الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مجرد تعليق!

قلتُ لداود الطائي: أوصِني، فقال: عسكر الموت ينتظرونك!

مجرد تعليق!
صبحي فتحي الشلمة
السبت ١٥ ديسمبر ٢٠١٨ - ١٧:٣٤ م
826

مجرد تعليق!

كتبه/ صبحي فتحي الشلمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالمتأمل في الواقع في هذه الأيام يرى أن الموت كثر وأصبحنا نسمع كل يوم عن حالات موت كثيرة تشمل كل فئات المجتمع: الأطفال والشباب؛ ذكورًا وإناثًا، وأكثر الموت في الشباب، ورجالًا ونساءً، وتعددت أسباب الموت مِن مرض أو حادث أو موت فجأة، وما أكثر موت الفجأة، فرادى وجماعات، أسر كاملة يموت فيها الأب والأم والأبناء جملة واحدة، أشلاء متناثرة وأحشاء مبعثرة!

ومع كل هذه الصور المؤلمة إلا أننا نجد كثيرًا مِن الناس في هذا الزمن الغريب لا يتأثر بكل ذلك! بل تأثيره لا يتعدى مجرد تعليق على صفحات التواصل الاجتماعي، بل إن البعض يسمع بالحادثة ويرى الجثث والأشلاء ممزقة ثم يضغط إعجاب! يا للقلوب القاسية، والمقل المتحجرة!

ولو قارنا بيْن حالنا اليوم وحال السلف وفزعهم عند ذكر الموت؛ لعلمتَ أن هناك بونًا شاسعًا بيْن ما كان عليه القوم وما نحن عليه اليوم؛ لذا كان السَّلف الكِرام يُذكِّر أحدُهم أخاه بالموت وما بعدَه؛ حتى يتأهَّب لهذه اللَّحظة ولا يغفل عنها؛ فكفى بالموت واعظًا، وكفي باليقين غنى، فالموت عاقبة كلِّ حيّ، وخِتام كلِّ شيّ، ونهاية كلِّ موجود سوى الربِّ المعبود، يستوي فيه المالك والمملوك، والسيِّد والمسُود؛ فلا مفرَّ منه ولا مَحِيص عنه، ولا مَناص مِن سُلطانه، ولا إفلات مِن شِباكه، فهو سنَّة الله في خَلقه، ولن تجد لسنَّة الله تبديلًا، فمهما عاش المخلوق فهو إلى الموت صائر، قال -تعالى-: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (الرحمن:26-27).

كان الفُضيل -رحمه الله- يقول: "كفى بالله محبًّا، وبالقُرآن مُؤنسًا، وبالموت واعظًا، وكفى بخشية الله عِلمًا، والاغترار بالله جهلًا".

جاء في كتاب "التذكرة" للقرطبي: "أنَّه قيل لبعض الزُّهَّاد: ما أبلغ العِظات؟ قال: النظَر إلى محلة الأموات!".

وعن القعقاع بن عجلان قال: "خطَب عمر بن عبد العزيز، فحَمِدَ الله -تعالى- وأثنى عليه، وقال: ألا ترَوْن أنَّكم في كُلِّ يومٍ تُشيِّعون غاديًا أو رائحًا إلى الله، قد قضى نحبَه وانقطع أملُه، فتضعونه في بطن صدعٍ مِن الأرض غير موسَّد ولا مُمهَّد؟! قد خلَع الأسباب وفارَق الأحباب، وواجَه الحساب؟! وايمُ الله إنِّي لأقولُ لكم مَقالتي هذه، وما أعلم عندَ أحدٍ مِنكم مِن الذنوب أكثر ممَّا أعلم مِن نفسي، ولكنَّها سننٌ مِن الله عادلة، أمَر فيها بطاعته، ونهى فيها عن معصيته، واستغفَرَ الله ووضَع كُمَّهُ على وجهه؛ فبكَى حتى ابتلت لحيته، فما عاد إلى مجلسه حتى مات -رحمه الله-" (تاريخ دمشق لابن عساكر).

وقال الحارث بن إدريس: "قلتُ لداود الطائي: أوصِني، فقال: عسكر الموت ينتظرونك!".

قال محمد بن الحارث: "رأيتُ الحسنَ صلَّى على جنازةٍ، فكبَّر عليها أربعًا، ثم اطَّلع في القبر، فقال: يا لها مِن عظة! يا لها مِن عظة! -ومدَّ صوته بها- لو وافقت قلبًا حيًّا!".

فيا غافلاً عن هذه الأحوال... !

إلى كم هذه الغَفلة والتوان... !

فالخطب جد خطير، والهول عظيم؛ فلابد مِن تدارك الأعمار، والنظر فيما أل إليه القوم، ولابد وأن تشرب مِن كأس الموت؛ فجد واجتهد، وابكِ على خطيئتك، وتذكر الموت والبلى وما أنت قادم عليه، لعل القلوب تصحو مِن غفلتها وترجع إلى ربها، ونتأثر بما يدور حولنا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة