الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

قطاع غزة تحت حكم حركة حماس

شهد القطاع تدهورًا في معدلات النمو الاقتصادي

قطاع غزة تحت حكم حركة حماس
علاء بكر
الخميس ٠٣ يناير ٢٠١٩ - ١٤:٥٧ م
918

قطاع غزة تحت حكم حركة حماس

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد شهدت غزة والضفة الغربية قبْل ظهور حركة حماس، وجود مجموعات مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر تقوم بنشر الدعوة الإسلامية بيْن أوساط الشباب، وأسست بعض الجمعيات الخيرية، مِن أبرزها: (الجامعة الإسلامية)، و(المجمع الإسلامي).

ولم تشارك هذه المجموعات في العمل المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، على نقيض القوى الوطنية والعلمانية واليسارية التي ارتبطت بمنظمة التحرير الفلسطينية في الكفاح المسلح ضد الاحتلال.

ومع تنامي الصحوة الإسلامية في بداية الثمانينيات في غزة والضفة، وظهور مجموعات إسلامية تمارس المقاومة والكفاح، مثل: (الجهاد الإسلامي)، واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م، قررت المجموعات الإسلامية المرتبطة بـ(المجمع الإسلامي) المرتبطة بحركة الإخوان المسلمين تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في مواجهة الاحتلال.

رؤية حماس للقضية الفلسطينية:

ظلت حماس حريصة -رغم اشتراكها في النضال الشعبي- على عدم الانخراط في هيكل منظمة التحرير الفلسطينية (م. ت. ف)، والتي كانت تضم كل -أو معظم- فصائل المقاومة الفلسطينية، وتهيمن عليها منظمة (فتح)، التي يرأسها: (ياسر عرفات)، ويرأس معها أيضًا: (منظمة التحرير الفلسطينية)؛ إذ كان ميثاق حركة حماس يطالِب بتحرير كامل فلسطين مِن النهر (نهر الأردن) إلى البحر (البحر الأبيض المتوسط)، أما برنامج منظمة التحرير فتحول -خاصة بعد الخروج مِن بيروت عام 1982م والدخول في (اتفاق أوسلو) عام 1993م- إلى برنامج يطالب بإقامة دولة فلسطينية على حدود ما قبْل 5 يونيو عام 1967م.

وقد عارضت حماس (اتفاق أوسلو)، واعتبرته ضربة لانتفاضة 1987م وتضحياتها، وانتقدت اعتراف قيادة منظمة التحرير بدولة إسرائيل، في الوقت الذي لم تعترف فيه إسرائيل بحقوق الشعب الفلسطيني، خاصة حقه في تقرير مصيره، وحق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم؛ إذ اقتصرت إسرائيل على الاعتراف بمنظمة التحرير كممثلٍ وحيدٍ للفلسطينيين.

ملاحقات فتح لحماس:

واستنادًا للاشتراطات الأمنية التي تضمنها اتفاق "أوسلو" تعرض قادة وكوادر حماس -وكذلك المنظمات الاجتماعية والجمعيات الخيرية التابعة لحماس- للملاحقات الأمنية مِن قِبَل قيادة فتح التي شكلت بعد عام 1993م السلطة الوطنية الفلسطينية تنفيذًا لاتفاق أوسلو، وبلغت الملاحقات ذروتها عام 1996م؛ مما تسبب في إضعاف حماس، وأوجد تراكمات نفسية غاضبة في أوساطها.

ومع مقاطعة حماس للانتخابات (التشريعية) الأولى عام 1996م؛ لكونها تتم تحت سقف اتفاق أوسلو، ولكونها انتخابات لمجلس سلطة للحكم الذاتي، وليس لسلطة كاملة السيادة، وهو الموقف الذي تبته بعض القوى اليسارية، شاركت مجموعة مِن كوادر حماس في الانتخابات في إطار تنظيمي باسم: (حزب الخلاص الإسلامي)، الذي رأى في المشاركة في الانتخابات النيابية فرصة للحماية مِن الضغط والابتزاز والملاحقات السياسية والأمنية، ولم يكتب لهذه التجربة النجاح، بل نجحت فتح في استمالة بعض عناصر هذا التنظيم.

ومع فشل المباحثات المكثفة بيْن السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية برئاسة (إيهود باراك) في يوليو 2000م، بعد انتهاء المرحلة الانتقالية في مايو 1999م، والتي لم تسفر عن إعلان الدولة الفلسطينية كما كان مقررًا ومتوقعًا، ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر مِن عام 2000م، قام ياسر عرفات -رئيس السلطة الفلسطينية- بالإفراج عن قادة حماس وباقي فصائل المقاومة المعتقلين، كورقة ضغط على إسرائيل لتحسين شروط التسوية، وهو ما استثمرته حماس في إعادة بناء قواها العسكرية، وتنفيذ العديد مِن العمليات الانتحارية (الاستشهادية) ضد إسرائيل، أحدثت ردود فعل عنيفة في البنية السياسية الإسرائيلية، سقط معها (باراك) وصعد (شارون) بدلًا منه في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، ليقوم شارون بتدمير البنية التحتية للسلطة الفلسطينية، مِن مقرات وزارية وأمنية، بل واجتاح الضفة الغربية في مطلع أبريل 2001 م، وحاصر عرفات داخل مقره.

وقامت اللجنة الرباعية بالضغط على عرفات تحت شعار إصلاح المنظمة، مستغلة حالة الاختلال الإداري والمالي والفساد للمنظمة، ومستغلة الحصار السياسي والجغرافي المفروض على عرفات، فتم استحداث منصب رئيس وزراء للسلطة الفلسطينية على حساب صلاحيات رئيس السلطة، لإيجاد قيادة تنازع عرفات سلطاته، وتقبل شروط اللجنة الرباعية، وأجريت تعديلات في الإنفاق الحكومي والميزانية، ومواجهة حالة الاحتكار وسوء الأداء المالي والإداري.

ومع زيادة تأثير ونفوذ حماس وتصاعد مقاومتها للاحتلال تعرضت 23 مِن جمعياتها في عام 2003م للإغلاق وتجميد حساباتها في البنوك استجابة لشروط أمريكا واللجنة الرباعية تحت شعار مكافحة الإرهاب، رغم خروج المظاهرات تضامنًا مع حماس، ودفاع بعض مراكز حقوق الإنسان عنها، بل وصدور قرار المحكمة الفلسطينية العليا بإعادة فتح تلك الجمعيات، ورفع الحجز على أموالها.

تطلع حماس للعمل السياسي:

وبعد وفاة ياسر عرفات في نوفمبر عام 2004م، خلفه رئيسًا للسلطة محمود عباس (أبو مازن) بعد انتخابات في يناير 2005 م قاطعتها حماس، وفي مارس 2005 م وقَّعت حماس على وثيقة (لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية) المشكَّلة في قطاع غزة مِن جميع القوى والفصائل الوطنية والإسلامية، فكانت بداية توجه حماس للعمل السياسي، حيث تضمنت الوثيقة الحد الأدنى مِن المطالب الوطنية، وتضمنت الموافقة على الاشتراك في الانتخابات النيابية (التشريعية) الثانية في يناير 2006م، وإبرام تهدئة مع الاحتلال لتهيئة الظروف الملائمة لتلك الانتخابات، ولإعادة بناء منظمة التحرير وتطويرها.

استفادت حماس مِن الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب مِن قطاع غزة في أغسطس 2005م، واعتبرته نتاجًا للمقاومة، وزاد ذلك مِن نفوذها الشعبي والسياسي.

وشهدت هذه الفترة حالة مِن الاستقطاب السياسي والاجتماعي بوجود وزارات ومقرات أمنية للسلطة الفلسطينية وفتح، ووجود تشكيلات عسكرية ومؤسسات مدنية تابعة لحماس، وكان لفتح فصائل تدور في فلكها، ولحماس فصائل منجذبة إليها، مع حالةٍ مِن الانفلات الأمني خاصة في قطاع غزة.

شاركت حماس في انتخابات يناير 2006م التشريعية تحت شعار: (الإصلاح والتغيير)، في ظل تراكم السخط الشعبي على السلطة الفلسطينية بقيادة فتح، وانسداد آفاق التسوية السياسية المبنية على المفاوضات فقط، والتي لم تؤدِ إلا إلى مضاعفة الاستيطان الإسرائيلي، وبناء الجدار العازل، وتهويد القدس، وعزل الفلسطينيين داخل كنتونات.

شاركت حماس رغم أن الانتخابات كانت -كانتخابات 1996م التي لم تدخلها حماس- تحت سقف اتفاق أوسلو، ولسلطة حكم ذاتي محدود، وكانت التوقعات فوز فتح بالانتخابات ودخول حماس كحزبٍ معارضٍ، فتنتهي حالة التشرذم والانفلات الأمني، وتستقر الأمور، وتنتهي حالة الازدواجية في التنافس على الحكم، ولكن فازت حماس بالأغلبية لتصبح هي الحزب الحاكم، وتصبح فتح هي حزب المعارضة، وهو ما كان صعبًا على قيادات فتح تقبله.

حكومة حماس:

مع تشكيل حماس لحكومةٍ خالصةٍ مِن أعضائها برئاسة (إسماعيل هنية) بعد مقاطعة الكتل البرلمانية الأخرى للحكومة، للاختلاف حول البرنامج السياسي لحماس، ورغم تسلم الوزراء الجدد للوزارات رسميًّا، فقد ظلت الأمور مِن الناحية العملية لوكلاء الوزارات والمديرين العامين في كل وزارة، وظلت مفاتيح الأجهزة الأمنية في يد قادة هذه الأجهزة، بقراراتٍ مِن قيادات فتح، وكأن التغيير في الشكل لا المضمون، إذ لم تستوعب حركة فتح تحولها إلى حزب معارضة، ومع تطلع حماس للقيام بشئون الحكم تكونت حالة مِن الاحتقان والتوتر، وتصاعد الانفلات الأمني، وظهر الصراع بيْن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية حول صلاحيات كل منهما.

 وفي الوقت الذي جرى فيه تدريب وتسليح لعناصر فتح الأمنية تحت إشراف دولي -أمريكي تحديدًا- كانت حماس تشكِّل (القوة التنفيذية) مِن خلال كتائب عز الدين القسام، والتي تخضع مباشرة لوزير الداخلية في حكومة حماس.

وقد استطاعتْ حماس مواجهة أجهزة فتح الأمنية وتحصين ذاتها، وتصعيد نفوذها، ورغم توقيع الطرفين على (اتفاق مكة) في 8 فبراير 2007 م، وتشكيل هنية لحكومةٍ وحدةٍ وطنيةٍ جديدةٍ، تضمن برنامجها احترام الاتفاقات الدولية الموقعة مِن السلطة الفلسطينية مِن قبْل، وإدانة العنف، فلم تتوقف حالة التدهور والاقتتال المحدود والتزاحم على الصلاحيات، فقررت حماس القيام بضربة استباقية -اعتبرتها اضطرارية لا اختيارية- لحسم الخلاف بالقوة بالسيطرة على المقرات الأمنية والوزارية والإدارية المختلفة في قطاع غزة في الفترة مِن 9 إلى 14 يونيو2007 م، بما اعتبرته فتح انقلابًا عسكريًّا على السلطة.

لقد آل الاحتكاك الثنائي بيْن رؤية حماس -والتي أطلق عليها: (الإسلام السياسي)-، والتي أعطت نموذجًا له علاقة بالمقاومة والصمود والبُعد عن الأهواء الشخصية، ورؤية فتح -والتي أطلق عليها: (الوطنية العلمانية)-، والتي شابها سوء الإدارة والانحراف والاستغلال مِن رموز الحكم فيها، إلى الصراع والاشتباك بيْن الطرفين، وقد أبدت حماس مرونة سياسية في وثيقة القاهرة في مارس 2005م، وفي اتفاق مكة في فبراير 2007م الذي استند إلى وثيقة الوفاق الوطني، ولكن كان لغياب المرجعية الواضحة المتفق عليها للنظام السياسي الفلسطيني أثره في إمكانية استبدال وتغيير هذه المرجعية كلما جاء إلى السلطة حزب سياسي جديد، في ظل انتخابات دورية تقوم على مبدأ التداول السلمي للسلطة.   

لقد أخطأت فتح حين لم تقبل التداول السلمي للسلطة بناءً على نتائج الانتخابات، وأخطأت حماس باستخدام القوة والعنف لحسم الخلاف بينهما، فآلت الأمور إلى انقسامٍ سياسيٍ وجغرافيٍ تسيطر فيه حماس على قطاع غزة، وتسيطر فيه فتح على الضفة الغربية.

حكومتان في وقتٍ واحدٍ:

سارع عباس (أبو مازن) إلى إقالة حكومة إسماعيل هنية، وتشكيل حكومة تسيير أعمال برئاسة (سلام فياض) في الضفة الغربية، واشترط اعتذار حماس عما قامتْ به والعدول عنه لعودة الحوار معها.

أصدرت حكومة فياض تشريعات وقوانين تستهدف حركة حماس، تتعلق بالجمعيات الأهلية والخيرية التابعة لها، مع الاعتقالات السياسية لقادة الحركة وكوادرها بالضفة، وقامتْ حماس بسلسلةٍ مِن الإجراءات للسيطرة على المقرات الأمنية والبنية الإدارية لمنظمة فتح في غزة، وللسيطرة على الجهاز القضائي أقالت حماس النائب العام ومجلس القضاء الأعلى، وعينت نائبًا وهيئة قضائية عليا تابعة لها.

حمسنة قطاع غزة:

اعتبرت حماس أن حكومة هنية هي الحكومة الشرعية، ومع استقالة بعض وزراء الحكومة مِن الفصائل الأخرى المشاركة، بدعوى أنها حكومة غير شرعية، زادت حماس مِن عدد أعضاء حكومتها بصورةٍ منفردةٍ، وقامت في فترة قصيرة بتعيين نحو 30 ألف موظف في المرافق الوزارية، ونحو 25 ألف في المرافق الأمنية، ونحو 7 آلاف معلم جديد، رغم صعوبة توفير حماس الرواتب لهم، وقد اتسمت هذه التعيينات في غالبها بطابع الولاء لحركة حماس، وتقديم أهل الثقة على أهل الكفاءة، وكانت حكومة فياض قد طالبت العاملين والموظفين بعدم مزاولة العمل تحت سيطرة حماس مع تحملها لمرتباتهم، وفصلت عشرات الألوف ممَن فضَّلوا الاستمرار في العمل، مما سهل على حماس إحلال موظفين موالين لها، ولكن ترتب عليه فقد الخبرات والمهارات التي كانت متوفرة في الكوادر القديمة، وفي المقابل جرت حالات إقصاء وظيفي في الضفة بمنع توظيف أعضاء حماس والمقربين منها.

ونظرًا لوجود عددٍ كبيرٍ مِن أعضاء المجلس التشريعي رهن الاعتقال -حوالي 45 نائبًا- ابتدعت حماس لتفعيل المجلس وسيلة التوكيل، التي يقوم فيها النائب المعتقل بتوكيل زميله النائب داخل المجلس عنه، فيتم ضمان النصاب القانوني الذي كان معطلًا بسبب الاستقطاب السياسي بيْن فتح وحماس.

ولفرض الأمن والنظام في غزة بالقوة فككت حماس الجيوب المغلقة أمنيًّا لبعض العائلات والتجمعات التي لها عدد كبير مِن الأفراد، وتستخدم القوة والعنف أحيانًا لردع الآخرين أو ابتزازهم، وكان بعضهم مواليًا لجهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية وفتح، فأنهت بذلك قدرتهم على أي تمرد عليها، وساعد ذلك على الاستقرار الأمني وفرض هيبة القانون.

وقد منعت حماس المسيرات والمظاهرات، ومنها: منع مسيرة احتفال بالذكرى الثالثة لوفاة ياسر عرفات في 12 نوفمبر 2007 م، وقد صاحب هذا المنع احتكاكات أمنية راح ضحيتها 7 أشخاص وجرح 150 آخرين، وتكرر منع هذا الاحتفال في الأعوام التالية، وفرضت حكومة حماس على القوى التي تريد تنظيم تجمعات سلمية في أماكن علنية الحصول على تصريح مسبق، وتعرض العديد مِن قادة وكوادر حركة فتح للاستجواب والاستدعاء والاعتقال في إطار سياسة الرد على إجراءات حكومة الضفة الغربية التي تستهدف كوادر وقادة حماس؛ بالإضافة إلى التضييق على النقابات المهنية والعمالية والمنظمات الأهلية، ولا يخفى أن فرض الأمن بالقوة لا يصلح كأمرٍ دائمٍ؛ إذ يولد مع السنين حالة مِن الاحتقان، وتراكم الغضب بيْن المواطنين.

 وفي إطار الحمسنة للقطاع تم تشكيل بنك وطني إسلامي، وافتتاح شركات إعلامية وقنوات تلفزيونية جديدة، وإنشاء منظمات أهلية ومراكز تعمل في مجال حقوق الإنسان كمنظمة (واعد) للدفاع عن الأسرى، ومنظمة (التضامن) لحقوق الإنسان، إلى جانب إصدار صحفٍ جديدةٍ، وافتتاح جامعة جديدة للسيطرة على التعليم العالي، وتشكيل تجمعات مهنية ونقابية جديدة؛ جاء ذلك كله على حساب هياكل الحكم القديم السياسية والأمنية والاقتصادية والإعلامية والأكاديمية في القطاع.  

استخدمت حماس القوة المفرطة إلى حد القتل، ومهاجمة المساجد في مواجهة بعض التشكيلات المسلحة المنفصلة عنها! كجماعة: (جند أنصار الله) في مدينة رفح جنوب القطاع، ومجموعة (جلجلت)، وجماعة (الجهاد الإسلامي)، والتي عارضت دخول حماس في العمل السياسي والتراجع عن نهج الجهاد والمقاومة، وقد اعتبرت حماس هذا العمل رسالة لدول الجوار أنها تنأى بنفسها عن التشدد والتطرف، في ظل ما ساد المنطقة مِن دعواتٍ للقضاء على الإرهاب والتطرف.

أثَّر الانقسام بيْن فتح وحماس سلبيًّا على المسيرة الوطنية والديمقراطية، بل وعلى النسيج الداخلي للمجتمع الفلسطيني، رغم كل المبادرات والجهود والتحركات لرأب الصدع، ولوقف الانتهاكات مِن الاعتقال السياسي والحصار والإقصاء وإلغاء الآخر، والأزمات الوظيفية التي تولدت في القطاعات الخدمية خاصة في قطاعي التعليم والصحة؛ بالإضافة إلى منع حرية التعبير والرأي والتحريض الإعلامي، ورغم التأكيد على ضرورة الانتقال إلى لغة الوفاق والمصالحة، وإعادة بناء المؤسسة الوطنية الفلسطينية الموحدة.

أسلمة غزة:

في إطار محاولة صبغ الحياة في غزة بالصبغة الإسلامية، اتخذت حكومة حماس بعض الإجراءات في ذلك، ومنها: إلزام مجلس العدل الأعلى للمحاميات بالترافع أمام القضاة بالزي الشرعي، وإلزام وزارة التربية والتعليم للفتيات بالمدارس بالزي الشرعي، وفصل مدارس الطالبات عن مدارس الطلاب، وعدم السماح للمدرسين الذكور بالتدريس للطالبات، وإطلاق حملة لإلزام الذكور بزي معين للسباحة، ومراقبة أماكن سباحة النساء، وإلزامهن بزي معين للسباحة يوافق الشريعة في منع كشف العورات.

وقد لوحظ تراجع الحكومة عن هذا الإلزام خاصة في المحاكم والمدارس أمام ضغط منظمات المجتمع المدني ومراكز حقوق الإنسان التي لها علاقات بالأوساط الدولية، وبعض القوى السياسية الديمقراطية والعلمانية، وإن استمر العمل بها طواعية بسبب طبيعة المجتمع المحافظ، والتي تساعد حماس على اتجاه الأسلمة التدريجية للمجتمع، وهو ما أدى إلى تراجع منظمات المجتمع المدني عن طابعها الهجومي على الحكومة في هذا الشأن.

تدهور القطاع اقتصاديًّا:

شهد القطاع تدهورًا في معدلات النمو الاقتصادي، وتراجعًا في مستوى المعيشة، وازديادًا في معدلات البطالة والفقر، وهي أمور لا تتحملها حركة حماس وحدها؛ إذ كان للحصار الإسرائيلي المفروض بشدةٍ على قطاع غزة -خاصة بعد يونيو 2007 م- الدور البارز في حدوث ذلك، فقد بلغ معدل الفقر نحو 80% مِن الأهالي، نصفهم تحت خط الفقر الشديد، وبلغت نسبة البطالة نحو 37% خاصة بعد غلق سوق العمل الإسرائيلي أمام الفلسطينيين، وإغلاق آلاف المصانع؛ بسبب نقص المواد الخام ومستلزمات الإنتاج الضرورية، وتوقفتْ وبصورة تامة الكثير مِن أعمال المباني والمنشآت والبنية التحتية؛ لعدم إدخال الأسمنت والحديد ومواد البناء الأخرى، ولم تبدِ حكومة حماس أي سياسة قوية تساهِم في حماية الفقراء، أو الدمج بيْن مخرجات التعليم ومدخلات التنمية.

وزاد مِن الأزمة: الحروب الإسرائيلية والاعتداءات والعسكرية المتكررة على القطاع، والتي أوجدت الحاجة إلى إعادة أعمار وبناء عشرات الآلاف مِن المنازل والمرافق، والمقار العامة والمدارس، والمساجد، والمستشفيات، التي تم تدميرها كليًّا أو جزئيًّا، وحيث تعيش مئات الأسر بالعراء أو في مخيمات تابعة للهيئات الدولية كالصليب الأحمر واليونيسيف والأونروا، خاصة في ظل عدم جدية المجتمع الدولي في الضغط على إسرائيل لفك الحصار المفروض على القطاع، وعدم وصول أموال المنح الدولية لإعادة الأعمار في ظل حالة الانقسام والخلافات الفلسطينية.

وقد ساهم ذلك كله في تدني حال المرأة الفلسطينية، وزيادة الأعباء عليها، وفي تفكير أعدادٍ كبيرةٍ مِن الشباب والرجال في الهجرة إلى الخارج، وفي عزوف شريحةٍ مِن المثقفين عن المشاركة في الحياة الاجتماعية بسبب يأسهم مِن تردي الحالة الفلسطينية.

الأنفاق على الحدود المصرية:

وقد ألجأ الحصار الإسرائيلي المشدد لقطاع غزة شرقًا وإغلاق مصر لمنفذ (معبر) رفح غربًا حماس إلى زيادة شبكة الأنفاق المبنية في غزة ببناء أنفاق تحت الأرض في مدينة رفح -على الحدود مع مصر-؛ لإدخال المواد الاستهلاكية اللازمة لسكان القطاع مِن مصر إلى غزة، والتي معها امتلأت أسواق القطاع بالبضائع المصرية، وتقلصت البضائع والمنتجات الإسرائيلية.

وقد تجاوز عدد الأنفاق الألف نفق، وارتبط بالعمل فيها عشرات الآلاف مِن سكان القطاع، وأوجدت شريحة مِن التجار المحتكرين، وأوجدت حالة مِن الاقتصاد غير الرسمي (سوق سوداء)، وفككت العلاقة الاقتصادية بيْن القطاع وإسرائيل، وحملت مصر عبأ أزمة القطاع الاقتصادية، نيابة عن إسرائيل؛ بالإضافة إلى آثار سلبية أخرى تتعلق بتهريب الأفراد والأسلحة والعديد مِن الممنوعات بطريقةٍ سريةٍ.

للاستزادة: (راجع "حماس في الحكم: الآثار السياسية والمجتمعية - قطاع غزة 2006 – 2009م قراءة نقدية"، إعداد محسن أبو رمضان - تقديم: عبد القادر ياسين ط. مكتبة جزيرة الورد - القاهرة - ط. أولى 2010م).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة