الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

عندما تكون الأخوة في الله

يمر الإيثار على القلب فيذوق حلاوته، ويسر بإعادته

عندما تكون الأخوة في الله
إبراهيم جاد
الأربعاء ١٢ يونيو ٢٠١٩ - ١٣:٠٢ م
914

عندما تكون الأخوة في الله

كتبه/ إبراهيم جاد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات:10)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ... ) (متفق عليه). أي أحب كل منهما الآخر في ذات الله -تعالى-، وفي سبيل مرضاته، واجتمعا على ذلك وتفرقا عليه (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين).

وفي وسط ما نراه ونسمعه ويندى له جبين الحر، ويحترق فؤاد المسلم لوعة على هجران بعض الأحبة بعضهم بعضًا، ونسيان حقوق الأخوة، وجحد المعروف، وتفريق الصف، وتضييع الود، وتقطيع اللحم وذبح الأخوة بسكين الهجر، وآفة النسيان؛ كان لزامًا علينا أن نتذاكر ونتواصى فيما بيننا، وإلا فنحن أول المقصرين، ونحتاج إلى عفو الله ونفتقر إلى رحمته، فهو ملك القلوب وبيديه تقلبها، قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: (وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ، فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

فعندما تبقى الأخوة خالصة لله -تعالى-، فالله تعالى يوجب على نفسه حبكم، ويظل القلب مهما بعد الأخ يحبه، والعين تتلهف لرؤيته، والأذن تتمنى سماعه، واللسان ينطلق بالدعوات له، والآلام تنتظر مَن يخففها، وحياة الكدر تنادي على مَن يعينك عليها بعد ربك، والمصائب تحتار ممَن يصبرك عليها، والأفراح تكتمل به سعادتها.

عندما تكون الأخوة خالصة الله: فصاحب الطريق وأنيس الروح ورفيق الدرب وجليس الطلب لا تغيره الأيام وإن اشتدت، والأحداث وإن تبدلت، والأموال وإن كثرت، والمناصب وإن ارتفعت؛ فلا جحود ولا نكران، ولا تجريح ولا تسفيه، بل يحب له كل ما يحبه، ويطير فرحًا إذا رأى أثر النعمة عليه، فعن يزيدَ بن أسد القسريِّ -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَتُحِبُّ الجنَّةَ؟)، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (فَأَحِبَّ لأخيك مَا تُحِبُّ لنفسِكَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وروى الخطيب البغدادي في تاريخه عن النقاش أنه قال: "بلغني أن بعض أصحاب محمد بن غالب -أبي جعفر المقرئ- جاءه في يومِ وحلٍ وطينٍ، فقال له: متى أشكر هاتين الرجلين اللتين تعبتا إلي في مثل هذا اليوم لتكسباني في الثواب، ثم قام بنفسه فاستقى له الماء وغسل رجليه" (تاريخ بغداد، 3/ 143).

عندما تكون الأخوة خالصة لله: يكون الإنصاف هو السبيل، والوصول للحق هو المبتغى، ودفع الشر هو المرجو؛ فلا نزاع في خلاف، ولا خلاف في نزاع، فخلافنا سائغ، فنحن جميعا أصحاب منهج واحد، وقدوتنا هو النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وصحابته -رضوان الله عليهم-، وسلفنا الصالح، ولا اتهام بغير دليل، وإن كان بدليل؛ فهذه زلة أخي أنا أولى مَن يتحملها منه، فهو مَنَّ الله عليَّ به؛ فأتم صحبتي وستر عورتي، قال الأوزاعي: "الصاحب للصاحب كالرقعة للثوب؛ إذا لم تكن مثله شانته".

 صاحب الحضن الدافئ، والجناب اللين، والوجه الطلق والبسمة الصادقة، والمحبة الواضحة، وأنا أكثر الناس قربًا منه ومعرفة لخلقه فأولى بالصبر عليه.

قال المتنبي:

ففي الناس أبدال وفي الترك راحة                  وفـي القلب صبر للحبيب ولو جفا

بدأنا في الله صحبتنا واجتمعنا عليه، تركتُ قلبي بين أضلعه، وترك هو قلبه في أضلعي؛ فهو دائمًا يغض الطرف، ويؤمن منه الجانب، ويتلمس العذر، ويستر العيب، ويحفظ السر، ويبث الثقة؛ محال أن يُنسى له كل هذا! يُروى عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "لا تُظنن بِكلمة خَرَجَت مِن أخيك سُوءا تَجِد لها في الخير مَحْمَلًا، وَضَع أمْر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يَغلبك" (رواه البيهقي في شعب الإيمان).

عندما تكون الأخوة خالصة لله: يمر الإيثار على القلب فيذوق حلاوته، ويسر بإعادته، وينتهز الفرصة ليضرب أروع الأمثلة في الفداء والتضحية، فلا يبخل بمال ولا بنصح، ولا حتى بالأهل رغم صعوبتها على النفس وندرتها بين البشر، كما عند البخاري ما فعله سعد بن الربيع مع عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهما- في مثل خاص قلما تجده في الدنا، ولكن مِن باب:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم             إن الـتـشـبـه بالـكــرام فــلاح

فالأخوة الخالصة لله: ثمرتها عظيمة، وبقاؤها قربة لله -تعالى-، وشفاعة في الآخرة، وربما نشعر أن هذه مثالية نادرة، وخيالية زائدة، ولكن لعل يكون لنا منها نصيب.

أسأل الله أن يغرس الألفة في قلوبنا، ويوحدها في طاعته، ويجمعها في جنته.

إنه ولي ذلك وهو القادر عليه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة