الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا)

ليس مهمًا أن يكون لك مكانة أو منصب مرموق بعملك الصالح كمستهدف لك مِن وراء العمل

(وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا)
محمد القاضي
الأحد ٠٢ ديسمبر ٢٠١٨ - ١٨:١١ م
676

(وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا)

كتبه/ محمد القاضي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمما لا شك فيه أن مجتمع المدينة -وهو مجتمع المسلمين الأول- كان مجتمعًا متماسكًا مِن الداخل لا يتسرب إليه الضعف والخلل، وإلا ما استطاع مقاومة الضغوط الخارجية التي كانت عليه في ذلك الوقت، وإذا سبرت الاسباب التي أدت إلى هذا التماسك؛ جاءتك الإجابة في القرآن الكريم في مثل قوله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ . وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:8-9).

مثل هذه الآيات توضِّح حقائق وُجدت في القلوب، ويجب على كل طائفةٍ مؤمنةٍ في أي عصرٍ مِن العصور التنبه إليها، فمثلًا عندما يذكر الرب -جلَّ و علا- وهو عليم بذات الصدور، أن الأنصار لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتي المهاجرون؛ فهذا يجب أن يستوقف المؤمن والطائفة المؤمنة طويلًا، ما الذي أوتيه المهاجرون ليس عند الأنصار، وهم أهل الدار وأصحاب المكان، والمهاجرون وافدون عليهم؟! وقد تركوا الأهل والوطن والمال ابتغاء مرضاة الله ونصرة لدينه، والأنصار هم الذين يقدِّمون العون لهم؛ فماذا إذًا الذي أوتوه؟!

إن الآية تشير إلى معنى إيماني وتربوي خطير، مِن الأهمية بمكانٍ تواجده داخل المجتمع المسلم، وبخاصة العمل الإسلامي؛ ألا وهو التجرد وعدم إرادة الوجاهة والمكانة بالعمل الصالح، فالمهاجرون أوتوا السبق إلى الاسلام والمكانة في هذا الدين، وهذا فضل الله يؤتيه مَن يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

هذا السبق وهذه المكانة يخبرك علام الغيوب إنها لم تؤثر قط في نفوس الأنصار، وأن هؤلاء الرجال ليس في قلوبهم حاجة مما أوتوا أي مِن الفضل والمكانة.

وإنها قلوب متجردة تنصر الدين لله لا تريد شيئًا مِن الدنيا وحطامها الزائف، وليس فيها حقد ولا حسد، وغيرة غير محمودة، أو بعبارة أدق: قلوب مخمومة، تحب الخير لكل الناس، وتبذل لدين الله ولا تنتظر المقابل؛ هذه القلوب نحن في أمس الحاجة لها في العمل لدين الله -عز وجل- في هذه الأوقات.

إن القلوب المؤمنة الخالية مِن الأمراض هي سبب وجود مجتمع قوي متماسك، وخاصة إذا كان هذا مجتمع الدعوة والدعاة، وهي في نفس الوقت سبب مِن الأسباب المهمة في إيجاد المناخ المنتج الذي تتفجر فيه طاقات الأفراد دون أن يكون هناك خوف مِن التحاسد والتنافس غير المحمود على المناصب، والذي يفسد أجواء الأخوة الإيمانية، ويحدث الشقاق بيْن القلوب قبْل الأبدان.

ومَن ثّمَّ تظهر أهمية هذا الخلق النبيل والذي توافر في الجيل الأول، ولا ينبئك مثل خبير، وكان سببًا مِن الأسباب الكثيرة التي أدت إلى تماسك هذا المجتمع وحدوث التمكين له.

فيا معشر الدعاة... ليس مهمًا أن تبلغ الحق أنت وبلسانك، ولكن المهم أن يبلغ الحق الناس، ويجريه الله على لسان مَن شاء مِن عباده.

يا معشر الدعاة... ليس مهمًا أن يكون لك مكانة أو منصب مرموق بعملك الصالح كمستهدف لك مِن وراء العمل، ولكن المهم أن تكون مِن جند الحق؛ تنصره تدافع عنه بكل ما أُوتيتْ مِن قوة.

يا معشر الدعاة... ليس مهمًا أن يُنسب العمل لك في الدنيا، ولكن المهم أن يكون مقبولًا عند الله.

يا معشر الدعاة... لا تنظر إلى أخيك في الله نظرة منافسة، ولكن انظر إليه نظرة تكامل، إنه يكملك في جانبٍ وأنتَ تكمله في جوانب أخرى، فهذا أولى إتمام الأخوة بينكما.

واعلم أن الله يؤتي مَن شاء ما شاء، وأن كل هذه المواهب والمنح عطاياه، ومِن تمام الإيمان بالله وقدره ألا يوجد في قلبك سوء لأخيك المسلم لنعمة أعطاه الله إياها في الدنيا كانت أو في الدين، وأن تؤمن بالقدر وتجتهد في موافقة الشرع حتى يكتب لجهدك النجاح.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة