الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الثبات (5)

عوامل الثبات (1) الإقبال على القرآن

الثبات (5)
سعيد محمود
الخميس ١٤ مارس ٢٠١٩ - ١٧:١٣ م
909

الثبات (5)

عوامل الثبات (1) الإقبال على القرآن

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- التنبيه على أهمية الثبات، ووجوب العمل على تحصيل الأسباب المؤدية إلى الثبات، وهي كثيرة تأتي معنا تباعًا.

- التنبيه على أنه قد جاءت الإشارة لبعض عوامل الثبات في طيات الكلام، وقد حان وقت الشروع في التفصيل.

الإقبال على القرآن:

1- القرآن أعظم أسباب الثبات:

- القرآن العظيم مصدر تثبيت وهداية: وذلك لما فيه مِن قصص الأنبياء مع أقوامهم، ولما فيه مِن ذكر مآل الصالحين، ومصير الكافرين والجاحدين والمعاندين، ولما فيه مِن ذكر تثبيت الله ورسوله وأوليائه بأساليب متعددة، فالقارئ للقرآن بتدبر، يرزقه الله -تعالى- الثبات: قال: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:102).

- الغاية التي مِن أجلها أنزل القرآن مفرقًا هي التثبيت للرسول -صلى الله عليه وسلم- للمؤمنين: قال -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) (الفرقان:32).

- لذا كان مِن كيد الكافرين والكارهين لتعاليم القرآن على مرِّ الزمان محاولات صرف المؤمنين عن القرآن: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (فصلت:26)، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان:6).

2- وجوه تثبيت القرآن:

- القرآن سبب الهداية، والهداية نعمة وثبات: قال -تعالى-: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:2)، وقال -تعالى-: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء:9).

- القرآن يطهِّر القلوب، ويزيل عنها الهموم والمكدرات التي تؤثر على الثبات: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم: (أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

- القرآن سبب لنزول الرحمة والسكينة، والسكينة نعمة وثبات: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) (رواه مسلم). وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: قَرَأَ رَجُلٌ الكَهْفَ، وَفِي الدَّارِ الدَّابَّةُ، فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ، فَسَلَّمَ، فَإِذَا ضَبَابَةٌ، أَوْ سَحَابَةٌ غَشِيَتْهُ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (اقْرَأْ فُلاَنُ، فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ، أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ) (متفق عليه)(1).

- القرآن يرهب القلوب ويزجر النفوس، مما يعين على الثبات: قال -تعالى-: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (الأنعام:19)، وقال: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر:23)، وقال: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (ق:45).  

وذكر ابن هشام في السيرة قصة إيفاد قريش عتبة بن ربيعة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليفاوضه على التخلي عن دعوته، وجعل يعرض عليه المال والمنصب ونحوه: فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَفَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاسْمَعْ مِنِّي، قَالَ: أَفْعَلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: (حم . تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (فصلت:1-3)، فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعَهَا عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهَا وَأَلْقَى بِيَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا يَسْمَعُ مِنْهُ، حَتَّى انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى السَّجْدَةِ فَسَجَدَ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟، قَالَ: فَأَنْتَ وَذَاكَ، فَقَامَ عُتْبَةُ إِلَى أَصحَابِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: نَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ، فَلَمَّا جَلَسَ إِلَيْهِمْ، قَالُوا مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟، قَالَ: وَرَائِي أَنِّي وَاللَّهِ سَمِعْتُ قَوْلا مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ، وَلا السِّحْرِ، وَلا الْكَهَانَةِ. يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَطِيعُونِي وَاجْعلُوهَا بِي، خَلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْتُ نَبَأٌ".

وفي رواية: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صار يقرأ حتى وصل لقوله -تعالى-: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) (فصلت:13)، فوضع عتبه يديه على فم النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: "ناشدتك الله والرحم، هلا سكتّ!"؛ لأنه يعلم صدقه، وأن ما يقوله كائن.

3- أهمية تدبر القرآن للثبات:

- أرشد الله -عز وجل- إلى تدبر كتابه، والانتفاع بعلومه وهي كثيرة: قال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص:29)، وقال: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ? وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء:82).

نبذة حول الإعجاز البياني في القرآن:

- في ختام الآيات: قال الأصمعي: "كنتُ أقرأ: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ? وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة:38)، فقرأتها: "والله غفور رحيم"، وبجانبي أعرابي فقال: كلام مَن هذا؟ فقلت: كلام الله. قال: أعد، فأعدت، فقال: ليس هذا كلام الله، فانتبهت، فقرأت: (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، فقال: أصبتَ، هذا كلام الله، فقلت: أتقرأ القرآن؟ قال: لا، فقلت: من أين علمت؟ قال الأعرابي: يا هذا عزّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع" (آيات الأحكام للصابوني 1/ 545).

- في فواتح الآيات: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا... ) (النور:1)، (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا... ) (المائدة:38)، بدأ بالمرأة في الزنا ترهيبًا لها لعدم حصوله بغير رضاها، وبدأ بالذكور في السرقة؛ لأنهم فيها أكثر، وهم عليها أجرأ وأجلد. (وجوه الإعجاز القرآني، ص 331).

- في متشابه الآيات: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) (الإسراء:31)، (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) (الأنعام:151)، فالأولى للأغنياء، والثانية للفقراء.

4- خاتمة:

- التمسك بالقرآن حصن مِن التراجع عن الثبات: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا، وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا) (رواه الطبراني في المعجم الكبير وابن حبان، وصححه الألباني).

فاللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قصة معاصرة: ذكر أحد الدعاة العرب أنه كان ضمن ستة مِن المسلمين على ظهر سفينة مصرية متجهة إلى نيويورك مِن بين 120 راكبًا وراكبة ليس فيهم مسلمون، فاستأذن الداعية قائد السفينة أن يقيموا صلاة الجمعة على ظهر السفينة، فوافق قائد السفينة، وقام الداعية بإلقاء الخطبة ثم الصلاة، وكان أكثر الركاب يقفون حولهم ينظرون ويعجبون، وبعد الانتهاء مِن الصلاة قاموا يهنئون المسلمين على القداس! فأخبرهم المسلمون أنه ليس قداسًا، وإنما هي صلاه الجمعة، ولكن كان مِن بيْن الحشد امرأة أوروبية يظهر عليها التأثر الشديد والانفعال حتى كانت عيناها تفيض بالدمع، وقالت: إن هذه اللغة ذات إيقاع عجيب وإن كنتُ لا أفهمها، ولكن الأعجب أنها جعلت تسأل عن أن بعض الجمل التي كان الخطيب يقولها تختلف عن سائر كلامه، وأنها ذات تأثير شديد على نفسها، وإنها كانت تحدث في نفسها قشعريرة ورعشة، فهي شيء آخر غير سائر كلامه، فتفكروا في مقصودها، فإذا هي تقصد الآيات القرآنية التي كان يذكرها الداعية أثناء الخطبة!" (جريدة الفتح 28 محرم 1435 هـ - مقال للشيخ: شحاتة صقر).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة