الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواقف وعِبَر مِن سيرة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- (1)

كان هذا التصرف مِن قبيل الموازنات بيْن المصالح والمفاسد، وموازين القدرة والعجز، وفقه المآلات

مواقف وعِبَر مِن سيرة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- (1)
أحمد حمدي
الأربعاء ٢٨ نوفمبر ٢٠١٨ - ١٩:٣٠ م
873

مواقف وعِبَر مِن سيرة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- (1)

كتبه/ أحمد حمدي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ففي عهد الوليد بن عبد الملك بن مروان -أحد خلفاء بني أمية- تولى عمر بن عبد العزيز ولاية المدينة النبوية على صاحبها الصلاة والتسليم، وكان الوليد مِن أبناء عبد الملك بن مروان، واستمر الحجاج بن يوسف الثقفي واليًا على العراق (الكوفة والبصرة) في عهده، وكان في عهده مِن الجرأة على القتل والجور والظلم والفساد ما فيها، ومع ذلك لم يترك عمر بن عبد العزيز ولاية المدينة في عهده حتى لا يُتّهم بأنه أحد أركان نظامه أو أنه معاون للظالمين أو راضٍ ومقرّ بجوره مع بقائه في الولاية.

أرسل إليه الوليد عام 88هـ بإرادته لتوسعه مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن جميع جوانبه، مع إدخال الحجرات، وقبر النبي -صلى الله عليه وسلم- داخل المسجد، وإعادة عمارته وتشييده، وإعلاء أعمدته وسقفه مع الفنون المعمارية التي كانت مشهوره في بناء المساجد والقصور في عهد بني أمية؛ فاستشار عمر بن عبد العزيز العلماء والفقهاء في المدينة فجمع عشرة منهم؛ وهذا مِن الأهمية بمكانٍ أن تُقرّب العلماء وتستشيرهم ولا تنفرد بالرأي؛ فلا خاب مَن استخار الخالق واستشار المخلوق، قال -تعالى-: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى:38)، وقال -تعالى-: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (آل عمران:159)، فأجمعوا على عدم جواز إدخال القبر في المسجد، وأنه قد حدثت توسعة في عهد عمر بن الحطاب وعثمان -رضي الله عنهما- مِن جميع الجهات إلا جهة القبر لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن اتخاذ القبور مساجد، وخطورة أن يكون ذلك ذريعة للشرك أو الغلو في الصالحين والأنبياء.

وكان رأيهم كذلك: بقاء بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن العريش والخوص والطوب اللبن مِن البساطة حتى يظل الناس عبْر تاريخ الزمان عند زيارة المسجد النبوي مِن كل بقاع الدنيا يتذكرون زهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعيشته، فلا يغترون بزخرف الدنيا وزينتها، وحضارتها وعمارتها، ويرغبون في الآخرة، فأرسل عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى الوليد برأي العلماء بالرفض، فأصر الوليد وأرسل إليه في تنفيذ والتزام الأمر.

وهنا موقف آخر مِن مواقف السياسة الشرعية: هل امتنع عمر بن عبد العزيز أو ترك الولاية أم أنه خضع لهذه المخالفة الشرعية مع إعلانه لإنكار ذلك بلسانه، وعجزه عن منعه أو تغييره بيده؟ فكان ذلك بمثابة ارتكاب أدنى المفسدتين دفعًا لأعلاهما؛ فإذا ترك ولاية المدينة حدثتْ هذه المفسدة، وزيادة عليها أنه يتولى شؤون الناس في المدينة مَن يعين على الظلم والجور والفساد، فكان هذا التصرف مِن قبيل الموازنات بيْن المصالح والمفاسد، وموازين القدرة والعجز، وفقه المآلات.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

آداب العمل الجماعي -3
621 ٣٠ أبريل ٢٠٢٠
رمضان في ظروف خاصة!
781 ٢٧ أبريل ٢٠٢٠
فضل العمل الجماعي -2
612 ٢٢ مارس ٢٠٢٠
فضل العمل الجماعي -1
930 ١٩ مارس ٢٠٢٠
الطموح -2
621 ١٠ مارس ٢٠٢٠
الطموح (1)
677 ٢٧ فبراير ٢٠٢٠