الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

من أجلك ومن أجلهم!

وكذا مِن بركة صلاح الآباء بتقوى الله وأكل الحلال أن يبارك الله لهم بإذنه في ذريتهم

من أجلك ومن أجلهم!
محمد خلف
الأحد ٢٧ أكتوبر ٢٠١٩ - ١٩:٠٨ م
763

من أجلك ومن أجلهم!

كتبه/ محمد خلف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ 

فالله -تعالى- حكيم عليم، وهو تعالى منان كريم، شكور يجازي عباده على القليل الكثير في الدنيا والآخرة، وهو -تعالى- لا يسوي بين الخبيث والطيب، كما قال -تعالى-: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:100).  

ولا يسوي بين الصالحين والمفسدين المسيئين بالذنوب والمعاصي لا في الدنيا ولا في الآخرة، كما قال -تعالى-: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (الجاثية:??)؛ لأن ذلك ينافي حكمة وعدل الله -سبحانه وتعالى- أحكم الحاكمين، لذلك فالعبد المحسن المطيع يرزقه الله سعادة الدارين ويبارك الله له في أهله وماله ويحفظهم له.

وهذا الجزاء من جنس العمل، فبالتقوى والصلاح تحفظ الذرية، كما قال -تعالى- عن أصحاب الجدار المذكور في سورة الكهف: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) (الكهف:??).

وقوله: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا): "فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ الصَّالِحَ يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عِبَادَتِهِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بِشَفَاعَتِهِ فِيهِمْ وَرَفْعِ دَرَجَتِهِمْ إِلَى أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ؛ لِتَقَرَّ عَيْنُهُ بِهِمْ، كَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ وَوَرَدَتِ السُّنَّةُ بِهِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا، وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُمَا صَلَاحٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ الْأَبُ السَّابِعُ" (تفسير ابن كثير).

وقال الشيخ العثيمين -رحمه الله-: "فكان مِن شكر الله -عز وجل- لهذا الأب الصالح أن يكون رؤوفًا بأبنائه، وهذا من بركة الصلاح في الآباء أن يحفظ الله الأبناء".

وقال ابن المسيب لابنه: "يا بني لأزيدن في صلاتي من أجلك، رجاء أن أحفظ فيك، وتلا هذه الآية: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا)، وقال عمر بن عبد العزيز: ما من مؤمن يموت إلا حفظه الله في عقبه، وعقب عقبه".

فهذا والله نعم الإرث، ولا شك أنه أعظم من إرث المال، وإن كان إرث المال خير للورثة ولا شك من أن بتركهم يسألون الناس، ولكن انظر كما أسلفنا في الآيَةِ السابقة، فإن إرث الباقيات الصالحات -الذي هو صلاح الأب- حفظ بها إرث المال، بل في الآيَةِ السابقة أن الذي قام بإصلاح الجدار للغلامين اليتيمين الخضر -عليه السلام- وهو إما نبي أو ولي؟ -على خلاف مشهور بين العلماء-، وعلي كل حال فمنزلته ومكانته عند الله ظاهرة، فأصلح الخضر الجدار لهم ليكون سببًا في حفظ مالهما، وذلك التشريف لصلاح أبيهما.

وكذا مِن بركة صلاح الآباء بتقوى الله وأكل الحلال أن يبارك الله لهم بإذنه في ذريتهم؛ فتقر عين المؤمن بذريته كما قال والد الإمام البخاري عند موته: "والله لا أعلم أني أدخلت على أهل بيتي يومًا درهمًا حرامًا أو درهمًا فيه شبهة"، فأثمر ذلك نبتة صالحة عظيمة الأثر؛ ابنه العلم الشامخ "محمد بن إسماعيل البخاري"، صاحب صحيح البخاري، والذي كتابه أصح الكتب بعد كتاب الله.

وهذا مِن بركة اكل الحلال، وعلى النقيض من شؤم أكل الحرام: فساد الذرية وهلاكها، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).  

فواجب عليك أيها الكريم أن تتقي الله وتجتهد في أكل الحلال واجتناب الحرام؛ حتى تقر عينك بذريتك في حياتك بصلاحهم وتقواهم وبرهم، فهذا هو قرة عين الصالحين كما في دعاء عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان:??).

وقال الحسن البصري -رحمه الله- لما سئل عن هذه الآية: "أَنْ يُري اللَّه الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ مِنْ زَوجَتِهِ، وَمِنْ أَخِيهِ، وَمِنْ حَمِيمِهِ طَاعَةَ اللَّهِ، لَا وَاللَّهِ مَا شَيْءٌ أَقَرَّ لِعَيْنِ الْمُسْلِمِ مِنْ أَنْ يَرَى وَلَدًا، أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ، أَوْ أَخَا، أَوْ حَمِيمًا مُطِيعًا لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-" (تفسير ابن كثير).

وليكمل نعيمك في الآخرة باجتماعك بهم معك في الجنان كما قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (الطور:??)؛ يلحقهم الله بمنازل آبائهم في الجنة وإن لم يبلغوها جزاءً لآبائهم، وزيادة في ثوابهم، ومع ذلك، لا ينقص الله الآباء من أعمالهم شيئًا.

فاللهم أعنا ولا تعن علينا، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة