الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (11)

الاقتصاد الخفي ما له وما عليه

الفساد (11)
علاء بكر
الخميس ٠٩ مايو ٢٠١٩ - ٢٠:١٨ م
670

الفساد (11)

الاقتصاد الخفي ما له وما عليه

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيمثِّل الاقتصاد الخفي نسبًا عالية مِن الناتج الإجمالي في الدول النامية، حيث يشكِّل أكثر مِن 60% في بعض الدول الإفريقية، وما بين 40% و60% مِن عدد العاملين في الاقتصاد الرسمي في بعض الدول الآسيوية، بينما يقل في الدول المتقدمة، فهو في حدود 10% إلى 23% في إسبانيا، وفي فنلندا بين 2% إلى 4%.

وللاقتصاد الخفي أنواع عديدة، فبالنسبة لمشروعيته يمكن تقسيمه إلى:

1- اقتصاد خفي ذو أنشطة مشروعة:

كمَن يعمل في عمل رسمي، ويعمل أيضًا في عمل آخر إضافي مشروع، ولكن غير رسمي بعد -أو أثناء- وقت العمل الرسمي؛ مِن أجل زيادة دخله، وهذا يكون بنسبة مشاركة أكبر بين الحرفيين والعمال المهرة، ونسبة مشاركة أقل بين أصحاب الأعمال الكتابية في الإدارات الحكومية.

2- اقتصاد خفي ذو أنشطة غير مشروعة، ويتضمن:

أ- أنشطة غير مشروعة مجرَّمة جنائيًّا: وهي أنشطة يحاربها النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في الدولة، وتتضمن:

1- أنشطة تهريب مجرمة: كما في تهريب المخدرات والخمور، والأغذية الفاسدة، وهي غالبًا تُنقل في عبوات صغيرة الحجم لا يمكن السيطرة على عملية تهريبها، حيث تتم مِن خلال مسالك ملتوية، وتتضمن هذه الأنشطة تهريب السلع مِن الخارج ومن المناطق الحرة إلى داخل البلاد.

2- أنشطة إنتاج مجرمة: كما في إنتاج المخدرات والخمور محليًّا، وتوزيع الحشيش والتزوير والاحتكار.

ب- أنشطة غير مشروعة مجرمة إداريًّا: كالدروس الخصوصية.

ويمكن تقسيم الاقتصاد الخفي من خلال عملياته المحدودة أو الموسعة إلى:

أ- اقتصاد خفي محلي على مستوى الدولة الواحدة.

ب- اقتصاد خفي إقليمي على مستوى عدة دول يضمها إقليم جغرافي واحد.

ج- اقتصاد خفي دولي على مستوى دول العالم المختلفة، خاصة مِن خلال تجارة المخدرات والأسلحة وعصابات المافيا وما شابهها.

الآثار الإيجابية للاقتصاد الخفي:

قد يبدو لأول وهلة أن الاقتصاد الخفي لا إيجابية له، ولكن الواقع يشير إلى بعض الآثار الإيجابية للاقتصاد الخفي مِن بعض الأوجه، ولكن في الجملة؛ فآثاره السلبية أكبر وأكثر، والأمر يختلف مِن دولة إلى أخرى، ومن نوع نشاط اقتصادي إلى آخر، ولا يخفى أن اللجوء إلى الاقتصاد الموازي هو صورة مِن صور التفاعل مع الأوضاع الاقتصادية، ورد فعل غير قانوني لخللٍ اقتصاديٍ موجود بالفعل في المجتمع.

ومِن هذه الآثار الإيجابية:

1- التقليل من الاختلال في النظام الاقتصادي وتشريعات؛ فلجوء الأفراد أو الجماعات لممارسة الاقتصاد الموازي غير العلني قد يكون لبعض الخلل في البنية الاقتصادية، فمثلًا:

أ- قلة الأجور والرواتب في الأعمال الحكومية الرسمية قد تلجئ الكثيرين إلى البحث عن عملٍ إضافيٍ غير رسمي؛ لتحسين الدخل وتلبية حاجة أسرهم الأساسية، خاصة في ظل التضخم الاقتصادي.

ب- وجود تشريعات وقوانين تتحكم في أنشطة الاستيراد والتصدير لا تناسب الواقع الفعلي ولا تتفق معه؛ مما يلجئ البعض إلى إدخال بضائع وسلع يحتاج الناس إليها بعيدًا عن منافذ الدولة المعتادة، مِن مواني ومرافئ، أو تهريب بعضها للخارج بعيدًا عن أعين الحكومة، أو استخدام الرشوة لتحقيق ذلك.

ج- عدم قيام الدولة بتوفير سلع أساسية أو عدم العدالة في توزيع هذه السلع -مع توافرها- عبر منافذ توزيع معروفة وكافية؛ مما يتسبب في ظهور سوق سوداء خفية لتوفير هذه السلع، وتحقيق الاكتفاء الذاتي بعيدًا عن رقابة الدولة.

د- صعوبة الحصول على بعض الخدمات أو سداد مستحقات أو تقديم أوراق مطلوبة أو استخراج أوراق يحتاج إليها من بعض الأماكن الحكومية للتكدس والازدحام مع قلة نوافذ التقديم أو البطء في أدائها؛ مما يلجئ البعض إلى التحايل عبر أبوابٍ وطرقٍ خلفية خفية عبر وسطاء، أو تقديم رشوة للحصول عليها بيسر وفي وقت قصير، وهي ظاهرة شائعة في مثل هذه الأماكن، بل لها في كل مكان منها شبكة مِن الموظفين والسماسرة يتولون تلبية هذه الخدمات في سهولة ويسر نظير أموال سرية غير علانية يأخذونها، واعتاد الناس على التعامل معها.

2- البعد عن البيروقراطية وأعبائها، وتجنب الإجراءات المعقدة أو الكثيرة الموجودة في الكثير من الأنشطة الاقتصادية الرسمية المعلنة، وهذا مما يزيد من التنافسية فيها.

3- البعد عن الإجراءات التنظيمية، وبالتالي التميز بكونها أكثر ديناميكية وقدرة على الاستجابة بسرعة للتغييرات التي تحدث في السوق مقارنة بالاقتصاد الرسمي.

4 - المساعدة في التقليل مِن البطالة بإيجاد فرص عمل للعاطلين، ولمَن لا مكان لهم في الاقتصاد الرسمي؛ خاصة لمَن لا يحملون شهادات دراسية أو من ذوي الاحتياجات الخاصة أو من المهاجرين والأجانب.

الآثار السلبية:

وهي كثيرة ومتنوعة، منها:

1- الآثار الاقتصادية:

أ- استفادة العاملين في الاقتصاد غير المسجل من البنية التحتية للدولة، ومِن كل الخدمات المقدمة مثله مثل القطاع الاقتصادي المسجل، مع عدم المساهمة نهائيًّا في تسديد الرسوم الحكومية واستخراج تصاريح وتحمل ضرائب، ونحو ذلك.

إن قطاع الاقتصاد الخفي الذي يشارك بنسبة كبيرة تصل في بعض الدول النامية لأكثر من 60% من الناتج الإجمالي تكون مساهمته في الرسوم والضرائب معدومة أو ضعيفة للغاية، وهذا يؤدي إلى زيادة الأعباء على الدولة وعلى العاملين المسجلين في الاقتصاد المسجل، ويؤدي إلى زيادة التهرب من الضرائب والرسوم من الممولين المسجلين في الاقتصاد الرسمي.

ب- زيادة حجم الاقتصاد غير الرسمي يؤدي إلى زيادة حجم الإنفاق العام، وبالتالي زيادة في الموازنات السنوية عامًا بعد عام، وبالتالي زيادة الحاجة إلى إيرادات جديدة خاصة من الضرائب والرسوم؛ مما يؤدي إلى ضغوط اقتصادية على العاملين في القطاع الرسمي، فعندما يتم التحصيل من كافة القطاعات يخف العبء الضريبي على العاملين في الدولة.

فسرقة التيار الكهربائي مثلًا تزيد من الفاقد في الكهرباء، وتزيد من معدل نمو استهلاك الكهرباء في الدولة دون وجود زيادة مسجلة في العائد أو الاستثمار، وكذلك زيادة استهلاك الماء وغيره.

ج- عدم صحة البيانات والمعلومات اللازمة التي على أساسها توضع الإحصاءات، وبذلك تكون المؤشرات المستخلصة منها غير مناسبة لإعداد الخطط والسياسة الاقتصادية للدولة، كمعدل البطالة الحقيقي ومعدل التضخم، ومعدل الإعالة، ومستوى الدخل، والكتلة النقدية، ونحو ذلك، وبمقدار دقة هذه المعلومات والإحصاءات تكون القرارات والخطط صائبة وواقعية.

د- قدرته على توفير سلع أقل سعرًا من مثيلتها من السلع النظامية؛ نتيجة انخفاض التكلفة من المواد الأولية والأجور، والتهرب من المستحقات الرسمية أو لسوء نوعيتها، فيقبل عليها كثير من الفئات المتوسطة؛ مما يؤثر سلبًا على المجال الصناعي والتجاري الرسمي، وهذا يروج لشعار: "السلعة الرديئة تطرد السلعة الجيدة مِن السوق"، ويلجأ إلى تبديل في الأسعار في القطاع الحكومي.

هـ- التأثير على استخدام الموارد المحلية، فيصبح استهلاكها مشوهًا، خاصة في ظل توفر السيولة النقدية للاقتصاد الخفي، فلا مراعاة في توزيع الموارد بين الأنشطة الأكثر كفاءة ومسجلة رسميًّا والأنشطة أقل كفاءة وغير مسجلة، هذا التشويه في الاستهلاك يؤدي إلى انخفاض الكفاءة في اقتصاد الدولة.

و- لا يسمح بتكوين ادخار عام أو مشاركة في الاستثمارات الوطنية الرسمية، مما يحد مِن مقدور الدولة على القيام بالمشاريع الاستثمارية الوطنية التي تساهم في التنمية، مما يترتب عليه ركود اقتصادي يتميز بارتفاع معدلات التضخم وزيادة البطالة.

ز- يؤثر على معرفة وتقدير معدل البطالة الحقيقي نتيجة هجرة العاطلين إلى الاقتصاد الخفي، مما يزيد ظاهريًّا في معدل البطالة المرتبط بالقطاع الرسمي.

ح- تأثر المؤشرات الاقتصادية نتيجة اختلاف معدل النمو الحقيقي للاقتصاد عن معدل النمو المسجل، يظهر في صورة تقديرات أقل من الواقع أو تقديرات مغالى فيها عن معدل النمو الحقيقي.

ط - تغير بيانات التضخم حيث إن سلة السلع التي يُحسب على أساسها الرقم القياسي لتكاليف المعيشة للأسرة لا تتعامل مع الاقتصاد الخفي كحقيقةٍ واقعةٍ، وإنما تتعامل على أساس الأسعار الرسمية للسلع والخدمات، فيكون هناك إما مغالاة في معدل التضخم، وإما يظهر معدل التضخم أقل من الواقع.

2- الآثار الاجتماعية:

أ- نظرًا لأن أغلب العاملين في الاقتصاد الخفي أميون أو قليلو التعليم أو مِن أصحاب المؤهلات المتوسطة ويحصلون على أجور ودخول أعلى ممَن يماثلهم مِن العاملين في القطاع الرسمي، فيمثل ذلك إغراءً لمزيدٍ مِن العمل في الاقتصاد غير المعلن، ويوجد مشاكل اجتماعية عديدة كالتسرب من التعليم.

ب- الإضرار بأصحاب الدخول المسجلة حيث تزداد الأعباء عليهم من قبل الدولة؛ لزيادة الموازنة العامة.

ج- الإضرار بأصحاب الاقتصاد المسجل بتقليد العلامات التجارية، وتوفير السلع والخدمات بسعر يخالف سعر بيعها الرسمي، إلى جانب إمكانية الغش التجاري.

د- بروز أصحاب الدخول السرية وتشكيلهم طبقة جديدة تطمح إلى الوصول إلى أعلى درجات السلم الاجتماعي، وترسخ مفاهيم خاطئة في المجتمع كالحط من قيمة العلم والتعلم، وتقييم الفرد بما يملك لا بما يعلم، وتزوير الشهادات العلمية ونحو ذلك.

ج- تشوه البنية الاجتماعية القائمة من خلال إدخال عادات وأخلاقيات جديدة لم يألفها المجتمع من قبل.

د- ازدياد الفساد في المجتمع بارتفاع الجرائم الاقتصادية وغير الاقتصادية.

3- آثار تعليمية:

بتفشي الأمية من خلال زيادة العمل في الاقتصاد غير الرسمي من قِبَل العاملين الذين يتركون المدارس الابتدائية والإعدادية، ولا يحملون أي شهادات، خاصة وأنهم يحصلون على أجور ودخول قد تكون أعلى مما يحصل عليها أصحاب الشهادات، مما يجعل المال هو الغاية دون اعتبار للوسيلة، وأن المرء تقدر قيمته في المجتمع بما يملك مِن مال لا ما يحمل من علم، طبقًا لشعار: "معك قرش تساوي قرشًا"، وهو ينعكس بالطبع على أبنائهم وعلى سائر شباب المجتمع، ويصبح مع الوقت عائقًا أمام تحصيل الشباب للعلم، ونيل الشهادات العلمية.

4- آثار الاقتصاد الإجرامي:

تتعدد آثار الاقتصاد الإجرامي من التهريب ونحوه، فمن التأثير السلبي على الحركة الاستثمارية، إلى خفض معدلات نمو الدخل القومي، وزيادة معدلات التضخم، وسوء توزيع الدخل القومي، وذلك بدوره يؤدي إلى آثار سلبية على آلية عمل سوق الأوراق المالية، ويؤثر سلبًا على عنصر المنافسة وأسعار الصرف للعملات.

وعائد الاقتصاد الإجرامي الكبير يؤدي كذلك إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وزيادة التفاوت الاجتماعي، وهذا بدوره قد يسبب اضطرابات سياسية، ويوجد خلل في منظومة القيم الاجتماعية، ويساعد على ارتفاع معدلات الجريمة وازدياد أعداد المجرمين.

ويزيد الأمر سوءًا استغلال أصحاب الاقتصاد الإجرامي للأموال المكتسبة في العمل السياسي من خلال المشاركة في الانتخابات البرلمانية والفوز فيها نتيجة قدراتهم المالية، وبالتالي قدرتهم على التأثير في اتخاذ القرارات السياسية للدولة، بما يحقق مصالحهم الشخصية ويوفر لهم الحماية.

تقليد العلامات التجارية:

وفيه يتم عمدًا استعمال أحد عناصر الملكية الصناعية المحمية من طرف قانوني بدون وجه حق، وهي صورة مقصودة من الغش التجاري، عن طريق تقليد وبيع سلع تحمل علامة تجارية تتشابه مع علامة تجارية لسلعة أصلية، لكنها أقل في الجودة والنوعية، أي أردأ من السلعة الأصلية، وتباع بنفس سعر السلعة الأصلية أو أقل.

ومِن صوره:

أ- الاحتيال باستخدام علامة تشبه علامة خاصة بسلعة رسمية معروفة، مما يلتبس أمره على المستهلك، خاصة في فترات عدم توافر السلعة الأصلية في السوق.

ب- الاحتيال باستخدام اسم يشبه في حروفه أو نطقه مع منتج أصلي رسمي معروف، كتغيير في حرف من حروف الكلمة بآخر مشابه، أو إضافة أو حذف حرف على الاسم الأصلي.

ج- الاحتيال باستخدام لون أو ألوان تشابه ألوان المنتج الأصلي، بصورة تختلط على المستهلك، فلا ينتبه المشتري للفرق بين المنتجين.

د- التقليد المطابق للعلامة، أي إعادة إنتاج سلعة أو تقديم خدمة بنفس علامتها المعروفة، بدون ترخيص من صاحب العلامة الأصلية.

غسيل الأموال:

والمراد به استخدام حيل ووسائل للتصرف في أموالٍ مكتسبةٍ بطرق غير مشروعة وغير قانونية، ثم استثمارها في أنشطة مباحة شرعًا وقانونًا لإخفاء مصدرها غير الشرعي للخروج من المساءلة القانونية، وبالتالي الإفلات مِن جهات المراقبة والجهات الأمنية.

وقد عرف المجلس الأوروبي غسيل الأموال بأنه: "تحويل الأموال غير الشرعية إلى أموال شرعية، أي: يُعاد استثمارها في قطاعات شرعية، أو استعمالها لأغراض شخصية". ويسمَّى أيضًا: (تبييض الأموال)، ويعرف بأنه: "وجود أموال قذرة يراد تنظيفها وتطهيرها"، أي: تبييضها.

التجارة في العملة:

والمراد بها: إيجاد سوق مصرفية سوداء يتم فيها صرف العملات الصعبة (الأجنبية) بعيدًا عن الخضوع لرقابة السلطات، ويكون السبب في رواج هذه السوق السوداء للعملات ما تفرضه السلطات النقدية من قيود على السوق الرسمية لصرف العملات مع زيادة الطلب على هذه العملات مع قلة المعروض منها؛ مما يوفر فرصة لازدهار أسواق صرف غير رسمية تعمل بصورة موازية لأسواق الصرف الرسمية.

العلاقة بين الاقتصاد العلني والاقتصاد الخفي:

- يتعايش الاقتصاد الخفي إلى جانب الاقتصاد الرسمي وموازيًا له، فأنشطته وأسواقه موازية لأنشطة وأسواق الاقتصاد الرسمي، وبينما يراعي الاقتصاد الرسمي قواعد وضوابط وشروط العمل ويؤدي ما عليه من التزامات واستحقاقات تجاه الدولة لا يراعي الاقتصاد الخفي شيئًا من ذلك؛ إذ ليس له دفاتر محاسبة، ولا يخضع للمراقبة؛ لكونه غير معلن رسميًّا.

- يستفيد أصحاب الاقتصاد الخفي من كل الخدمات التي توفرها البنية التحتية للدولة، ويستفيدون أيضًا في الخفاء من كل الموارد الأولية المحلية والطاقة الموجودة سواء بطرق قانونية أو غير قانونية.

- يحرص أصحاب الاقتصاد الخفي على إقامة علاقات بين أنشطتهم وأنشطة الاقتصاد الرسمي بغرض زيادة المكاسب والعوائد من أنشطتهم، والاستفادة من أنشطة الاقتصاد الرسمي ما أمكن، إلى جانب محاولة إظهار صفة القانونية على أنشطة وممارسات اقتصادهم غير القانوني، بنقل جزء من أنشطتهم وإظهارها في الاقتصاد المعلن، والاحتماء به، ومع تنامي هذه العلاقات يستطيع الاقتصاد الخفي السيطرة مع الوقت على الاقتصاد المعلن بإخضاعه أو إخضاع جزءٍ كبيرٍ منه لتوجيهات وأهداف أصحاب الاقتصاد الخفي.

وهذا التشابك في المصالح يسفر عن أنشطة خفية جديدة لا تزدهر إلا في هذا الوضع، بل وربما تتحول بعض الأنشطة الخفية إلى أحد المكونات للاقتصاد الرسمي أو عنصر من عناصر قوته! ويزيد الأمر سوءًا مساعدة بعض الإداريين في الاقتصاد الرسمي في تغذية أنشطة الاقتصاد الخفي وزيادتها في ظل غياب المواجهة الحاسمة والرادعة للاقتصاد الخفي.

- يزداد اللجوء إلى الاقتصاد الخفي مع زيادة القوانين والقواعد والصرامة في تطبيقها، ويتناقص الإقبال على الاقتصاد الخفي كلما كانت القواعد والقوانين أقل تعقيدًا وصرامة.

- عند المقارنة العملية بين الاقتصاد الرسمي والخفي يظهر الاقتصاد الخفي وكأنه أكثر مرونة في العمل، فممارسته تكون بعقود أو بغير عقود، وبدون حواجز وبدون مؤهلات، وبرأس مال فيه سيولة بعيدًا عن القروض الكبيرة وفوائدها وما يترتب عليها، وأجوره وإن كانت متأرجحة تكون أحيانًا أعلى من أجور الاقتصاد الرسمي التي تكون مع استقرارها وثباتها منخفضة عند المقارنة.

الفروق بين الاقتصاد الرسمي والاقتصاد الخفي:

1- الهدف من القطاع الرسمي تحقيق أقصى ربح من خلال أنشطة كثيرة ورؤوس أموال كثيرة، مع الاستفادة من القروض الوطنية والأجنبية.

2- دخول القطاع الرسمي في السوق دخول مقنن ومنظم، ومنتجاته تخضع لمقاييس ومعايير، ولها علامات تجارية مسجلة ومعروفة.

3- القطاع الرسمي يخضع لقوانين العمل وتشريعاته، وعقوده مستقرة ثابتة، وللعاملين فيه تأمينات ومعاشات، ولهم نقابات تمثلهم وتحمي حقوقهم وتراعي حل مشاكلهم.

4- القطاع الرسمي عصري متطور يستخدم التكنولوجيا الحديثة على نطاقٍ واسعٍ، ويتمتع العاملون به بالتدريب الجيد والمهارة في العمل، وكثافة العمالة قليلة نسبيًّا.

بينما الاقتصاد الخفي: تتم أنشطته غالبًا من خلال وحدات صغيرة متنوعة محدودة، تبدأ من شكل التبادل بالمقايضة القديم إلى أشكال التجارة الإلكترونية الحديثة، وهي مختلفة الدخل من مجالات محدودة الدخل خاصة في ما يشرع التجارة فيه إلى مجالات خصبة للغنى الفاحش خاصة فيما لا يشرع التجارة فيه، وهي أنشطة لا تلتزم بقوانين العمل، ولا يتمتع العاملون فيه بحماية أو تأمينات أو نقابات أو أجور ثابتة مستقرة، ويسهل دخول منتجاته السوق بدون حواجز أو مراعاة لمعايير أو قياسات، ولكن أسواقه غير محمية، ومنتجاته غالبًا تقليدية محلية النشأة، بعيدة غالبا عن الاستفادة من التكنولوجيا المتطورة والأساليب والآلات الحديثة، وعماله لا يتمتعون بالتدريب الجيد، وخبراته محدودة ومهاراته يكتسبها من الممارسة العملية، والكثافة العمالية فيه كبيرة.

وهذا يبين وبوضوح أهمية الاقتصاد الرسمي وأهمية تعظيم دوره في تقوية الإنتاج الوطني وضرر الاقتصاد الخفي وضرورة إضعافه وتقليله.

التعامل مع الاقتصاد الخفي ومعالجته:

معالجة الاقتصاد الخفي ينبغي أن تُبنَى على معرفة الأسباب والنتائج والتعامل معها قبل الاتجاه إلى الملاحقة والمنع.

ومدار المعالجة على تحول الاقتصاد الخفي إلى:

1- العلنية وما يترتب عليها.

2- المساهمة في خزينة الدولة في مقابل الخدمات التي يستفاد منها.

ومما يساعد على تقليل فرص الاقتصاد الخفي:

1- زيادة معدلات النمو بمعدل يناسب الزيادة السكانية.

2- تأسيس جمعيات تعاونية للأعمال الفردية الصغيرة تقدِّم المساعدة والاستشارات وتساهم في حل مشاكل العاملين الصغار والحرفيين، وتشجيعهم على تكوين نقابات للحرفيين في الحرف المختلفة، وبالتالي إمكان توجههم إلى العلانية والدخول في الاقتصاد الرسمي.

3- تسهيل الإجراءات الإدارية للانتقال إلى القطاع الرسمي، وتقليل الروتين والبُعد عن الصرامة في تطبيق القوانين المنظمة للعمل.

4- تنظيم العشوائيات وتحسين أحوالها وأحوال من فيها، ومِن ثَمَّ تسوية أوضاع المنشآت الموجودة فيها وإدخالها في الاقتصاد الرسمي.

5- التنسيق بين القطاع العام والقطاع الخاص لاستيعاب الأيدي العاملة القادمة لسوق العمل أولًا بأول، مع مشاركة القطاع الخاص الرسمي في تدريب هذه الأيدي العاملة وتنظيمها للاستفادة الكاملة منها وزيادة إنتاجها.

6- تحسين رواتب وأجور العاملين في الحكومة، وتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية.

7- إعداد خريطة متكاملة للاستثمار الاقتصادي في كل المجالات التجارية والصناعية والزراعية، ووضع الدولة لخطط مناسبة للحد من الفوضى الاقتصادية تساعد على تحول الاقتصاد غير الرسمي إلى اقتصاد رسمي، حفاظا على موارد الدولة من البعثرة.

8- تشجيع التعليم والقضاء على الأمية وتشجيع البحث العلمي، وإصلاح صور الخلل الاجتماعي والأخلاقي في المجتمع.

9- نشر المعرفة المطلوبة عن اقتصاد الظل وآثاره السلبية، وتوفير كل المعلومات عنه، ومحاربة صوره الإجرامية والتنفير منها.

 

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة