الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

يا أمة الإسلام... عودوا إلى القرآن (2)

القرآن ينادي عليهم بالهداية، ولكنهم في ضلالٍ بعيدٍ

يا أمة الإسلام... عودوا إلى القرآن (2)
أحمد فريد
السبت ١٣ أبريل ٢٠١٩ - ١٩:٤١ م
1205

يا أمة الإسلام... عودوا إلى القرآن (2)

كتبه/ أحمد فريد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالقرآن عظيم؛ لعظمة مَن تكلم به، وهو الله -عز وجل-: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) (التوبة:6).

وعظمة مَن نزل به وهو جبريل -عليه السلام-: قال -تعالى- (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء:193-194).

وعظمة الأمة التي نزل عليها وهي أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، خير أمة أخرجت للناس، قال الله -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران:110).

وعظمة الزمان الذي نزل فيه في ليلة القدر: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر:1-3)، وليلة القدر في أشرف شهور السنة في شهر رمضان: قال الله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة:185).

وعظمة المكان الذي نزل فيه: في مكة المكرمة، أو المدينة المنورة، إلا نزرًا يسيرًا.

وعظمة اللغة التي نزل بها: باللغة العربية (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء:195)، وهي لغة أهل الجنة.

وقد أقسم الله -عز وجل-، والعظيم لا يقسم إلا بعظيم: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (الواقعة:77)، فقال -تعالى-: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ . وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ  . إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ . لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة:75-79).

وبيَّن -عز وجل- سلطانه وهيمنته، فقال -عز وجل-: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا) (الرعد:31)، أي: لو أن قرآنًا قدرته وهيمنته وسلطانه يُحرِّك الجبال، أو يقطع الأرض، أو يكلم الموتى؛ لكان هذا القرآن، وحُذف الجواب؛ لأنه مفهوم من السياق.

وقال -عز وجل-: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر:21).

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "يقول الله تعالى معظمًا لأمر القرآن، ومبينًا علو قدره، وأنه ينبغي أن تخشع له القلوب، وتتصدع عند سماعه؛ لما فيه مِن الوعد الحق، والوعيد الأكيد (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)، أي: فإذا كان الجبل في غلظته وقساوته، لو أُفهم هذا القرآن فتدبر ما فيه لخشع وتصدع من خوف الله -عز وجل-، فكيف يليق بكم أيها البشر أن لا تلين قلوبكم وتخشع وتتصدع مِن خشية الله وقد فهمتم عن الله أمره، وتدبرتم كتابه؟! ولهذا قال -تعالى-: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)" (تفسير ابن كثير).

وقال -تعالى-: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) (فصلت:44).

قال العلامة السعدي -رحمه الله-: "يخبر -تعالى- عن فضله وكرمه، حيث أنزل كتابه عربيًا على الرسول -صلى الله عليه وسلم- العربي بلسان قومه ليبين لهم؛ وهذا مما يوجب لهم زيادة الاعتناء به والتلقي له والتسليم، وأنه لو جعله قرآنًا أعجميًّا بلغة غير العرب، لاعترض المكذبون، وقالوا: (لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ) أي: هلا بينت آياته ووضحت وفسرت: (أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) أي: كيف يكون محمد عربيًّا والكتاب أعجمي؟! هذا لا يكون، فنفى الله -عز وجل- كل أمر فيه شبهة لأهل الباطل عن كتابه، ووصفه بكل وصف يوجب لهم الانقياد، ولكن المؤمنون الموفقون انتفعوا به وارتفعوا، وغيرهم بالعكس مِن أحوالهم، ولهذا قال: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) أي: يهديهم لطريق الرشد والصراط المستقيم، ويعلمهم مِن العلوم النافعة، ما به تحصل الهداية التامة، وشفاء لهم مِن الأسقام البدنية والأسقام القلبية؛ لأنه يزجر عن مساوئ الأخلاق وأقبح الأعمال، ويحث على التوبة النصوح التي تغسل الذنوب وتشفي القلب، (وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) بالقرآن (فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ) أي: صمم عن استماعه وإعراض، (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) أي: لا يبصرون به رشدًا، ولا يهتدون به، ولا يزيدهم إلا ضلالًا فإنهم إذا ردوا الحق، ازدادوا عمى إلى عماهم، وغيًّا إلى غيَّهم.

(أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) أي: ينادون إلى الإيمان، ويدعون إليه، فلا يستجيبون، بمنزلة الذي ينادي، وهو في مكانٍ بعيدٍ، لا يسمع داعيًا ولا يجيب مناديًا، والمقصود: أن الذين لا يؤمنون بالقرآن، لا ينتفعون بهداه، ولا يبصرون بنوره، ولا يستفيدون منه خيرًا؛ لأنهم سدوا على أنفسهم أبواب الهدى، بإعراضهم وكفرهم.

قلتُ: مع أن القرآن ينادي عليهم بالهداية، ولكنهم في ضلالٍ بعيدٍ؛ فلا ينتفعون بهدايته، وهم مع ذلك في آذانهم وقر؛ فكيف تصل إليهم هداية القرآن؟!

نسأل الله السلامة والعافية.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة