الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الشيخمهندس-2

الشيخمهندس-2
خالد فوزي
الأحد ٠٨ مارس ٢٠٢٠ - ٠٩:٥٢ ص
653

الشيخمهندس-2

كتبه/ خالد فوزي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ 

فقد تناولتُ في المقال الماضي بعضًا من الأخطاء الهندسية بالنظر إلى المشروع في مشعر منى موضع الجمرات، وكذلك في تبليط أرضية الحرم المكي الشريف في المطاف، وأستكمل ههنا بعضًا من الأخطاء التي سببها عدم وجود (الشيخمهندس) في اتخاذ هذه القرارات على ما يبدو.

المسعى:  

كنتُ زرت منطقة بحرة، ورأيت في أحد المصانع التي يعمل فيها الصينيون الإطار الخرساني (الفريم) المقترح للمسعى، وعلمت بأن عرضه سيكون ضعف المسعى القديم، لكن تعجبت أن لا يكون معهم فتوى في ذلك؛ ولأجل هذا حصل ما حصل مِن رفض بعض العلماء، ومنهم سماحة مفتي السعودية لذلك؛ لكون الساعي لا يكون ساعيًا في بعض سعيه بين الصفا والمروة للبعد عنهما، وإن كنت أراه جائزًا؛ لأن البينية تحتمل ذلك البعد كما في حديث الصحيحين في الدجال: (إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ)، أو حديث أبي داود: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تَلَقَّى جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَالْتَزَمَهُ، وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ"، أو تقبيل أبي بكر بين عيني النبي عند موته -صلى الله عليه وسلم- كما في رواية النسائي، وجاءت مفسرة في رواية أحمد بأنها جبهته، فبين العينين الجبهة، والجبين مرتفع عن العينين، ولكنه بينهما، فكذا الساعي في المسعى الجديد، لكن كنت أود لو كان الأمر منوطًا بالشيخمهندس قبل عمله، حتى لا يجد المسلم التضارب في الفتاوى في وجوب الفدية على مَن سعى في المسعى الجديد.

وأمر آخر منوط بالمسعى الجديد، فإنه معلوم لكل حاج ومعتمر سنية الهرولة في الوادي؛ أي بين العلمين؛ ولما كان المسعى الجديد نُفذته الشركات الصينية، فلم يكن وضع الأبواب فيه مدروسًا مع السعي بين العلمين، فقد وضع بابٌ للسعي في المسافة التي يهرول فيها الناس، فكيف يتصور دخول الناس منه وقت الزحام والهرولة، كما أن الداخل يحتاج أن يبدأ السعي من الصفا فيرى الصفا قربه فيعكس الاتجاه، وهذا قد يكون متاحًا في غير أوقات الزحام، لكن أتساءل: هلا كان الباب مفضيًا إلى الصفا ولو بممر خارج المسعى بدل هذا الإشكال الذي سببه وضع الباب الحالي، كنت أود لو كان الأمر منوطًا بالشيخمهندس قبل عمله.   

بناء الحرم الجديد:

خلق الله -تعالى- الإنسان (المكرم في الخلق) على تماثل في الشكل فله يدان ورجلان وغير ذلك بالتماثل، وعينان وحتى في جانبي أنفه وفمه وغير ذلك كله على التماثل، فصارت رؤية العين يطيب لها التماثل؛ ولذا كنت نحب أن يكون بناء الحرم الجديد على التماثل في منطقة المطاف، وأن يكون البناء أشبه بالشكل البيضاوي، ولو كان مضلعًا.

وأمر آخر: فقد كنا قبل التوسعات في الحرم، وحتى بعد توسعة الملك فهد -رحمه الله- لا نشعر بكون الكعبة في الوادي، بل ننزل بضع درجات، ثم نمشي، ثم ننزل درجات أخرى، وهكذا، لكن مع التوسعة الجديدة صار عدد الدرجات قرب المطاف كثيرًا؛ فشعرنا بأننا ننزل الوادي، ولعل الأمر الأول كان أفضل من وجهة نظري، والله أعلم.

النجمة الثمانية والصلبان:

لما فتح المسلمون البلدان التي كانت نصرانية، وبنوا فيها المساجد، ودخل الناس في دين الله، وتحولت الكنائس إلى مساجد، وكان لابد من حل هندسي لمشكلة الصلبان التي في بنائها، ففي البخاري عن عائشة -رضي الله عنها-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ"، فابتكر المهندسون نقضًا لهذه الصلبان ذات الأطراف الأربعة بوضع مربعات مائلة، فظهر الشكل المسمى بالنجمة الثمانية، فكانت حلًّا لهذه المشكلة.

إلا أنه في العهود اللاحقة ظن الناس أن هذه من العمارة الإسلامية، فانتشرت أنها من الأشكال الإسلامية، وإذا وضعت نجمات أربع في مربع، تشكل من فراغاتها صليب واضح، وقد انتبه له في بعض المساجد في الأشكال الجبسية، فبدأوا في محاولة نقضه بوضع شيء في هذه الفراغات، وإنما جاء هذا من استخدام هذه النجمات أو الوردات الثمانية.

ولذا ففي بناء مبنى دار الحديث الخيرية بعوالي مكة كان الحرص أن تكون الوردة عشارية، وليست ثمانية، فعسى المهندسون المعنيون ببناء الحرمين والمساجد ينتبهون لذلك.

كما لابد التنبه أيضًا عند تصميم المساجد في مكاتب استشارية أجنبية -وليته لا يكون-: أن أفكار هؤلاء عما يُسمَّى: "العمارة الدينية" هي الصلبان، فيضعونه حيث يستطيعون، وإذا رأيت بعض المساجد الحديثة في بلاد المسلمين، تجد المساقط الأفقية "البلانات" على شكل صليب، فالرائي مِن علو للمسجد يجد المسجد مع ملحقاته على صورة الصليب الصريح، والله المستعان.

فهذا مِن أهم ما نحتاج فيه إلى الشيخمهندس.

والله -تعالى- أسأل أن يبصرنا بالحق، ويهدينا إلى سواء السبيل.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة