الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

ذكريات- 3

كان عَجَبًا أن أكونَ أنا السلفي أُهَدِّئ مِن درجة التكفير للشيعة لدى الدكتور \"مرسى\" مرشح الإخوان للرئاسة!

ذكريات- 3
ياسر برهامي
الخميس ١٨ يوليو ٢٠١٩ - ١٣:٣٥ م
2642

ذكريات (3(

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقبل أن نبدأ في الحلقة الثالثة مِن "ذكريات" أحب أن أوضِّح لقرائي الهدفَ مِن هذه المقالات.

أولًا: لا بد لأبناء الحركة الإسلامية -والسلفية بصفة خاصة- أن يتخلصوا مِن الضغط النفسي الذي يُمَثِّله الإعلام الإخواني والقطبي والسروري في الاتهام بالخيانة والنفاق، بل والكفر أحيانًا في كل موقفٍ يتخذونه مخالفًا لهم؛ مما يؤثِّر سلبًا على مشاركتهم الحقيقية الجادة في الإصلاح والدعوة إلى الله، والتربية والمشارَكة البَنَّاءة في كل صور العمل الإسلامي، بما في ذلك العمل السياسي الهادف؛ لتقليل الشر وتكثير الخير في أزمنة الغربة والفتنة، ولئلا تكون كل محطة عبارة عن أزمةٍ تحتاج إلى جهودٍ مضاعفةٍ لكي يعرف الناس طريقهم وعملهم.

وإن كان أبناء "الدعوة السلفية" قد تجاوز كثيرٌ منهم هذه العقبة إلا أن قطاعات أخرى لا تزال تعاني الأزمة؛ خاصة مع سكوت كثيرٍ مِن المشايخ، وتأييد بعضهم بلا إدراك للحقيقة لبعض رموز التيارات الإخوانية القطبية والسرورية، لمجرد أن أعلنوا الرغبة في تطبيق الشريعة، ورفع شعارات: "سنحيا كرامًا"، وشعارات: العزة، والاستعداد للشهادة والتضحية والجهاد، دون أن يكون لهذه الشعارات أي حقيقة في أرض الواقع!

ومَبنى هذا التخلص مِن الضغط النفسي: المعرفة الحقيقية -بالأدلة- لحقيقة مواقف المخالِفين لهم، فمِن الواضح: أن عامة أبناء الحركة الإسلامية لم يعودوا يتأثرون بتهم جماعات التكفير الصريح، كما أنهم لا يتأثرون بذمِّ الشيعة لهم، وكذا غلاة الصوفية؛ لأنهم نفضوا أيديهم مِن موقفهم.

أما أن يُحسب اتجاهٌ أو جماعة على أنها الممثِّلة الكبري لجماعات الدعوة وجماعات السُنَّة، وأنهم رجال المرحلة، ونحو ذلك؛ فهذا الذي لا يزال يؤثِّر على قطاعاتٍ كبيرةٍ لا تزال في غيبوبة العاطفة، وغشاوة التعتيم الإعلامي؛ فلا بد أن تُعرف حقيقة الجماعة وبالوقائع الدامغة التي لا ينبغي أن تُنسى؛ لينفض الناس أيديهم مِن مدحهم وذمهم؛ ولهذا خرجتْ أبواقٌ كثيرة تتكلم بنفس اللسان مهاجِمةً هذه الذكريات لتظل العَمَاية والخداع، مع سكوت مَن سكت، وتأييد مَن أيَّد، ويبقى مَن جَلَّى الحقيقة منفردًا في تلقي السهام والطعن في عِرضه ودينه مِن أهل البدع .

والحمد لله أن هذا بدأ في التغير.

ثانيًا: لا بد لأبناء الحركة الإسلامية أن يستفيدوا مِن التاريخ الصحيح -القديم والمعاصر- غير المُزَوَّر؛ فلا يزال غياب العقول عن الواقع في تقدير القوة والضعف، والقدرة والعجز، والمصلحة والمفسدة، مِن أكبر أسباب القرارات الكارثية في حياة الأمم والجماعات.

- وكم نصح الناصحون الخوارجَ بعدم الخروج، وسفك الدماء، والتكفير، ومع ذلك كان الوهم والخيال هو المحرِّك لهم؛ حتى ضرب ابن ملجم عَلِيًّا -رضي الله عنه- ضربة على رأسه يبتغي بها عند الله رضوانًا! يَقتُل خيرَ أهل الأرض، الخليفة الراشد ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، المجاهد الثابت، وهو يريد بذلك أرفع درجات الجِنان! 

- وكم نَصَح الصحابةُ الحسينَ -رضي الله عنه- بعدم الخروج -وخاصة للعراق-، ولكن سَبَق القَدَرُ وحَدَثت المصيبة العظيمة بقتل ابن بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سيد شباب أهل الجنة هو وأهل بيته!

وكان الخطأ في تقدير الواقع هو السبب في ذلك، وإن كانت المسألة شرعية محل اجتهاد، لكنه مبنيٌّ على الواقع؛ أما إذا كان الموقف الشرعي مبنيًّا على بدعة ضلالة كمواقف الشيعة؛ كان الإثم والخراب هو الحاصل، وليس فقط مصيبة الدنيا مع أجر الاجتهاد.  

- وكم نصح النعمانُ بن بشير -رضي الله عنه- ابنَ مطيع وأهلَ المدينة قبل "وقعة الحَرَّة"، وتوقع له أن يُركِض دابته فارًّا إلى مكة تاركًا هؤلاء المساكين يُقتلون على أبواب بيوتهم ومساجدهم وطرقاتهم؛ وقد كان، ووَقَعت المحنة العظيمة في المَقتَلَة الهائلة لأهل المدينة في وقعة الحَرَّة حتى انتُهِكت حرمات الصحابة والتابعين، وحرمات الرجال والنساء والأطفال، في الدماء والأعراض والأموال! وإنا لله وإنا إليه راجعون.

فدراسة التاريخ الصادق -لا المزوَّر الكاذب الذي يستغله أهل الضلال والبدع في تهييج العواطف أسوأ استغلال- مِن أعظم أسباب الحكمة، وإدراك ضوابط المصالح والمفاسد، والقدرة والعجز، ولا يصلح أن يَسكت مَن شَهِد الحقيقة عن الكلام، فيتكلم الكاذب أو الغائب أو الجاهل؛ فيستقر الزور على أنه الحقيقة!

ثالثًا: إن مسألة مراعاة المصالح والمفاسد مسألة شرعية عظيمة الأهمية، وإن كَرِه مَن كَرِه وسَخِر منها مَن سخر، وانحرف مَن انحرف حتى زعموا أن ما شرعه الله -عز وجل- مِن مراعاة المصالح والمفاسد صنم يُعبد مِن دون الله! لجهلهم بحقيقة العبادة، ومعنى المصلحة والمفسدة، بل وفي نفس الوقت الذي يَتصور فيه البعض فعل الكفر والنطق به مِن غير إكراهٍ أو خطأ، مصلحةً معتبرة؛ للخلل الذي لديه في معرفة معنى المصالح والمفاسد وموازناتها.

ومِن أكبر الأسباب لحسن التقدير الموافق للشرع ومعرفة كيف تُتَّخَذ القرارات بطريقة سُنِّيَّة سلفية علمية: دراسة التاريخ، ومعرفة كيف طَبَّق أهلُ العلم عبر الزمان هذه الموازانات -ابتداءً مِن عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين فمَن بعدهم إلى زماننا هذا-؛ لتستفيد الأجيال القادمة "بل والحالية" مِن هذه الدراسة.

وليس المقصود أن نتحسر على ما جرى أو نتباكى على مفقودٍ أو نتسلى بذكر الحكايات والحكايات المضادة، وخاصة المكذوبة والمغلوطة، والتي يحكيها مَن لا يَعلم، أو مَن يَعلم، لكنه لا يريد أن يَعلم الناسُ.

أما مَفسدة إثارة هذه الدراسة لبعض الناس فيسب ويشتم، ويلعن ويكفِّر ويَطعن؛ فهي مفسدة معلومة مِن قَبل، لم تتوقف مع السكوت، ولن تتغير مع الكلام؛ لأن منبعها سلوك وخلق صاحبها، وحال قلبه ولسانه؛ فلا يصح أن نترك المصلحة المتأكَّدة لدفع مثل هذا اللوم والذم مِن أهل الفساد، والذي هو حاصل حاصل.

نعود لما قصدنا مِن الذكريات...

كانت مِن أهم المسائل التي شهدت اختلافًا وافتراقًا بين السلفية والإخوان: الموقف مِن الشيعة الروافض، وجذور المسألة قديمة في سلوك حسن البنا -غفر الله له- في "الأصول العشرين" ثم المواقف العملية.

فموقف أهل السُّنة واضح تمام الوضوح ممَن سَبَّ الصحابةَ وطَعَن فيهم -فضلًا عمن كَفَّرَهم-، كما قال "الطحاوي" في عقيدته: "ونبغض مَن يبغضهم وبغير الخير يذكرهم"، وكما نص شيخ الإسلام ابن تيمية في "العقيدة الواسطية" في بيان فضل الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- خاصةً الخلفاء الراشدين وإثبات خلافتهم، وأن مَن طَعَن في خلافة أحدٍ منهم فهو أَضَلُّ مِن حِمار أهله، ثم بعد هذا التقرير لفضل الصحابة صَرَّح بالإمساك عما شَجَر بينهم مِن خلافٍ؛ لأن كثيرًا منه كَذِب، ومنه ما زِيْدَ فيه ونُقِص منه وغُيِّرَ عن وجهه، وما صَحَّ مِن ذلك فهم فيه معذورون بين مجتهدٍ مصيبٍ له أجران، ومجتهد مخطئ له أجر واحد.

وجاء الأستاذ "حسن البنا" في "الأصول العشرين" ليحاول تجاوز حقيقة الخلاف بين السُنَّة والشيعة بأن ينص على أن: "كل مسألة لا ينبني عليها عمل، فالخوض فيها مِن التكَلُّف الذي نُهِينا عنه شرعًا، ومِن ذلك: كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع، والخوض في معاني الآيات القرآنية الكريمة التي لم يصل إليها العلم، والكلام في المُفَاضَلَة بين الأصحاب -رضوان الله عليهم- وما شجر بينهم مِن خلافٍ، وكُلٌّ منهم له فضل صحبته وجزاء نيته، وفي التأويل مندوحة!".

فهذا التأصيل دون نَصٍّ على خلافة الأربعة الراشدين، وتفضيل أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، هو الذي فتح الباب للمواقف العملية التي اتخذها في الموقف مِن الشيعة، وأَثَّرَت في مواقف الجماعة عبر الزمان إلى وقتنا هذا؛ فحسن البنا قد قابل آية الله كاشاني في حجة سنة 48، وكان حسن البنا ضمن المشارِكين في دار التقريب بين المذاهب الإسلامية هو ومحمد تقي القُمِّي؛ حيث كانت مشاركتهم مدخلًا للعلاقات المستقبلية بين الطرفين، ولقد زار القمي المركز العام.

قال الأستاذ عمر التلمساني في  كتابه: "ذكريات لا مذكرات" (طبعة دار الاعتصام، ص 249  -250): "وفي الأربعينيات على ما أذكر، كان السيد القمي وهو شيعي المذهب ينزل ضيفًا على الإخوان في المركز العام، ووقتها كان الإمام الشهيد يعمل جادًّا على التقريب بين المذاهب حتى لا يتخذ أعداء الإسلام الفرقة بين المذاهب منفذًا يعملون من خلاله على تمزيق الوحدة الإسلامية، وسألناه يومًا عن مدى الخلاف بين أهل السُنَّة والشيعة؛ فنهانا عن الدخول في مثل هذه المسائل الشائكة التي لا يليق بالمسلمين أن يشغلوا أنفسهم بها، والمسلمون على ما نرى مِن تنابذ يعمل أعداء الإسلام على إشعال ناره؛ قلنا لفضيلته: نحن لا نسأل عن هذا لتعصب أو توسيع لهوة الخلاف بين المسلمين، ولكن نسأل للعلم؛ لأن ما بين السنة والشيعة مذكور في مؤلفاتٍ لا حصر لها، وليس لدينا من سعة الوقت ما يمَكَّننَا من البحث في تلك المراجع. فقال رضوان الله عليه: اعلموا أن أهل السُنَّة والشيعة مسلمون تجمعهم كلمة: "لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله"، وهذا أصل العقيدة؛ والسُنَّة والشيعة فيه سواء وعلى التقاء، أما الخلاف بينهما فهو في أمورٍ مِن الممكن التقريب فيها بينهما!".

وقال الأستاذ سالم البهنساوي -أحد مفكري الإخوان المسلمين- في كتابه: "السُنَّة المفترى عليها": "منذ أن تكوَّنت جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية، والتي ساهم فيها الإمام البنا والإمام القمي، والتعاون قائم بين الإخوان المسلمين والشيعة، وقد أدَّى ذلك إلى زيارة الإمام نواب صفوي سنة 1945 للقاهرة... ثم قال: ولا غَرو في ذلك؛ فمناهج الجماعتين تؤدي إلى هذا التعاون!".

وقال الأستاذ عمر التلمساني -المرشد العام الثالث-: "وبَلَغ مِن حرص حسن البنا على توحيد كلمة المسلمين أنه كان يرمي إلى مؤتمر يجمع الفرق الإسلامية؛ لعل الله يهديهم إلى الإجماع على أمرٍ يَحُول بينهم وبين تكفير بعضهم، خاصَّةً وأن قرآننا واحد، وديننا واحد، ورسولنا واحد، وإلهنا واحد؛ ولقد استضاف لهذا الغرض الشيخ محمد القمي أحد كبار علماء الشيعة وزعمائهم في المركز العام فترة ليست بالقصيرة.

كما أنه مِن المعروف أن الإمام البنا قد قابل المرجع الشيعي آية الله كاشاني في الحج سنة 48، وحدث بينهما تفاهم يشير إليه أحد شخصيات الإخوان المسليمن اليوم وأحد تلامذة الإمام الشهيد الأستاذ عبد المتعال الجبري في كتابه: "لماذا اغتيل حسن البنا؟!"، ينقل عن روبير جاكسون قوله: ولو طال عمر هذا الرجل -يقصد حسن البنا-؛ لكان يمكن أن يتحقق الكثير لهذه البلاد، خاصة لو اتفق حسن البنا وآية الله كاشاني الزعيم الإيراني على أن يزيل الخلاف بين الشيعة والسُنَّة، وقد التقى الرجلان في الحجاز عام 48، ويبدو أنهما اتَّفَقا ووصلا إلى نقطة رئيسية لولا أن عوجِل حسن البنا بالاغتيال. ويعَلَّق الأستاذ الجبري قائلًا: لقد صَدَق روبير، وشَمَّ بحاسَّتِه السياسية جهد الإمام في التقريب بين المذاهب الإسلامية؛ فما له لو أدرك عن قربٍ دوره الضخم في هذا المجال مما لا يتسع لذكره المقال؟!".

 ولقد كان لهذا التاريخ وهذه الطريقة أثرها في التفكير الإخواني في الأزمنة المختلفة ابتداءً مِن موقف الجماعة مِن الثورة الإيرانية، وقد كان التأييد الجارف هو السمة الواضحة لكل قيادات الجماعة في تأييد الخميني الذي عَزَّى فيه "محمد حامد أبو النصر" -المرشد الرابع- عند موته بقوله: "فقيد الإسلام الإمام الخميني!".

وموقف جماعة "حماس" مِن إيران عبر العقود التي ظهرت فيها، والمُبَالَغَة في الثناء على المواقف الإيرانية من القضية الفلسطينية لا يَخفى على متابِع.

ولقد كانت هذه المسألة مِن أكبر المسائل التي نخاف منها في مسألة انتخاب أي مرشح إخواني للرئاسة؛ ولذا شهدت جلساتنا للاستماع قبل تحديد الموقف في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة مع الدكتور "مرسي" -وكان خيرت الشاطر حاضرًا- تَباحُثًا حول هذه المسألة، وأبدينا تَخَوُّفَنا الشديد مِن موقف الجماعة مِن الشيعة، وأنه لا يُحتمل أن يكون هو موقف مصر كدولة لو انتُخِب عضوٌ من "الإخوان" رئيسًا للبلاد؛ ولقد انبرى الدكتور مرسي يومها للهجوم على الشيعة، وأنه يُدرِك تمامًا خطرَهم وكُفرَهم، وأنه لا يمكن أن يكون له موقف مؤيد لهم أو أن يسمح لهم باختراق البلاد.

ومِن الطريف: أنه مِن شِدَّة مُهاجَمَة الدكتور "مرسي" للشيعة وتكفيرهم تعرضتُ لبيان أن الشيعة ثلاثة أقسام مِن جهة التكفير:

- فالغلاة الذين يؤلِّهون غير الله -كالدروز والعَلَويين والإسماعيلية والباطنية- هم الكفار نوعًا وعينًا.

- وأما الروافض الإمامية الاثنا عشرية، ففيهم خلاف في تكفيرهم؛ والجمهور على عدم تكفيرهم بالعموم وعدم تكفير المُعَيَّن، وإن كانت أقوال كثيرة مِن أقوالهم كفرية، لكن لا بد مِن استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، وإقامة الحُجَّة قبل تكفير المُعَيَّن.

- وأما الزيدية المُفَضِّلَة فلا يُكَفَّرون، مع الاتفاق على تبديعهم.

فكان عَجَبًا أن أكونَ أنا السلفي أُهَدِّئ مِن درجة التكفير للشيعة لدى الدكتور "مرسى" مرشح الإخوان للرئاسة! ولذا شعرنا جميعًا بأن هذا الكلام هو لطمأنتنا والحصول على تأييدنا في الانتخابات الرئاسية، وليس في الحقيقة معبِّرًا عن حقيقة الموقف!

ولقد كان هذا التخوف أيضًا حاصلًا لدى لقائنا بالدكتور "سليم العوّا"؛ لما عُرِف من علاقته الوطيدة بإيران وزياراته وصداقاته؛ والغريب أننا لما ذكرنا له أقوالهم وعقائدهم أنكر أنه يعرف ذلك، وقَرر أن مَن قال ذلك منهم عن الصحابة ومَن غالى في آل البيت لا يمكن أن يكون مقبولًا معه التقارب، ولا بد مِن الحذر منه.

فتعجبنا كيف يَتَّخِذ بعضُ الساسة مواقفهم دون دراسة لحقيقة مذهب مَن يجلسون معه، والحقيقة أن هذه اللوثة في قضية التقارب مع الشيعة سبببها عدم دراسة العقيدة الصحيحة والتاريخ، والواقع المشهود.

وقد كان للدكتور "كمال الهلباوي" -عندما كان ممثلًا للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وبعد أن تركه- نفس المواقف العجيبة، والمودة الكبيرة للطاعنين في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأزواجه -رضي الله عنهن-!

وجاءت محطة أخرى بعد الرئاسة، وهي الاتفاق بين مصر وإيران على استقدام السياح الإيرانيين لمصر بعدد 5 مليون سائح عبر خمس سنوات، وكانت زيارة "نجاد" الرئيس الإيراني ورفعه لعلامة النصر؛ مما يؤكد مخاوفنا في اختراقاتهم للمجتمع المصري، وكان هذا الاتفاق بالنسبة لنا نقضًا للاتفاق الذي أُبرِم بيننا وبين "الإخوان" قبل تأييد الدكتور "مرسي" في انتخابات الجولة الثانية، ومُناقِضًا تمامًا لروح الجلسة التي جلسنا فيها، وكان هو مسارعًا لتكفيرهم؛ فكيف تأتي بكل هذا العدد في ظل ضعف الدولة، والهزَّة الإجتماعية والاقتصادية التي أحدثتها الثورة؟!

وفشلت كل محاولات الإثناء عن هذا الاتفاق وبيان مَخَاطِرِه، وبدأ بالفعل تنفيذه بفوج سياحي زار الأقصر وأسوان، ووزعوا أقلامًا عليها أسماء الأئمة الاثنى عشر على الأطفال في الأماكن التي زاروها -كما أخبرنا الإخوة هناك- رغم الحراسة المشددة التي مارستها أجهزة الأمن والمخابرات للالتزام بالبرنامج وعدم التواصل!

وأضيف إلى هذا الخطر: أن بعضَ الطرق الصوفية في "الصعيد" بدأت في التوجُّه نحو التشيع؛ بجامع أنهم مِن آل البيت، بل وسافر بعضهم إلى "قُم" للدراسة.

وكان موقفنا مِن هذا الخطر الداهم هو: القيام بحملةٍ واسعة الانتشار على مستوى الجمهورية؛ للتحذير مِن خطر الشيعة، وعقدنا الندوات والمحاضرات، وقمنا بتوزيع الكتب والملصقات والكتيبات على الناس؛ للتحذير من هذا الفكر الضال المنحرف.

وأتذكَّر واقعة أخرى مِن الأمور المهمة تبيِّن لنا ما كان يُعَدُّ لبلادنا في ظل الحكم الإخواني مع التقارب الإيراني واختراقها في المجال الإقتصادي من الشيعة:

وهي واقعة ذات دلالة مهمة؛ فقد تواصل الأستاذ "أحمد الوكيل" -رئيس الغرفة التجارية المصرية- وطلب موعدًا يلتقى فيه مع إدارة "الدعوة السلفية"، وكَلَّفَني مجلس الإدارة بالجلوس مع الأستاذ الوكيل؛ وجاء -حفظه الله- وعرض علينا أمرًا، قال: "لا بد أن أبيِّنه لكم قبل أن أتخذ موقفًا. وذكر أنه كان في زيارة لتركيا بصفته ممثلًا لاتحاد الغرف الأفروأوروبية، فجاء إليه رئيس الغرفة التجارية التركية -وهو يعرفه وصديق له- وأخذ بيده وقال: تعالَ سَأُعَرِّفك على رجل مهم؛ فعَرَّفَه برئيس الغرفة التجارية الإيرانية، وتَكَلَّم معه في أنهم يرغبون في أن يستثمروا 30 مليار استثمارات صناعية وتجارية في مصر.

وقال: إذا كنتم ستعملون حملة مماثلة لحملة السياح، فأنا لن أوافق على ذلك؛ لأن الجو لا يسمح، بأن يكون هناك عمل هادئ في جوٍّ مِن الصراع؛ فقلنا له: لو كانت الدولة منتبهة لخطر الاختراق الشيعي، وأجهزتها الرئاسية تعرف هذه المخاطر لقلنا: إن البيع والشراء مع أي دولة -مسلمة أو كافرة أو مبتدعة- لا يمثِّل مشكلة؛ ولكن الأزمة الحقيقية: أن الدولة "ممثلة في الرئاسة" لا تنتبه إطلاقًا لهذه القضية، بل تفتح لها الأبواب! ولذلك لا يمكن أن نوافق على ذلك؛ لأن كل هذه الاستثمارات سوف يتبعها تواصل مجتمعي، وسوف يكون هناك عمال يسافرون للتدريب وخبراء يأتون للمتابعة؛ ويحدث التواصل الكبير مِن خلال هذه التعاملات الاقتصادية والتجارية والصناعية؛ ولذا سنقوم بحملة أشد مِن حملة السياح الإيرانيين.

فقال: إذًا أنا لن أوافق على ذلك، وقد نصحني أيضًا ناصحون مِن جهاتٍ أخرى بعدم الاستمرار في هذا العرض الذي عَرَضَه رئيس الغرفة التجارية الإيرانية".

كل هذا كان يؤكِّد الافتراق والاختلاف في فهمنا لهذه القضية، وإلى اليوم -لا يزال- الإخوان يعلنون تأييدهم لإيران، بزعم أنهم ضد أمريكا! والكُلُّ يَعلم أن الاتفاق الذي أُكِلَت به العراق وأُكِلَت به سوريا كان مع الأمريكان!  

نسأل الله أن يعافي بلادنا مِن كل سوءٍ.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة