الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مظاهر القسوة في حياتنا... أسباب وعلاج (8) رفع السلاح على المسلم

وأصبح القتل والجرح والضرب سمة للمجتمعات تروج لها الأفلام والمسلسلات

مظاهر القسوة في حياتنا... أسباب وعلاج (8) رفع السلاح على المسلم
ياسر برهامي
الخميس ١٢ ديسمبر ٢٠١٩ - ١٨:٢٥ م
1001

مظاهر القسوة في حياتنا... أسباب وعلاج (8) رفع السلاح على المسلم

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن من أخطر أسباب انتشار العنف المحرم حمل السلاح على المسلمين، ومثله في التحريم حمله على المعاهدين من غير المسلمين، وقد أصبحت المعارك التي يستعمل فيها السلاح الأبيض والناري أمرًا معتادًا في شوارعنا، وكثيرًا ما يترتب عليها قتلى أو جرحى، والتساهل في هذا الأمر من أسباب انتشار عصابات الإجرام التي تتقاتل وتقتل على أدنى منازعة، والجهل بحرمة دم المسلم والمعاهد جهل الإعراض وجهل العاقبة وأحيانًا الجهل الناشئ عن عدم التعلم؛ خاصة في أمر المعاهدين، وإن كان الأغلب الأعم أن الذي يرفع السلاح لا يعبأ بأمر الدماء من مسلم أو كافر، فالجهل بحرمة الدماء من أعظم أسباب انتشار القسوة والعنف.

 وأصبح القتل والجرح والضرب سمة للمجتمعات تروج لها الأفلام والمسلسلات التي يقبل عليها الشباب، وهي ترفع من شأن القتلة، ورؤساء العصابات، وتضفي عليهم القدرات الخارقة وحسن القيادة، وهذا يثير إعجاب الناشئة؛ فتمثِّل له الأسوة والقدوة، وبئست القدوة!

 ثم الاختلاط بالعصابات الإجرامية يسهِّل الحصول على السلاح، ويسهل استعماله، ويعود الشباب على منظر الدم دون أي وازعٍ مِن دين أو عقل أو نظر في العواقب، ولقد حذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- مِن رفع السلاح على المسلمين -وكما ذكرنا المعاهدون في الحكم مثلهم-، وغلظ في ذلك وجعل مَن حمل السلاح على المسلمين خارجًا عن جماعتهم؛ فقال: (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا) (متفق عليه).

قال النووي -رحمه الله-: "معنى الحديث أن مَن حمل السلاح على المسلمين بغير حق ولا تأويل ولم يستحله فهو عاصٍ ولا يُكفر بذلك، فإن استحله كفر، فأما تأويل الحديث، فقيل: هو محمول على المستحل بغير تأويل فيكفر ويخرج من الملة، وقيل: معناه ليس على سيرتنا الكاملة وهدينا.

وكان سفيان بن عيينة -رحمه الله- يكره قول مَن يفسره بليس على هدينا، ويقول: بئس هذا القول، يعني بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر" (انتهى).

وهذا الذي ينبغي أن يُستعمل في الخطبة والوعظ والتذكير، أما في دروس العلم وبيان الأحكام فيُبين كلام الإمام النووي -رحمه الله- ونحوه من كلام العلماء.

 كما حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من ترويع المسلم والإشارة إليه بسلاح ونحوه جادًا أو لاعبًا، كما روى أبو داود بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ، فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) (متفق عليه). وروي: (يَنْزِعُ) و(يَنْزِغُ). ومعنى ينزع يرمي. ومعنى ينزغ: يفسد.

وعنه -رضي الله عنه- قال: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ) (رواه مسلم). وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ) قَالَ فَقُلْتُ: أَوْ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: (إِنَّهُ قَدْ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ) (متفق عليه).

وفي رواية لمسلم: (إِذَا الْمُسْلِمَانِ، حَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَخِيهِ السِّلَاحَ، فَهُمَا عَلَى جُرْفِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، دَخَلَاهَا جَمِيعًا)، وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) (متفق عليه).

 وإذا كان أخذُ المتاع لاعبًا محرمًا من أجل ترويع المسلم؛ فكيف بعصابات الإجرام التي تروع الطرقات وترفع السلاح على المسلمين تخويفًا وإرعابًا؟!

وكذا كل مَن يرفع السلاح ظالمًا ويستعمله في غير محله، فعن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا، وَلَا جَادًّا) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

 وقد بيَّن الله -سبحانه وتعالى- حرمة قتل النفس بغير حق في مواضع عديدة من كتابه، فقال -عز وجل-: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الأنعام:151)، وقال -سبحانه وتعالى- في سورة الإسراء في آيات الحكمة التي بيَّن الله -عز وجل- فضلها قال: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) (الإسراء:33)، وقال -سبحانه وتعالى- في صفات عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) (الفرقان:68-69).

 والمسلم يحرم قتله بإسلامه إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، والنفس بالنفس، والمعاهد يعصم دمه بالعهد سواء كان عهدًا مطلقًا أو محدد المدة أو عقد ذمة أو عقد أمان؛ فكل هؤلاء المعاهدين قد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن قتلهم، فقال: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ) (رواه البخاري)، وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ) (متفق عليه). وفي رواية: (أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّلَاةُ، وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ) (رواه النسائي، وصححه الألباني)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصِنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ) (متفق عليه)، والموبقات: المهلكات.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) (رواه البخاري)، وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ" (رواه البخاري).

 وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، ورواه البيهقي والأصبهاني وزاد فيه: (ولوْ أَنَّ أهلَ سماواتِه وأهلَ أرضهِ اشْتَركوا في دَمِ مؤْمِنٍ؛ لأدْخَلَهُم الله النارَ)، وفي رواية للبيهقي: (لَزوالُ الدنيا جميعاً أهْوَنُ على الله من دمٍ يُسفَكُ بغيرِ حَقٍّ)، وروى النسائي من حديث بريدة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قَتْلُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا) (رواه النسائي، وصححه الألباني)، وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطوف بالكعبة ويقول: (مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ، وَدَمِهِ) (رواه ابن ماجه، وقال الألباني: صحيح لغيره).

وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وعن جُندب بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنِ اسْتَطاع منكُمْ أنْ لا يحولَ بيْنَه وبيْن الجَنَّةِ ملءُ كفٍّ مِنْ دمِ امْرئٍ مسلم أن يُهرِيقه كما يَذْبَحُ به دجاجَةً، كلَّما تَعرَّضَ لِبابٍ مِنْ أبوابِ الجنَّةِ حالَ الله بينَهُ وبينَه، ومَنِ اسْتَطاع منكم أنْ لا يَجْعلَ في بُطْنِه إلا طَيِّباً فلْيَفْعَلْ؛ فإنَّ أوَّل ما يُنْتِنُ مِنَ الإنْسانِ بطْنُهُ) (رواه الطبراني والبيهقي، وقال الألباني: صحيح لغيره).

وعن معاوية -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا، أَوِ الرَّجُلُ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

وهذا الحديث على ظاهره في الكفار؛ كل مَن مات كافرًا فلا يغفر الله له، طالما قد بلغته دعوة الرسل، قال الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء:48)، وأما في قتل المؤمن متعمدًا فمحمول على مَن قتله لأجل إيمانه؛ فيكون كافرًا.

وأما مَن قتله على أمر الدنيا ظلمًا وعدوانًا؛ فهذا عليه ثلاثة حقوق:

- حق لله -عز وجل-، فلا بد من التوبة إلى الله -عز وجل-.

- وحق لأولياء القتيل، والواجب فيه أن يسلم نفسه لهم، فإن شاءوا اقتصوا، وإن شاءوا أخذوا الدية، وإن شاءوا عفوا.

- وحق للقتيل، وهذا لا يُغفر ولا يسقط إلا أن يرضى بين يدي الله يوم القيامة؛ فهذا لا يكون مغفورًا لصاحبه بمجرد التوبة حتى يوقف بين يدي الله؛ ليفصل الله -عز وجل- ويقضي بينهم.

وعلى ذلك؛ فعليه أن يكثر من الحسنات، وأن يحسن إلى القتيل ما استطاع؛ عساه إذا وقف بين يدي الله أن يرضيه الله -عز وجل- من عنده.

 وعلاج هذه الظاهرة: التربية للنشء على بيان حرمة رفع السلاح وحمله، وعلى خطر قتل المسلم أو المعاهد، وبيان حرمة الدم والابتعاد عن العصابات الإجرامية، وعن مشاهدة الأفلام والمسلسلات، وقراءة الروايات التي تعظِّم أمر القتل بغير حق، وتجعل ذلك قدوة سيئة لنشء المسلمين، والبيئة الحاضنة التي يُربى فيها الشخص على تعظيم أمر الدماء مِن أهم وسائل معالجة هذه الظاهرة في المجتمع.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة