السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

ولاية الله لعباده الصالحين... قصص وعبر!

وقد أُمرنا بالنظر في آيات الله، والاعتبار بها

ولاية الله لعباده الصالحين... قصص وعبر!
عصام حسنين
الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠١٩ - ١٩:١١ م
809

ولاية الله لعباده الصالحين... قصص وعبر!

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الزمر: 61)، أي: ينجيهم الله -تعالى- في أوقات شدتهم بأنواع اللطف والرحمة -سبحانه وتعالى-؛ لأن الله -تعالى- وليّ المتقين، أي: يحبهم وينصرهم، ويحفظ عليهم دينهم، ومنافعهم الدنيوية.

قال العلامة السعدي -رحمه الله-: "فقال: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ) أي: بنجاتهم؛ وذلك لأن معهم آلة النجاة، وهي تقوى اللّه -تعالى- التي هي العدة عند كل هول وشدة. (لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) أي: العذاب الذي يسوؤهم، (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، فنفى عنهم مباشرة العذاب وخوفه، وهذا غاية الأمان.

فلهم الأمن التام، يصحبهم حتى يوصلهم إلى دار السلام، فحينئذٍ يأمنون من كل سوء ومكروه، وتجري عليهم نضرة النعيم، ويقولون: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر:34)" (انتهى).

وقد ذكر الله -تعالى- في غير ما آية أنه مع عباده المتقين معية خاصة حقيقية لازمها الحفظ والكلأ والحماية، والتوفيق والتسديد، قال الله -تعالى-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة:194)؛ فيا بُشراك يا مَن تتقي الله -تعالى- بامتثال أمره، واجتناب نهيه بمعية ربِّ العالمين لك، وحفظه ورعايته، وإنجائك من الشدائد والمهالك.

والأدلة على ذلك كثيرة:

فمَن ينظر في التاريخ نظرَ عبرة، ويجول ببصره في شأنه، وشأن مِن حوله يجد ذلك عيانًا لا يُحصيه عدُّه، وقليل ما هم.

وقد أُمرنا بالنظر في آيات الله، والاعتبار بها؛ قال الله -تعالى-: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (الأنعام:11)، وقال: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) (ق:6).

وما نذكره من أمثلة هو غيصٌ من فيض:

1- مريم الصديقة، الطاهرة المطهّرة، التي جعلها الله -تعالى- وابنها آية للعالمين؛ لقد اصطفاها الله -عز وجل- على نساء عالمها، وكمّلها، وزكّاها، واستعملها لعبادته حتى بلغت مبلغ الكرامة، فكان زكريا كافلها -عليه السلام- إذا دخل عليها مكان عبادتها (وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا) (آل عمران:37)، قالوا: يجد فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، قال لها متعجبًا: (يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا) (آل عمران:37). أي: مِن أين لكِ هذا؟! (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران:37).

واصطفاها الله بأن أرسل إليها جبريل -عليه السلام- في صورة بشر، رسولًا من عند الله ليهب لها غلامًا زكيًّا من أم بلا أب لتكتمل القسمة الرباعية، وقالت الصديقة الطاهرة -عليها السلام-: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) (مريم:20).

علمت أنه لا يمكن أن يكون مسَّببٌ بدون سبب. لا يمكن أن يكون ولد من غير اتصال رجل بامرأة، وهي ليست بذات زوج، وليست ببغي، وهذا يتضمن تنزيهًا لها، (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا) (مريم:21). أي: أمر قد قضاه الله كونًا، ولا بد أن يكون آية للناس على قدرته العظيمة، وعلى أنه ربهم -تعالى- المعبود -بحق- وحده لا شريك له.

(فَحَمَلَتْهُ): قالوا: نفخ جبريل -عليه السلام- نفخة دخلت من جيب درعها إلى فرجها.

ولما وجدت ثقل الحمل ابتعدت به عن مكان قومها؛ قيل: إلى بيت لحم مكان مولد عيسى -عليه السلام-، ولما أوشكت على التمام، وجاءها المخاض، قالت قولة الطاهرة العفيفة، التي أن تموت خير لها من ذلك، بل بأهون من ذلك إذا قُذفت أو نُظر إليها نظر ريبة.

(يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا) (مريم:23). تمنت لو كانت ماتت قبل هذا الأمر، وكانت عدمًا لم تُخلق، مع أنها رأت جبريل -عليه السلام- وكلمها، وأخبرها أن هذا قضاء الله، فأغاثها ربُّ العالمين، أنطق لها عيسى -عليه السلام-، ناداها من تحتها: "ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريًّا". أي: سيّر لها عين ماء تشرب منها، وهذه آية وكرامة لها.

(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) (مريم:25)، وهذه كرامة أخرى؛ فقد كانت مستندة إلى جذع نخلة يابس، وأُمرت بهزها؛ فتساقط عليها رطبًا في يديها لا يسقط على الأرض.

(فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا): أي عن الكلام، (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا).

(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ): وهي مطمئنة، راضية بقضاء الله -تعالى-، فإن الله -تعالى- سيدافع عنها، وعن وليدها المخلوق بكلمة كن، وروحٌ منه خلقها الله آية للناس.

فلما رآها بنو إسرائيل تحمل صبيها (قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا . يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا)، يعني: شيئًا عظيمًا، وتيقنوا زناها؛ لأنه لا يوجد ولد من دون زوج، (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا)، فأنطقه الله -تعالى- بكلمات عظيمة:

1- (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ): أول ما نطق به أن برأ ربه -سبحانه وتعالي- من الولد، وأنه عبد الله -تعالى- مربوبًا له، عابدًا له، وحده لا شريك له.

2- (آتَانِيَ الْكِتَابَ) أي: قضى أن يؤتيني وهو الإنجيل الناسخ لبعض شرائح التوراة.

3- (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا): باعتبار المآل.

4- (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ): أي: داعيًا إلى الخير أينما حَلَّ.

5- (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ).

6- (وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا).

7- (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي).

8- (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) أي: عاقًّا لها.

9- (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا).

- ثم قال -عز وجل-: (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ)، أي: قلت في شأنه الذي يتجادلون فيه قولَ الحق.

 - (مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، وبذلك نجّاها الله -تعالى-، وأمّنها مما تخاف، ومع ذلك استمرّ اليهود على بهتانهم!

- (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) (النساء:156)، وهو: رميها بالزنا، وهي بريئة قد برأها رب العالمين.

ويجب على المسلمين أن يشهدوا أن عيسى عبد الله ورسوله، ليس بإله ولا ابن لله -تعالى الله عما يقول النصارى علوًّا كبيرًا-، وأن أمه صديقة طاهرة مطهرة من الزنا -عليها السلام-.

- ومثلها في إنجائها من تهمة الزنا: عائشة الصديقة بنت الصديق، الطاهرة المطهرة، حبيبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المبرأة، برأها الله من فوق سبع سماوات بآيات عشرة في سورة النور تتلى في محاريب المسلمين إلى أن يُرفع القرآن من الأرض.

ومَن رماها بالزنا بعد تبرئة الله لها فقد كفر؛ لأنه لم يصدق رب العالمين في خبره؛ ويجب على كل مسلم أن يبرئها من اتهام الروافض -قبحهم الله- لها بالزنا.

- ومثلهما في إنجائه من تهمة الزنا: جريج العابد، وكان من عبَّاد بنى إسرائيل؛ تذاكر شبابٌ فاسدون عبادة جريج، وكان معهم امرأة بغيّ وضيئة، قالت: (إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ، قَالَ: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ، فَوَلَدَتْ مِنْكَ، فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ، وَقَالَ: يَا غُلَامُ مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ الرَّاعِي، قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا) (رواه مسلم).

- وتلكم الأم الصالحة التي آمنت بالله، وصدق إيمانها، ووجدت حلاوة الإيمان، عندما أخذها الجبابرة أصحاب الأخدود ليقذفوها في النار، ومعها وليدها، فكأنها تقاعست (تباطأت) شفقة على وليدها، فأنطق الله وليدها؛ ليثبتها الله على إيمانها، ولم يكن في شريعتهم عذر بالإكراه، بل لا بد من ثباتها على العذاب حتى الموت، ولينجيها من هذه الشدة العظيمة التي لا نجاة بعدها، وهي نار جهنم، فأنطق الله وليدها: (يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ) (رواه مسلم).

هكذا ينجي الله عباده المؤمنين وقت الهلاك بما معهم من آلة النجاة، وهي التقوى، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس: (احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، تَعَرَّفْ إلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

والله المستعان، وهو المسئول أن يحفظ علينا ديننا، وأمور دنيانا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً