الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

هل من علامات الساعة أن يهدم اليهود المسجد الأقصى؟

السؤال: هل من علامات الساعة أن يهدم اليهودُ المسجدَ الأقصى؟ وما واجب المسلمين تجاه حماية أولى القبلتين وثالث الحرمين؟

هل من علامات الساعة أن يهدم اليهود المسجد الأقصى؟
الخميس ١٣ فبراير ٢٠٢٠ - ١٧:٣٨ م
2314

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأما أنَّ مِن علامات الساعة أن يهدم اليهود المسجد الأقصى؛ فهذا لم يرد في الكتاب ولا في السنة، ولكن يمكن أن يقع ذلك، فليس هناك نص بحفظ الله -تعالى- للقدس كما وردت النصوص في حفظ مكة والمدينة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا) (متفق عليه)، وقال: (لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ) (متفق عليه)، وقال: (يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ) (متفق عليه)، وإنما لا هجرة بعد الفتح لأن مكة تصير دار إسلام وتظل كذلك، ولا يتمكن أحد من هدم الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة، ووردت الأحاديث الصحيحة بأن المسجد النبوي يظل قائمًا إلى زمن الدجال، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَجِيء الدَّجَّالُ فَيَصْعَدُ أُحُدًا فَيَنْظُرُ الْمَدِينَةَ فَيَقُولُ لأَصْحَابِهِ: أَتَرَوْنَ هَذَا الْقَصْرَ الأَبْيَضَ هَذَا مَسْجِدُ أَحْمَد،َ ثُمَّ يَأْتِي الْمَدِينَةَ فَيَجِدُ بِكُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَكًا مُصْلِتًا... ) (رواه أحمد، وقال الألباني: لا بأس به في الشواهد)، ولا يستطيع الدجال دخول المدينة، فهذا دليل على أن الكعبة والمسجد النبوي يظلان محفوظيْنِ بحفظ الله -عز وجل-، لا يصل الكفار إليهما ولا إلى هدمهما.

وأما المسجد الأقصى فقد هُدم قبل كذلك، فالمسجد الأقصى بناه إما إبراهيم أو إسحاق أو يعقوب -عليهم السلام-، والظاهر أنه إما إسحاق وإما يعقوب -عليهما السلام-؛ لأنه ما بين بناء الكعبة وبناء المسجد الأقصى أربعون عامًا، وجدَّده سليمان -عليه السلام-، وهذا دليل على أنه قد هُدم قبل ذلك.

ونعلم أيضًا أن النصارى لما دخلوا القدس في الحروب الصليبية وضعوا الصليب على قبة الصخرة المعروفة الموضوعة الآن، وجعلوا المسجد مزبلة، وُمنعت الصلاة فيه أكثر من بضع وثمانين سنة إلى أن حرره الله -تعالى- وأنقذه على يد صلاح الدين -رحمه الله-.

ولكن واجب المسلمين اليوم بلا شك أن يبذلوا كل طاقتهم في حماية هذا المسجد؛ لأن هذا فرض عليهم، وأن يمنعوا مِن إزالة أي جزء منه، والقدس كلها للمسلمين، والمسجد الأقصى جزء من القدس، وهو أغلى جزء فيها وأعز جزء على المسلمين، ويجب عليهم بكل طريق أن يمنعوا من وصول اليهود إليه، وإن كان أهم ذلك وأعظمه صدق التزامهم بالإسلام، وتطبيق ذلك في حياتهم؛ ذلك أنه حجر العثرة أمام أعداء الله -تعالى-.

وتأملوا متى يفكر اليهود في هدم المسجد الأقصى؛ إنهم يفكرون في ذلك عندما تضعف الأمة، وعندما تتفرق ويتمكن أهل البدع من أن يعلو صوتهم وتكون لهم الكلمة، وما حصل تمكنٌ لأعداء الله -في كل مرة- إلا بظهور أهل البدع، فعندما ظهرت بدع الدولة الباطنية -المسماة بالفاطمية- في العهد الأول، وسيطروا على مصر والشام والحجاز، وصارت الكلمة المعلنة فيها كلمة الرافضة الشيعة مع أن الباطنية أضل من الرافضة فهم كفار نوعًا وعينًا، فهم شر طوائف الرافضة الغلاة؛ إلا أنهم كانوا يعلنون الرفض، ويُعلنون أنهم كانوا إمامية، ولا يقدرون على أن يصرحوا بالكفر البواح الذي هم عليه؛ فعند ذلك أخذ الصليبيون بيت المقدس.

وعندما ظهرت الصوفية الغالية، وسيطرت على الدولة العثمانية، وصارت دعوة التوحيد محاربة في بلاد المسلمين، وظهرت النعرات القومية: العربية والتركية والفارسية؛ استولى الكفار -أيضًا- على بيت المقدس.

واحتلال اليهود للقدس اليوم ليس كما يظن كثير من الناس أنه في منذ سنة 67 فقط؛ بل جذوره في آخر الحرب العالمية الثانية عندما دخلوا وأخذوا الشام: دمشق والقدس، وعندما انهزمت الدولة العثمانية، فاحتـُلت كل بلاد المسلمين عدا جزيرة العرب، وبعض البلاد المتفرقة الأخرى، لكن عامة بلاد المسلمين دخلتها جيوش الاحتلال الغربي في حربهم العالمية الأولى، وعقب هذه الحرب صدر وعد "بلفور" سنة 1917م بتمكين اليهود من فلسطين، وما وعد الإنجليز هذا الوعد إلا بعد أن احتلوا بجيوشهم القدس، واحتلوا فلسطين وسوريا، فعندما احتـُلت هذه البلاد تمكَّن اليهود من ذلك، ودخلوا بجيوشهم مباشرة عندما ازداد الأمر سوءًا وسوادًا وظلمة بتمكن النعرات القومية: القومية العربية، والاشتراكية العربية، والعلمانية بوجوهها المختلفة من بلاد العالم الإسلامي، عند ذلك تمكن اليهود.

لا أنسى هذه الأيام عندما كانت الصلاة أمرًا نادرًا في الفترة التي سبقت احتلال القدس سنة 1967م، بل كانت أمرًا يُسخر منه، وكان المعتاد أن تلبس الفتاة "الميني جيب" و"الميكرو جيب" وكان أمرًا عاديًّا في الجامعات كلها، لا تراه اليوم بفضل الله -تعالى-، حتى المتبرجات الآن يتستحين أن تظهر الأفخاذ بهذه الطريقة، والله كانت أيامًا فيها من الشدة ما فيها، فلم يكن هناك حجاب واحد في الطرقات كلها، وكل النساء كنَّ كاشفات الشعور إلا قلة يسيرة، حتى في الريف كان البلاء عظيمًا؛ الصلاة مضيعة، الحرمات منتهكة، الصد عن سبيل الله كان عظيمًا، ثم كسرهم الله -تعالى- في 67، واحتـُلت هذه البلاد، لكن ذلك كان -بفضل الله- مِن أسباب عودة الأمة إلى دينها.

واليوم عندما يظهر الرافضة، وتكون الكلمة في المقاومة مسموعة لهم، ولا يوجد من يعارض المخططات في الظاهر إلا الرافضة؛ فعند ذلك يتمكن الأعداء، ونسأل الله العافية، وهذا والله بلاء شديد وأمر عظيم أن يُقدِم اليهود على ذلك حتى يُدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا من دخول المسجد الأقصى، فيمنعون مَن كان دون الخامسة والأربعين من الدخول لصلاة الجمعة في المسجد الأقصى، أمر غاية في فالألم، ونسأل الله العافية، وهو صدٌّ عن سبيل الله، ومنعٌ لمساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وسعيٌ في خرابها، وهُم أظلم خلق الله.

ولكن المسئولية مشتركة بين كل المسلمين أن يكونوا جميعًا صادقين في التزامهم، فلو أن المسلمين في بلادهم كانوا أقوى وأثبت على التزامهم؛ لأعاد اليهود الحسابات عشرات المرات، ولكن الذي يجرئهم أنواع الفساد المستشرية وأنواع التخلي عن الدين، وهم لا يعبئون بالمظاهرات ونحوها، فواجبنا أن نحقق الالتزام الصادق علمًا وعملاً، فهمًا لقضايا الدين: الإسلام والإيمان والإحسان، ودعوة إلى الله، وصبرًا وثباتًا، وألا نتنازل عن الحق الذي أوحي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، عند ذلك سوف تتغير الموازين، ونسأل الله العفو والعافية.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com