الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

نيل الأماني في ظلال السبع المثاني -3

فالعبد في حمده لله بهذه المحامد جميعًا لم يأتِ إلا بما يستحقه ربه ويجب عليه له سبحانه (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)

نيل الأماني في ظلال السبع المثاني -3
وليد شكر
الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠١٩ - ١٩:٢٤ م
994

نيل الأماني في ظلال السبع المثاني -3

كتبه/ وليد شكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ):

قال ابن كثير -رحمه الله-: "ومعنى الحمد لله: الشكر لله خالصًا دون سائر ما يعبد مِن دونه بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها عدد، ولا يحيط بعددها غيره أحد في تصحيح الآلات لطاعته، وتمكين جوارح المكلفين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم من الرزق وغذاهم به مِن نعيم العيش من غير استحقاق منهم لذلك عليه، ومع ما نبههم عليه ودعاهم إليه من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم، فلربنا الحمد على ذلك كله أولًا وآخرًا".

ذكر الله الحمد مطلقًا وقيده في مواضع أخرى بظرفين:

الأول:  زماني فقال: (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ) (القصص:70).

الثاني: مكاني فقال: (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (الروم:18)، واذا علمت أن الله -سبحانه وتعالى- قد استحق هذا الحمد في الدنيا والأخرة في السماوات والأرض، وتعبدت لله بمقتضى ذلك فحمدته على كل حال، وفى كل مآل؛ فاعلم أيضًا أن في الآية الكريمة من أوجه البلاعة ما يزيدها عمقًا في المعنى مصحوبًا بالرونق والجمال:

الوجه الأول: أن الألف واللام في كلمة "الحمد" للاستغراق، وعليه فقد استغرقت كلمة الحمد جميع المحامد اللائقة به -تعالى- مِن حمد الملائكة والأنبياء، والشهداء والصالحين، والجن، والطير، وسائر الخلق مِن يوم خلق الله السماوات والأرض إلى يوم القيامة، قال -تعالى-: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء:44)، فكأن العبد يحمد ربه بتلك المحامد كلها، ما علمه منها وما لم يعلم؛ فهو سبحانه له الحمد كله، وله الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله.

الوجه الثاني: أن اللام في كلمة (لله) للاستحقاق، وعليه فإفراد الله بكل تلك المحامد وهذا الثناء ليس إلا حق له -سبحانه وتعالى-، فهو أهل لأن يُحمد ليل نهار في السراء والضراء، في السماوات والأرض، في الدنيا والآخرة، مستحق لذلك كله؛ فالعبد في حمده لله بهذه المحامد جميعًا لم يأتِ إلا بما يستحقه ربه ويجب عليه له سبحانه (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (الأنعام:91).

الوجه الثالث: تلوين الخطاب حيث إن اللفظ خبري والمعنى إنشائي (أمر) على قول بعضهم، فمعناها حينئذٍ: احمدوا الله هذا الحمد المطلق. فإن قيل: لماذا جاء اللفظ خبريًّا والمعنى غير ذلك؟ قلنا: ليعلم العبد أن أمر الله له بالحمد ليس معناه أن الله في حاجة إلى حمد عبده ليكون محمودًا، بل ان سياق الآية الخبري يفهم أن الحمد قد تم لله وكمل، فهو أمر قد تحقق لله، والله يخبر عنه، فهو سبحانه له الحمد قبل أن يحمده الحامدون.

(رَبّ الْعَالَمِينَ):

- رب الشيء: ملكه وجمعه، ورب الشيء أصلحه ومتنه، ورب الدهن: طيبه وأجاده؛ وعليه فالرب هو السيد المالك، وهو المعبود المطاع، وهو المتعهد بالمربوب ليصلح شأنه، فمصلح الكائنات ومدبر أمرها ومربيها إلى غاية كمالها، ليس إلا الله -عز وجل-.

قال الزجاج -رحمه الله-: "العالم كل ما خلق الله في الدنيا والآخرة".

وقال القرطبي -رحمه الله-: "وهو الصحيح، والعالم مشتق مِن العلامة؛ لأنه علم دال على وجود خالقه وصانعه ووحدانيته، كما قال ابن المعتز:

فيا عجبا كيف يعصى الإله               أم كـيـف يـجـحده الجـاحـد

وفـي كـــل شـيء لـه آيــة                تـدل عـــلـى أنـه الــواحــد"

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة