهل البدع والأهواء.

ثم لما كان الأمر على رأس المئتين من الهجرة وازداد نفوذ المعتزلة الآخذون بعلم الكلام والفلسفة، صار المتمسك بطريقة أهل الحديث والأثر يطلق عليه «السني» في مقابلة المتبع لأهل علم الكلام «المعتزلي»

ثم استفحل أمر المعتزلة - لا سيما في عهد الخليفة العباسي المأمون -  وصار علماء أهل السنة يُمتحنون في عقيدتهم وكانت فتنة الإمام أحمد رحمه الله والتي تصدى فيها الإمام للقول بخلق القرآن متمسكا بمنهج الاستدلال في إثبات أن القرآن كلام الله غير مخلوق وظهر ذلك في تمسكه بقوله لمناظريه:  (أعطوني شيئا من كتاب الله وسنة رسوله  ) ، وقد ثبته الله عز وجل على ذلك حتى أُزيحت الغمة وقد صار لقب  «حنبلي» يطلق في مقابلة «معتزلي»

 ثم بعد موت الإمام أحمد ظلت المعركة بين أهل الحديث -الذين تمسكوا بالنقل وفهم الصحابة- ، وبين المعتزلة -الذين اعتمدوا على العقل واستبعدوا النقل فانحرفوا عن الصراط المستقيم والفهم القويم وانحرفوا عن عقيدة المسلمين النقية الصافية- مستمرة ، حتى ظهر بعد ذلك " أبو الحسن الأشعري "- رحمه الله-  متصديا للمعتزلة مستخدما في ذلك المنهج الكلامي نفسه للدفاع عن عقائد أهل السنة والجماعة، وتابعه على هذه الطريقة آخرون شكلوا بعد ذلك المذهب الأشعري وكان للمنهج الكلامي أثره في الانحراف عن طريقة الصحابة والتابعين وقد برروا ذلك الانحراف بأن أطلقوا على أنفسهم لقب " الخلف " ، وقالوا: ( طريقة السلف أسلم أحوط، وطريقة الخلف أعلم وأحكم ) ، وقالوا نحن الخلف ننصر عقائد السلف بمنهج  المتكلمين.

وإذا انبرى لهم ( أهل السنة والجماعة)، ( أهل الحديث ) ( أهل الأثر )، (الحنابلة) متمسكين بمنهج الاستدلال بالكتاب والسنة في إثبات العقائد ، رافضين لاستخدام الأشاعرة لمنهج المتكلمين في الدفاع عنها، لأن هذا في الحقيقة إثبات لمنهج المعتزلة في استخدام علم الكلام في العقائد، بالإضافة إلى ما حدث أيضا من بعض الانحرافات العقدية عند الأشاعرة أنفسهم من استخدامهم لمنهج المتكلمين  في إثبات العقائد  مثل ما حدث من مخالفات في أمور منها:

( عدم إثباتهم لكثير من الصفات الثابتة للرب سبحانه وتعالى والعمل على تأويلها أو إرجاعها إلى الصفات السبعة

الأزلية المتفقون علي إثباتها, على خلاف عندهم في عدد الصفات المثبتة بعد هذه السبعة في مسائل الأسماء والصفات& نظرية الكسب في مسائل القدر& تبني مذهب الإرجاء في مسائل الإيمان & القول بأن القران كلام الله نفسي .......الخ ) .

فصار اسم [ الخلف ] يقابل اسم [ السلف ] وصار من سار على عقيدة السلف ومنهج استدلالهم [سلفي].

وعلى هذا فهذا التقسيم  أملاه  واقع الأمة من عدة قرون  وهو في الحقيقة من صنع الخلف قبل أن يكون من صنع السلفيين أنفسهم لما قالوا: ( طريقة الخلف أحكم وأعلم، وطريقة السف اسلم وأحوط )، فكان قائل أهل السلف يرد ويقول : ( طريقة السلف أعلم وأحكم وأسلم ) ، ويقول:

كل الخير في إتباع من سلف...وكل الشر في إتباع من خلف.

وكذلك وبناء على هذا السرد التاريخي لنشأة مصطلح السلفية

فالسلفية ليست مذهبا كتلك المذاهب الفقهية كما يحاول البعض وصفها بذلك وحصرها في مذهب الحنابلة - بحجة تسمية المنتسب إليها في فترة من فترات التاريخ  بالحنبلي - وذلك حتي يسهل عليه ترويج مخالفتها ونقضها بحجة أنها مذهب من ضمن المذاهب ..*

وهي أيضا ليست بديلا عن اسم ( أهل السنة والجماعة )، بل هي أسم مرادف له  مميز لتلك لفرقة الناجية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم  أنها على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الفهم للكتاب والسنة والاستدلال بهما والعمل بمقتضاهما.

وما تعددت الأسماء ( أهل السنة والجماعة / أهل الحديث /  أهل الأثر  / السني / الحنبلي   / السلفي ) إلا لغلبة كل اسم منها على هذه الفرقة في فترة من الفترات بحسب ظروف هذه الفترة وما بينها من تطورات فكرية شهدها المسلمون..

وقد يرد هنا سؤال يُطرح من الكثير في محاولة للفهم أو لمحو هذا المسمى، ألا وهو:

- لماذا التسمية بالسلفية وهو اسم لم يرد في الكتاب والسنة ولماذا نبتدع أسماء جديدة والله عز وجل يقول: { هو سماكم المسلمين من قبل } ؟؟

 والإجابة على ذلك يسيرة بإذن الله وذلك من عدة وجوه:

١- إطلاق الأسماء ابتداء على أي حقيقة لا ضرر منه مطلقا, سواء في الشرعيات أو المباحات والاسم ما دام أنه لا يشتمل على باطل فليس ممنوعا شرعا،  فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم بعض المسلمين بالمهاجرين – من أجل الهجرة – وسمى البعض الأخر بالأنصار -  من أجل النصرة - وسمي من جاء بعدهم بالتابعين -  لإتباعهم من سبقهم من المهاجرين والأنصار– بل خص النبي بعضهم بخطاب لهم وهو موجه لكل المسلمين فقال:   « يا معشر المهاجرين ......» ، فما هو الضير في تسمي من تلمس هدي السلف من الصحابة والتابعين بالسلفي ؟!

٢- هذه التسمية ضرورية وما زالت لتمييز الطائفة المتبعة لمنهج السلف ( الصحابة والتابعين )  عن سائر الطوائف المخالفة لهم باسم يشير إليهم من بين من يخالفهم، وهي نسبة قبل أن تكون اسمًا علمًا، ثم إن عدم التسمية  كان يسعنا قبل وقوع الاختلاف في الأمة أما وقد ظهر الاختلاف وافتراق الأمة، فلا نجد أجمل مما أجاب به الإمام أحمد – رحمه الله – إمام أهل السنة لما قيل له : " ألا يسعنا أن نقول القرآن كلام ونسكت " ، قال: " كان هذا يسع من كان قبلنا أما نحن فلا يسعنا إلا أن نقول القرآن كلام الله غير مخلوق " .

٣- التسمية ليس معناها التعصب للاسم، بل كل مسلم يشهد الشهادتين ويعمل حسب استطاعته بمقتضاهما يجب أن يحب ويعان على طاعته، ويوالى على حبه لله ورسوله، ولا ينصر السلفي إن كان مبطلاً ولو كان عدوه كافرًا، ولا يوالى السلفي في الظلم ( هذا هو معتقد السلفي المنتسب حقا لهذا المسمى)، فالمولاة تكون لكل مسلم حسب دينه واعتقاده وإيمانه وحسب قربه و بعده مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه، وليس على مجرد الاسم الذى قد يدعيه أي أحد.  

يتبع بإذن الله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة