الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تأملات في حجة الوداع (30)

بهذا ينتهي ما قصدناه مِن ذكر فوائد حجة الوداع، وأن يكون الإنسان حاجًّا بقَلْبِه وبَدَنه، مُتَّبِعًا لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

تأملات في حجة الوداع (30)
ياسر برهامي
الأحد ١٧ فبراير ٢٠١٩ - ١٨:٣١ م
963

تأملات في حجة الوداع (30)

باقي أحكام الرمي والنزول بالمحَصَّب والطواف للوداع

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الاستنابة في الرمي:

روى ابن ماجه في سننه عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: "حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَلَبَّيْنَا عَنِ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ"، ورغم مَقالٍ في إسناده إلا أنه له طريق حسنة عند البيهقي والقاضي أبو القاسم في جزئه، وهذا الحديث وافقه القياس الصحيح، فإنه إذا جازت الاستنابة في الحج كله للعجز فإن ما عجز عنه الحاج بنفسه من أعمال الحج صحت الاستنابة فيه.

قال الشيخ الشنقيطي -رَحِمَهُ اللهُ-: "إِذَا عَجَزَ الْحَاجُّ عَنِ الرَّمْيِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَفِي الْمُوَطَّإِ قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ، هَلْ يُرْمَى عَنِ الصَّبِيِّ، وَالْمَرِيضِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَيَتَحَرَّى الْمَرِيضُ حِينَ يُرْمَى عَنْهُ، فَيُكَبِّرُ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ، وَيُهَرِيقُ دَمًا، فَإِنْ صَحَّ الْمَرِيضُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: رَمَى الَّذِي رُمِيَ عَنْهُ، وَأَهْدَى وُجُوبًا. انْتَهَى مِنَ الْمُوَطَّإِ.

أَمَّا الرَّمْيُ عَنِ الصِّبْيَانِ فَهُوَ كَالتَّلْبِيَةِ عَنْهُمْ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعَنَا النِّسَاءُ، وَالصِّبْيَانُ، فَلَبَّيْنَا عَنِ الصِّبْيَانِ، وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ، وَرِجَالُ إِسْنَادِ ابْنِ مَاجَهْ هَذَا ثِقَاتٌ مَعْرُوفُونَ إِلَّا أَشْعَثَ، وَهُوَ ابْنُ سَوَّارٍ الْكِنْدِيُّ النَّجَّارُ الْكُوفِيُّ مَوْلَى ثَقِيفٍ فَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَمُسْلِمٌ إِنَّمَا أَخْرَجَ لَهُ فِي الْمُتَابَعَاتِ، وَهُوَ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إِخْرَاجُ مُسْلِمٍ لَهُ فِي الْمُتَابَعَاتِ.

وَرَوَى الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ يَحْيَى: أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَمْ أَجِدْ لِأَشْعَثَ مَتْنًا مُنْكَرًا، وَإِنَّمَا يَغْلَطُ فِي الْأَحَايِينِ فِي الْأَسَانِيدِ وَيُخَالِفُ. وَأَمَّا الرَّمْيُ عَنِ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ غَيْرَ الصِّغَرِ فَلَا أَعْلَمُ لَهُ مُسْتَنَدًا مِنَ النَّقْلِ إِلَّا أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ فِي الرَّمْيِ، هِيَ غَايَةُ مَا يُقَدَرُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ -تَعَالَى- يَقُولُ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن:16)، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَدِلُّ لِذَلِكَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصِّبْيَانِ؛ بِجَامِعِ الْعَجْزِ فِي الْجَمِيعِ، وَبَعْضُهُمْ يَقِيسُ الرَّمْيَ عَلَى أَصْلِ الْحَجِّ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الرَّمْيِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ فِي أَصْلِ الْحَجِّ، قَالُوا: وَالرَّمْيُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ اهـ" (أضواء البيان، 4/ 473 - 474).

ولكن هذا الأمر قد وقع فيه التساهل مِن كثيرٍ مِن الناس لمجرد المشقة، والبعض يظن أن النساء كلهن يوكِّلن في الرمي، وهذا ليس صحيحًا؛ فإن العبرة بالعجز بسبب المرض أو الصغر، وليس مجرد وجود المشقة، فإن الحج فيه مِن أنواع المشقة ما شرعه الله ورسوله، حتى سمَّاه الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جهادًا، قال الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الْحَجُّ جِهَادُ، كُلِّ ضَعِيفٍ) (رواه أحمد وابن ماجه، وحسنه الألباني)، وعن عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أنها سألت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ؟" قَالَ: (نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني)؛ فلابد مِن التأكد مِن العجز حتى تصح الاستنابة في الرمي.

تَنْبِيهٌ:

"إِذَا رَمَى النَّائِبُ عَنِ الْعَاجِزِ، ثُمَّ زَالَ عُذْرُ الْمُسْتَنِيبِ، وَأَيَّامُ الرَّمْيِ بَاقِيَةٌ، فَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ: أَنَّهُ يَقْضِي كُلَّ مَا رَمَاهُ عَنْهُ النَّائِبُ، مَعَ لُزُومِ الدَّم،ِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا رَمَى عَنْهُ النَّائِبُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّائِبِ كَفِعْلِ الْمَنُوبِ عَنْهُ، فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، وَلَكِنْ تُنْدَبُ إِعَادَتُهُ، وَهَذَا هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا.

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ: أَظْهَرُ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ إِذَا زَالَ عُذْرُ الْمُسْتَنِيبِ وَأَيَّامُ الرَّمْيِ بَاقٍ بَعْضُهَا: أَنَّهُ يَرْمِي جَمِيعَ مَا رُمِيَ عَنْهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ إِنَّمَا وَقَعَتْ لِضَرُورَةِ الْعُذْرِ، فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ وَالْوَقْتُ بَاقٍ بَعْضُهُ، فَعَلَيْه أَنْ يُبَاشِرَ فِعْلَ الْعِبَادَةِ بِنَفْسِهِ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَقْوَى الْأَقْوَالِ دَلِيلًا هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ أَيَّامَ الرَّمْيِ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ تَرْخِيصِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا، وَيَدَعُوا يَوْمًا كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى" (أضواء البيان للشنقيطي، 4/ 474 - 475).

أما نزول المحصَّب، وهو المكان المعروف الآن بالمعابدة، بعد مقابر الحجون إلى قرب الجبل الفاصل ما بيْن مكة ومنى؛ فقد اختلف فيه أهل العلم، فمنهم مَن قال هو سُنَّة، ومنهم مَن قال ليس بسُنَّة، فأما من قال هو سُنَّة فاحتج بحديث أنس: "أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى البيت فَطَافَ بِهِ" رواه البخاري، وعن ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- "أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء، ثم هَجَع هَجْعة، ثم دخل مكة، وكان ابن عمر يفعله" رواه أحمد وأبو داود والبخاري بمعناه، وعن الزهري عن سالم أن أبا بكر وعمر وابن عمر كانوا ينزلون الأبطح، قال الزهري: أخبرني عروة عن عائشة أنها لم تكن تفعل ذلك، وقالت: "إِنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَنَّهُ كَانَ مَنْزِلًا أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ" (رواه مسلم).

ومَن قال ليس بسُنَّة، فقد احتج بأثر عائشة السابق، وحديث ابن عباس المتفق على صحته، قال: "لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ؛ إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

والصحيح: استحباب التحصيب، وهو سُنَّة مهجورة؛ لما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه مِن حديث أسامة بن زيد أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ الْمُحَصَّبِ، حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يُؤْوُوهُمْ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْخَيْفُ الْوَادِي"، ولذلك فالقول بالسُنِّيَّة والاستحباب أقوى؛ لأنه مِن إظهار شعائر الدين في مكان اجتمع فيه الكفار على الظلم والعدوان والكفر، ولكنه ليس بلازم.

ويستحب أن يصلي بالمحصب الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويبيت به بعض الليل؛ كما دلَّ عليه حديث أنس وابن عمر، والظاهر أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلي الظهر هذا اليوم بعد أن يرمي الجمار الثلاث، والله أعلم.

وأما طواف الوداع؛ فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ) هذه رواية مسلم، وفي رواية: "أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالبيت، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْحَائِضِ" (متفق عليه)، وعن عائشة قالت: حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ؛ فَذَكَرْتُ حِيضَتَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقَالَ: (أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟)، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ، وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَة، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَلْتَنْفِرْ إِذًا) (متفق عليه).

وهذه الأحاديث تدل على وجوب طواف الوداع، وأنه يسقط عن الحائض، وأما طواف الإفاضة فيجب أن تحبس له الحائض حتى تطهر؛ لأن الطواف لا يصح مِن الحائض حتى تطهر كما قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: "لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي"؛ وهذا نص لا يصح أن يُفتى بغيره، ولو قال به مَن قال مِن أهل العلم، وفتوى شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله- في أن الحائض تستثفر وتطوف على حيضها فإنما هو -مع ضعفه- فيما إذا خافت الضياع والهلاك إذا فاتتها رفقتها، وليس هذا بحاصل في وقتنا هذا؛ وإنما هو مجرد بعض التكاليف في تأخير السفر بالطيران أو بغيره، ويلزم المَحرَم أن ينتظرها حتى تطهر؛ لأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَزَم أن يُحبَس إذا كانت صفية لم تطف طواف الإفاضة، أما طواف الوداع فإنه يسقط عنها عند عامة فقهاء الأمصار، وقالوا: ليس عليها إذا أفاضت بالبيت طواف وداع، وقد روي عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضًا لطواف الوداع، والأحاديث الثابتة تَرُدُّ هذا القول.

وطواف الوداع هذا هل هو من النُّسُك أم لا؛ بحيث يجب على مَن تركه دم؟

أصح الأقوال: أنه واجب وليس بنُسُك؛ لقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا) (رواه مسلم)، وقد أخبر -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قد قضى نسكه، وهو لم يطف بعد طواف الوداع؛ لأنه أباح له أن يقيم ثلاثة أيام، فإذا كان ذلك كذلك فطواف الوداع شعيرة مستقلة واجبة على الراجح، ولا يلزم بتركها دم؛ لأنها ليستْ مِن النسك في الحج والعمرة، ولكن مِن الواجبات المستقلة والله أعلم، وهذا مذهب طائفة مِن أهل العلم، وبعضهم يقول هو سُنَّة، وأكثرهم على أنه واجب يجب بتركه دم، والصحيح ما قدَّمْنا.

واستحضار معاني حب البيت، ودوام الشوق إليه، ودعاء العبد بأن يعيده الله -عَزَّ وَجَلَّ- إلى بيته الحرام في حج وعمرة ما أبقاه على وجه الأرض حيًّا، هو مِن أهم المعاني التي يستحضرها الحاج والمعتمر إذا طاف طواف الوداع.

وبهذا ينتهي ما قصدناه مِن ذكر فوائد حجة الوداع، وأن يكون الإنسان حاجًّا بقَلْبِه وبَدَنه، مُتَّبِعًا لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونسأل الله -عَزَّ وَجَلَّ- القبول والتوفيق.

وما كان مِن خطأ في هذه السلسلة فمِنِّي ومِن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه، وما كان مِن صوابٍ فمِن الله، وله الحمد على ذلك.

ونسأل الله -عَزَّ وَجَلَّ- التوفيق والقبول .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة