الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

يا عبد الله... !

وكأن شهر رمضان سوقٌ أقيم ثم انفض

يا عبد الله... !
جمال فتح الله عبد الهادي
السبت ١٥ يونيو ٢٠١٩ - ١٠:١٠ ص
665

يا عبد الله... !

كتبه/ جمال فتح الله عبد الهادي  

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛    

فقد جاء شهر رمضان وسرعان ما انتهى، وهكذا الأيام الجميلة تمر بسرعة، وهكذا عمر الإنسان يمر بسرعة إذا لم ينتبه ويعمره بطاعة الله، ويستثمر أيام عمره، ويأخذ زاده إلى الجنة، وفي مرور الأيام وانتهائها عبرة وعظة، فأيام رمضان تنتهي ثم تأتي في أعوام قادمة، لكن إذا انقضى عمر الإنسان لم يعود، وهذه لفتة إيمانية لكى تملأ أيامك بالطاعات والقربات لله رب الأرض والسماوات.

وعبرة أخرى: أن الدائم الباقي هو الله، قال -تعالى-: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (الرحمن:26-27)، وما مِن شيءٍ إلا له بداية ونهاية، هكذا السنن الكونية.

وكأن شهر رمضان سوقٌ أقيم ثم انفض، ربح فيه مَن ربح، وخسر فيه مَن خسر، فاللهم اجعلنا مِن الرابحين الفائزين برضوان الله -عز وجل-، والمسلم الفطن العاقل هو الذي يستمر على طاعة الله -عز وجل-، ولا يترك ما كان تعود عليه في رمضان مِن صيام، وقيام، وقراءة قرآن، وذكر واستغفار؛ لأنه عبد لله، فلا يكون موسميًّا فقط ورمضانيًّا، بل لابد أن يكون عبدًا ربانيًّا؛ لأنه ذاق حلاوة الإيمان، ووجد السعادة في الطاعة.

عن عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ -رضَيَ اللَّه عَنْهُمَا- قالَ: قال لي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (يَا عَبْدَ اللَّهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ: كانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْل) (متفق عليه).

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: "يعني أن الإنسان إذا اعتاد فعل الخير فينبغي أن يداوم عليه، فمثلًا: إذا اعتاد ألا يدع الرواتب يعني الصلوات النوافل التي تتبع الصلوات الخمس فليحافظ على ذلك، وإذا كان يقوم الليل فليحافظ على ذلك، وإذا كان يصلي ركعتين مِن الضحى فليحافظ على ذلك، وكل شيء مِن الخير إذا اعتاده، فإنه ينبغي أن يحافظ عليه.

 وكان مِن هدى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن عمله ديمة، يعني يداوم عليه، فكان إذا عمل عملًا أثبته ولم يغيره؛ وذلك لأن الإنسان إذا اعتاد الخير وعمل به ثم تركه، فإن هذا يؤدي إلى الرغبة عن الخير؛ لأن الرجوع بعد الإقدام شر مِن عدم الإقدام، فلو أنك لم تفعل الخير ابتداءً لكان أهون مما إذا فعلته ثم تركته، وهذا شيء مشاهد مجرب، قال الله -تعالى-: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا) (النحل:92).

المرأة حينما تغزل وتحكم الغزل (مِن بَعْدِ قُوَّةٍ)، ثم بعد ذلك تفتله وتنقضه بعد إحكامه، ثم ترجع مِن جديدٍ تغزل؛ فهذا فعل حمقاء، ليس ذلك مِن فعل العقلاء، فإذا كان الإنسان على لونٍ مِن التربية والاستقامة والالتزام بشرائع الإسلام، فلا ينبغي أن يحصل له حَوْر بعد الكَوْر، بعد ما استقام سيره نقض عمله.

لاحظوا: قيام الليل ليس بواجب، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى عبد الله أن يكون مثل فلان، إذًا فعلُ فلان سيئ لا يُتشبه به فيه، كان يقوم الليل، فترك قيام الليل، فهذا على سبيل الذم، وهذا يدعو الإنسان إلى أن يراجع نفسه، ما الأشياء التي كان يعملها وتركها، كنت تصلي الضحى وتركتها، تصلي الوتر وتركته، كنت تقوم الليل وتركته، كنت تصوم الاثنين والخميس أو محرم أو شعبان ثم تركته؟ فهذا فعل لا يليق بالمؤمن، وينطبق عليه مثل ما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ)، يعني ضع مكانها العمل الذي تركته، كان يصوم كذا وكذا فترك الصيام، كان يصلي الضحى فترك صلاة الضحى، كان يحافظ على أذكار الصباح والمساء فترك أذكار الصباح والمساء".

وعَنْ أَبي أَيوبِ -رضي الله عنه- أَنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَنْ صَامَ رَمَضانَ ثُمَّ أَتَبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كانَ كصِيَامِ الدَّهْرِ) (رواه مسلم)، وكأن الصيام في شوال كالسُّنة الراتبة البعدية بعد رمضان، ومِن علامات قبول الطاعة: الطاعة بعدها.

أسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الحق، وأن يجعل عملنا دِيمة، فإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلّ.

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

ربما يهمك أيضاً

نطهر صيامنا (2)
57 ١٢ مارس ٢٠٢٤
نطهر صيامنا (1)
59 ٠٤ مارس ٢٠٢٤
إنما الحلم بالتحلم (1)
40 ٣١ يناير ٢٠٢٤
لا تحمل همًّا!
91 ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣
محطات تطهير!
94 ١٩ يونيو ٢٠٢٣