الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

عِبَرٌ من التاريخ... (صاحب المنزلة الكبيرة لا نقص عليه في مشاورة مَن هو دونه)

وكم في التاريخ مِن عِبَرٍ، فاعتبروا يا أولي الأبصار

عِبَرٌ من التاريخ... (صاحب المنزلة الكبيرة لا نقص عليه في مشاورة مَن هو دونه)
رجب صابر
السبت ١٥ ديسمبر ٢٠١٨ - ١٧:٣١ م
737

عِبَرٌ من التاريخ... (صاحب المنزلة الكبيرة لا نقص عليه في مشاورة مَن هو دونه)

كتبه/ رجب صابر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد حفظ لنا علماؤنا تاريخ أمتنا، ومنها تلك المآثر والبطولات التي أبداها أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومَن تبعهم.

وفي فتح نهاوند ببلاد فارس جرت أحداث عظيمة تضمنت العديد مِن العِبَر، وقد سبق هذا الفتح مشاورات وتجهيزات، فعن أنس قال: "حَاصَرْنَا تُسْتَرَ فَنَزَلَ الْهُرْمُزَانُ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ، فَبَعَثَ بِهِ أَبُو مُوسَى مَعِي فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ سَكَتَ الْهُرْمُزَانُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَقَالَ عُمَرُ: تَكَلَّمْ فَقَالَ: كَلَامُ حَيٍّ أَوْ كَلَامُ مَيِّتٍ؟ قَالَ: فَتَكَلَّمْ فَلَا بَأْسَ فَقَالَ: أَنَا وَإِيَّاكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ مَا خَلَّى اللَّهُ بَيْنَنَا، وَبَيْنَكُمْ، كُنَّا نَقْتُلُكُمْ وَنُقْصِيكُمْ، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ مَعَكُمْ لَمْ يَكُنْ لَنَا بِكُمْ يَدَانِ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَقُولُ يَا أَنَسُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، تَرَكْتُ خَلْفِي شَوْكَةً شَدِيدَةً وَعَدَدًا كَثِيرًا، إِنْ قَتَلْتُهُ أَيِسَ الْقَوْمُ مِنَ الْحَيَاةِ، وَكَانَ أَشَدَّ لِشَوْكَتِهِمْ، وَإِنْ اسْتَحْيَيْتُهُ طَمِعَ الْقَوْمُ فَقَالَ: يَا أَنَسُ: أَسْتَحْيِي قَاتِلَ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ وَمَجْزَأَةِ بْنِ ثَوْرٍ فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَبْسُطَ عَلَيْهِ قُلْتُ لَهُ، لَيْسَ لَكَ إِلَى قَتْلِهِ سَبِيلٌ فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ؟ أَعْطَاكَ؟ أَصَبْتَ مِنْهُ؟ قُلْتُ: مَا فَعَلْتُ وَلَكِنَّكَ قُلْتُ لَهُ: تَكَلَّمْ فَلَا بَأْسَ فَقَالَ: لَتَجِيئَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ، أَوْ لَأَبْدَأَنَّ بِعُقُوبَتِكَ قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَإِذَا بِالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَدْ حَفِظَ مَا حَفِظْتُ، فَشَهِدَ عِنْدَهُ فَتَرَكَهُ، وَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ وَفُرِضَ لَهُ" (المصنف لابن أبي شيبة).

وعن جبير بن حية أن عمر قال للهرمزان بعد ذلك: "إِنِّي مُسْتَشِيرُكَ فِي مَغَازِيَّ هَذِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ مَثَلُهَا وَمَثَلُ مَنْ فِيهَا مِنَ النَّاسِ مِنْ عَدُوِّ المُسْلِمِينَ مَثَلُ طَائِرٍ لَهُ رَأْسٌ وَلَهُ جَنَاحَانِ وَلَهُ رِجْلاَنِ، فَإِنْ كُسِرَ أَحَدُ الجَنَاحَيْنِ نَهَضَتِ الرِّجْلاَنِ بِجَنَاحٍ وَالرَّأْسُ، فَإِنْ كُسِرَ الجَنَاحُ الآخَرُ نَهَضَتِ الرِّجْلاَنِ وَالرَّأْسُ، وَإِنْ شُدِخَ الرَّأْسُ ذَهَبَتِ الرِّجْلاَنِ وَالجَنَاحَانِ وَالرَّأْسُ" (رواه البخاري).

فأراد عمر أن يسير إليه بنفسه، فقالوا: "نُذكرُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَسِيرَ بِنَفْسِكَ إِلَى الْعَجَمِ فَإِنْ أُصِبْتَ بِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ نِظَامٌ وَلَكِنِ ابْعَثِ الْجُنُودَ" (رواه ابن حبان، وصححه الألباني).

فتأمل في كلام الهرمزان الفارسي تقف على أعظم أسباب نصر المسلمين على أعدائهم، قال: "فَإِذَا كَانَ اللَّهُ مَعَكُمْ لَمْ يَكُنْ لَنَا بِكُمْ يَدَانِ" يعني: قوة.

وتدبر في مشاورة عمر -رضي الله عنه- لأنس في شأن الهرمزان، ثم استشارة عمر للهرمزان بعد أن أسلم في شأن بلاد الفرس، هذا مع مكانة عمر وكونه مُلهَمًا محدَّثا، قال ابن حجر: "وفيه فضل المشورة، وأن الكبير لا نقص عليه في مشاورة مَن هو دونه" (فتح الباري 6/ 307).

وكم في التاريخ مِن عِبَرٍ، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة