السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

ذكريات -7

ومتى كانت المنامات دليلًا شرعيًّا تُهمَل مِن أجله أدلة الشريعة وأحوال الواقع؟!

ذكريات -7
ياسر برهامي
الخميس ٢٩ أغسطس ٢٠١٩ - ٢٣:٤٧ م
1500

ذكريات -7

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد جاءني في يوم الثلاثاء الموافق 22 رمضان 1434 هجرية -أثناء الاعتكاف في مسجد الخلفاء الراشدين وأثناء "اعتصام رابعة" الذي كان يُفتي المتحدِّثون في منصته الحاضرين فيه بأنه أفضل من الاعتكاف في المسجد الحرام- أحد الزملاء الأطباء ممَن كان معنا في الكلية -وبعد حدوث الانقسام بين الإخوان والسلفيين سنة 1979 م كان مِن ضمن مَن استمر على انضمامه لجماعة "الإخوان" رغم مُحَافَظَته على السمت السلفي مِن إعفاء اللحية، وغير ذلك، وظل كذلك مُحافِظًا على علاقات جيدة مع السلفيين بحُسن خُلُقه وأدبه- وطَلَب مني المحادثة.

فتحدث معي أنهم -أي "الإخوان"- قد أَدرَكوا أنه مِن الصعب جدًّا عودة الدكتور "مرسي" وعودة الدستور، وأنهم يبحثون عن حلٍّ سياسي للأزمة؛ فإن كان لا يزال لكم تَواصُلات؛ فسَاهِموا في ذلك.

وكَلَّمتُه كثيرًا في قضية "المصالح والمفاسد"، وأن سلوك "الإخوان" هذه المرة ليس كسلوكهم طيلة عدة عقودٍ مِن الزمان منذ خرجوا من سجون عبد الناصر، وحين تواجدوا في المشهد السياسي؛ فقد سُجِن المرشد الحالي الدكتور "بديع" قبل ذلك ولم يُقَرِّرُوا الدخول في معركة صِفرِيَّة، وسُجِن المهندس "خيرت الشاطر" ولم يَدخلوا في معركة صِفرِيَّة، والدكتور "مرسي" نفسه كان مسجونًا أثناء قيام الثورة في يناير2011م؛ فما الذي قَلَب موازينهم هذه المَرَّة حتى قرروا الدخول في معركة صِفرِيَّة يَخرُجون منها هم الخاسرين -عند كل العقلاء- خاصة أن المسئولين قد عَرَضوا قبل ذلك حلولًا لعدم الوصول إلى هذه الأزمة، وخَطَر الفَضِّ بالقُوَّة؟!

وتكلمتُ معه عن الأدلة الكثيرة مِن الكتاب والسُنَّة في مراعاة المصالح والمفاسد، ومُوازَنات القدرة والعجز؛ حتى قال لي: لمَ لا تأتي لتقول هاتين الكلمتين "الحِلْوِين" على "منَصَّة رابعة"؟.

فقلت له: أتريد أن أُقتَل؟ إن كثيرًا أو أكثر مَن في الاعتصام يُكَفِّرونني أو يحكمون عَلَيَّ بالنِّفاق والخيانة.

فقال: الحقيقة أن الأكثر يرونك كذلك!  

فقلت: إذا كنت تريد أن أقول هاتين الكلمتين فابدأ بتغيير الخطاب المُستَعمَل على المنَصَّة بدلًا مِن التكفير والتخوين، كَلِّم الناس أن المسألة اجتهادية وأن المُخالِف -أعني نحن- مجتهِدون مخطِئون، وعندما يستقر في نفوس الناس ذلك أحضر أنا هناك لأُدَافِع عن وجهة نظري وأُقنِعهم بأن اجتهادي هو الصواب وليس الخطأ؛ لكن مع استعمال العاطفة المُؤَجَّجَة بكلام أمثال: عاصم عبد الماجد، ومحمد عبد المقصود، وفوزي السعيد؛ فلا يمكن أن يسمع كلامي أحدٌ!

فقال: وهل تظن أننا لو أَمَرنا الناس بالانصراف سينصرفون؟! لن يَنصرفوا أبدًا لمجرد الطلَب!

فقلت له: إن السبب في ذلك هو طريقة الخطاب المُستَعمَل أيضًا؛ فإذا غَيَّرتُم الخطاب تَغَيَّرَت المواقف، ولكن على أي حال؛ ما هو الحل السياسي الذي تراه؟   

فقال: مُبَادَرَة الدكتور "سليم العَوَّا"، وكان الدكتور "سليم العَوَّا" قد طرَح مُبَادَرَة للخروج مِن الأزمة بأن يخرج الدكتور "مرسي"، ويعلن تفويضه لشخصية يُتَّفَق عليها لصلاحيات رئيس الدولة إلى أن تتم انتخابات رئاسية جديدة وفقًا للدستور الذي تم إيقاف العمل به.

فقلت له: هذا المَطلَب في ظل بقاء الدستور معناه أنك تطلب مِن الناس أن يُسلموا أنفسهم لأعواد المشانق أو السجن؛ فإن مَن يُعطِي التفويض في ظل الدستور يمكنه إلغاؤه في أي لحظة بمجرد أن يَتَمَكَّن؛ هل تتصور أن يَقبل الطرفُ الآخر -بعد ما تمكن واستقر له الأمر- أن تعيده إلى نقطة البداية، وأن يكون تحت رحمة تفويض يمكن إلغاؤه في أي لحظة؟!

فقال: فماذا ترى من حل؟

قلت: لو تم الاتفاق على شخصية يتم منح التفويض لها يكون ذلك مقترنًا بإعلان الاستقالة من الدكتور "مرسي" فلا يصبح رئيسًا بعد التفويض، فلا يمكنه إلغاؤه؛ فتُعطِي للطرف الآخر احتمالية التفكير في الأمر؛ فسَكَتَ وقال: أعطني فرصة حتى نسأل "مكتب الإرشاد": هل يوافِقون على هذا التعديل أم لا؟

ولا زلت أنا إلى يومنا هذا أتعجب من التوقف عن قبول هذا الاقتراح! وكأن الأمر كان عندهم يُعَدُّ لترتيبٍ آخر، هل كان متصورًا في مبادرةٍ كهذه أن تكون مقبولة دون هذا التفكير البديهي؟ أم أنهم يتصورون أن الطرف الآخر سيَقبل بغباءٍ بهذه الشروط التي يشترطها مَن هو في موقف الضعف لا في موقف القوة؟!

ولا زلت أقول في نفسي إلى يومنا هذا: إذا كان هذا ما وصلوا إليه في أثناء "اعتصام رابعة" من عدم إمكانية عودة الدكتور "مرسي" والوضع السابق على أحداث 30/6 و3/7/2013؛ فلماذا المُكَابَرَة إلى يومنا هذا والإصرار على التفكير الوهمي والخيالي الذي كان يُقْسِمون عليه على "منصة رابعة" ويجعلون المتحدثين يَقُصُّون على الناس المنامات المؤكِّدَة للعودة ووجود "جبريل" بينهم في الاعتصام، وصلاة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلف "مرسي"!، والحلف بالطلاق بالثلاثة -بل بالألف- أن الدكتور مرسي راجع القصر! بل وتحديد موعد لذلك؟! إلى غير ذلك مِن التُرَّهَات التي كان المتحدِّثون يَخدَعون بها الجُموع للأسف، أو خَدَعوا أنفسهم بها أَوَّلًا، بل وصل الأمر إلى ادِّعاء أن مَن يَشُكّ في ذلك يشك في الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ومتى كانت المنامات دليلًا شرعيًّا تُهمَل مِن أجله أدلة الشريعة وأحوال الواقع؟!

ورغم مرور أكثر من 6 سنوات على هذه القناعة؛ إلا أن القرار الجريء بالتراجُع وتخطئة النفس -الذي هو النقطة الأولى وحركة البداية لكي يُنظر في تغيير الواقع- لا يزال صعبًا أو مستحيلًا على القيادات الحالية التي فقدت بوصلتها بسبب غياب العلم الشرعي وغياب موازين الواقع الحقيقية، وخديعة أعداء الأُمَّة لهم في الغرب بأنهم مِن ورائهم ولن يتركوهم! وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وانتهت المُقابَلَة على أني انتظر منه رَدًّا لطرح المحاولة للوصول إلى حلٍّ للأزمة.

وفي اليوم التالي وُجِّهَت إلينا دعوة لمقابَلَة القيادة السياسية؛ فقررت الخروج مِن الاعتكاف يومًا وليلة لمحاوَلَة منع سفك الدماء وتعريض البلاد لمخاطر الاحتراب الأهلي والفوضى المحتملة، ولهذا حديث آخر.

والله المستعان.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة