الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

شرح الصدور بطاعة الله واتباع الرسول

وإن مِن أعظم أسباب ضيق الصدور: الشرك بالله والذنوب، والبُعد عن طاعة الله

شرح الصدور بطاعة الله واتباع الرسول
محمود عبد الحفيظ البرتاوي
الاثنين ١٩ نوفمبر ٢٠١٨ - ١٦:٤٥ م
885

شرح الصدور بطاعة الله واتباع الرسول

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن انشراح الصدر نعمة عظيمة ومنة جليلة، يمتن الله بها على عباده المؤمنين، ومتى رُزق العبد صدرًا منشرحًا لم يضق بشيء، وقدر على تحمل المشاق والمصاعب، وصبر الصبر الجميل على البلايا والمحن، وأما إذا ضاق صدر العبد، فإن أغلب مصالح دينه ودنياه تتعطل، فلا تكون له قدرة ولا همة على بابٍ مِن أبواب الخير، بل لا يزال في كربٍ وهمٍّ وغمٍّ.

والناس متفاوتون أعظم التفاوت في قوة تحملهم وسعيهم، فمِن الناس مَن لا يحمل إلا هم نفسه، ومنهم مَن يعجز حتى عن مسؤولية نفسه، ومنهم مَن يحمل هم أسرته فحسب، ومنهم مَن يحمل هم الإسلام ونجاة العالم بأكمله وسعادته، وإخراج الناس مِن الظلمات إلى النور.

وهكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى كادتْ نفسه الشريفة أن تتلف حزنًا على عدم إيمان قومه؛ فواساه الله -تعالى- بقوله: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) (فاطر:8)، وقالت عائشة -رضي الله عنها- لما سئلت: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَهُوَ قَاعِدٌ؟ قَالَتْ: "نَعَمْ، بَعْدَ مَا حَطَمَهُ النَّاسُ" (رواه مسلم). يعني: صيروه شيخًا محطومًا لما حمله مِن أمورهم وأثقالهم، والاعتناء بمصالحهم.

وقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- لما امتنعت بعض القبائل عن أداء الزكاة بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أينقص الدين وأنا حي؟!". وقال صلاح الدين -رحمه الله-: "كيف أضحك والقدس أسير؟!".

فشرح الصدر معونة مِن الله للعبد على تحقيق مقاصده وأهدافه، وكلما عظمت الغاية كانت الحاجة إلى انشراح الصدر أكبر وأعظم؛ ولهذا لما أمر الله -سبحانه وتعالى- موسى بالذهاب إلى فرعون، قال -عليه السلام-: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) (طه:25).

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- مع ما كان فيه مِن المسؤوليات العظيمة والمهام الجسيمة، وما كان يتعرض له من ألوان البلاء المختلفة، كان أصبر الناس وأحلم الناس؛ مصداق قوله -تعالى-: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (الشرح:1)، فاتسع صدره الشريف لتحمل كل ما تضيق به صدور العباد.   

وإنما قال -تعالى-: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) ولم يقل: "قلبك"؛ لأن محل الوسوسة هو الصدر، كما قال -تعالى-: (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) (الناس:5)، والصدور أوسع، وهي كالمداخل للقلب، فمنها تدخل الواردات إلى القلب، والشيطان يملأ الصدر بالوسوسة ومنه تدخل إلى القلب دون أن تترك خلفها ممرًا نظيفًا يمكن أن تدخله نفحات الإيمان، بل يملأ الساحة بالوساوس قدر استطاعته مغلقًا الطريق إلى القلب، فإزالة تلك الوسوسة، وإبدالها بدواعي الخير، هي الشرح، فلا جرم أن خص ذلك الشرح بالصدر دون القلب.

وإن مِن أعظم أسباب ضيق الصدور: الشرك بالله والذنوب، والبُعد عن طاعة الله، قال -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) (طه:124).

والعكس مِن ذلك فإن دواء ضيق الصدر وأمراض القلب: إنما تكون بطاعة الله واتباع الرسول، وكثرة التسبيح والذكر والصلاة، وتعلم الإسلام وأحكامه، قال الله: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (الحجر:97-98)، وقال: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28)، وقال: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) (الأنعام:125).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com