الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

واجبنا نحو ظهور الدين

وأعظم الفساد تضييع التوحيد، وفعل الشرك والدعوة إليه

واجبنا نحو ظهور الدين
ياسر برهامي
الخميس ١٨ أبريل ٢٠١٩ - ١٨:١٧ م
1671

واجبنا نحو ظهور الدين

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن قرار مجلس النواب المصري بتفسير كلمة "مدنية الدولة" الواردة في التعديلات الدستورية يُعَدُّ سابقةً لم يُسبق لها مثيل في أي أعمال تحضيرية للدستور؛ فالمُعتاد أن يُكتفَى في بيان مقصودِ مُنشِئي التعديلات بمراجعة المضابط التي تُثْبِت أقوالَهم، أما أن يتخذ المجلس كلُّه قرارًا مُلزِمًا بالتفسير لكلمة وقع النزاع حولها بين العلمانيين وحزب النور فهذا أقوى ما يمكن الحصول عليه في التفسير؛ إذ يرفض الدستوريون دائمًا وضع تفسير لكلمةٍ في نص الدستور؛ لأن الأصل أن المنشئين لأي مواد دستورية يستعملون ألفاظًا واضحة غير غامضة، وإن لم يكن هذا -من جهة الواقع- حاصلًا على الدوام.

وهذا التصويت بما يشبه الإجماع على هذا القرار برفض علمانية الدولة ضمن "اللاءات الثلاث" التي شملها القرار بالتفسير -لا عسكرية، ولا دينية ثيوقراطية، ولا علمانية-؛ لهو دليلٌ أكيد على بقاء حب الشعب المصري للدِّين، وعدم قبوله لما تحاول نخبةٌ علمانية فرضَه على المجتمع بفصل الدين عن الدولة؛ المصدر الرئيسي للتشريع الذي لا يجوز أن يخالفه أيُّ مصدرٍ آخر، وإلزام المجلس النيابي أثناء سنِّ القوانين باللجوء إلى أحكام الشريعة الإسلامية، وعدم الالتجاء إلى غيرها، ولزوم تعديل ما يخالِف أحكام الشريعة الإسلامية، وبطلان أي قانون يُسن على خلاف أحكام الشريعة.

ورغم أن هذه الأمور لم تأخذ طريقها إلى النور بعد، ولكن كان تأصيلُها كَاشِفًا ومُعَبِّرًا عن عقيدة الأُمَّة في إبطال ما فُرِض عليها مِن زمن الاحتلال الغربي مِن الإعراض عن الشريعة واستبدال القوانين الوضعية بها.

ولا شك أن تأصيل عدم الاعتماد أو الاعتبار بالشرع كما هو الحال في تونس، كما صرَّح رئيسها أن معنى المدنية لديه هو ترك القرآن وحكاية آيات القرآن -على حد تعبيره بالنص!- في مجال محاولتهم فرض مساواة الذكر بالأنثى في الميراث؛ لهو خطر عظيم على دِين الأُمَّة جعلَنا دائمًا نحرص على بقاء المادة الثانية وتأكيدها وتقويتها -وإن ظلتْ إلى الآن معطَّلة عن التنفيذ الكامل لها- وهو واجب شرعي ثُم دستوري بحكم القَسَم الذي يُقْسِمه الأعضاء باحترام الدستور، كما هو واجب على الرئيس والحكومة وكل الهيئات التي تُقْسِم هذا القَسَم، ولها حق اقتراح القوانين والتعديلات.

وهذا الواجب -ولو كان بالتدريج الذي يُراعِي القدرة والعجز، والمصلحة والمَفسَدة، واستيفاء شروط ما أوجبه الله- سوف يُسأل الناس عنه يوم القيامة؛ هل أدَّوه وبذلوا الجهد في أدائه؟ أم تعمدوا إهماله وتضييعه وجعلوه حبرًا على ورق؟!

إن القرار الذي اتخذه مجلس النواب بالتصويت على تفسير المدنية عند واضعي التعديلات؛ لهو صفعة قوية لجهود العَلمَنة والعَولَمة بعيدًا عن سقف الشريعة وحدودها، وأعظم ثوابت هذا المجتمع الذي ظل ثابتًا عنده أكثر مِن أربعة عشر قرنًا، رغم كل ما تعاقب عليه مِن المِحَن، ومع ذلك فلا يزال الطريق أمامنا طويلًا نحو ظهور الدين وإقامته في الناس؛ فإن الفساد الذي يضرب بجذوره في المجتمع لا يزال قائمًا.

ومُحارَبة الفساد أعظم واجب علينا إذا كنا نريد النجاة، قال الله -تعالى-: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ) (هود:116)، أي: هلا كان مِن الأُمم مِن قبلكم أولو بقية استمروا على ما كان عليه الأنبياء وبقوا على الحق الذي بُعث به الأنبياء ينهون عن الفساد في الأرض، وهو الشرك بالله والمعاصي، وترك الواجبات التي أَوجَبَها الله.

فالفساد هو تضييع الفرائض، والفساد هو فعل المحرمات، وأعظم الفساد تضييع التوحيد، وفعل الشرك والدعوة إليه، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (إِلَّا قَلِيلًا)؛ أي: لم يكن ذلك إلا قليلًا ممَن أنجينا منهم؛ فالله -عَزَّ وَجَلَّ- جعل النجاة لمَن نهى عن الفساد في الأرض، وهذا مما يجعلنا نوقن أن الدعوة إلى الله بالنسبة لنا قضية حياة أو موت.

إن الأُمَّة الإسلامية تتعرض في هذه الأوقات لمِحنةٍ عظيمةٍ شديدةٍ، وأعداؤها انتبهوا إلى أن مصدر قوتها وعزتها في الالتزام بكتاب الله وسُنَّة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأنهم لا يستطيعون أن يواجهوا مَن يومنون بالله واليوم الآخر؛ فسَعَوا إلى اجتثاث حقيقة هذا الأمر مِن القلوب والأفكار والمجتمع إذ عجزوا عن اجتثاث اسم الدين (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) (المائدة:3)، لكنهم لن ييأسوا مِن أن يَترك الناس حقيقة الدِّين، وأن يعتقد الناس الباطلَ على أنه الحق، وأن يعتقدوا الحق باطلًا، فتنشأ أجيالٌ لا تدري حقيقة الإسلام ولا أصوله الكبرى وقواعده العظمى.

فإن لم يكن هناك التزام صادق بكتاب الله وسنة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإن لم توجد دعوة صادقة مستمرة مهما كانت العقبات ومهما كانت الظروف والتضحيات، ومهما كانت عواقب الأمور -فيما يبدو للناس-؛ إن لم توجد هذه الأمور فلا شك أن الخطر عظيم جسيم.

لذا نقول: إن لنا دورًا كبيرًا ومُهِمًّا وخطيرًا في تَعَلُّم هذا الدين وتعليمه، وأن نعمل به وندعو إليه مهما كانت التضحيات ومها كانت العقبات، ونحن نقتدي في ذلك بمَن جعل الله -عَزَّ وَجَلَّ- لنا مِن السابقين أسوة صالحة وقدوة حَسَنَةً في الدعوة إليه والصبر على ما يصيب الداعي في سبيل الله.

ومِن أعظم العُدَّة في ذلك صُحبة أهل الخير والصلاح، وإن لم نجد فيمَن حولَنا منهم فيكفينا أن نَصحَبَهم في سيرتهم الطيبة وثباتهم وصبرهم على الحق وتضحيتهم في سبيل الله؛ هذا الأمر يقتضي منا أن نتدبر كتاب ربنا وسُنَّة نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسيرة الصالحين مِن قبلنا؛ لأن صحبتهم على صفحات هذا الكتاب المبارك وفي أنوار هذه الأخبار النبوية الموثقة تجعلك باحثًا عن الحق ثابتا عليه -بإذن الله-، وتجد صحبة صالحة على طاعة الله مِن الدعاة إلى الله، أو تَسعى إلى إيجادهم في مجتمعك الذي يحيط بك ثم تجتمعون على ما أمر الله به من البر والتقوى، قال -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة:2)؛ فيكون ذلك مِن أعظم أسباب الثبات على الدِّين، ومِن أعظم أسباب ظهور الدِّين الذي هو حاصلٌ بلا شك.

والبشارة بذلك مِن واجبات المؤمنين على الدوام: قال -تعالى-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس:87)؛ فتبشير المؤمنين بما وَعَد الله عبادَه مِن النصر والتمكين وظهور الدين وزوال سلطان الباطل وزهوقه مِن أهم الواجبات، وقد ذكر الله في كتابه هذه المبشرات ليزداد المؤمنون إيمانًا ويقينا بنهاية الصراع بين الحق والباطل لصالح أهل الحق (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33)، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ . وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات:171-173)، وقال -سبحانه-: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ . إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ . وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:105 -107).

وإن كان الطريق طويلًا والعقبات كثيرة؛ إلا أن النهاية محسومة لصالح أهل الإيمان والإسلام.

نسأل الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن يوفقنا جميعًا لما يُحب ويَرضى، وأن يهيئ لأُمَّتِنا أمر رشد يُعز فيه أهل طاعته، ويهدى فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة