الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

البخاري وصحيحه الجامع (15) مَن ثبت فيه الطعن ولم يضر الرواية

ممن ثبت فيهم الطعن المقيد راعى البخاري هذا القيد عند إخراجه لحديثه في الصحيح

البخاري وصحيحه الجامع (15) مَن ثبت فيه الطعن ولم يضر الرواية
شحات رجب بقوش
الثلاثاء ٢١ أبريل ٢٠٢٠ - ٢٠:٥٤ م
636

البخاري وصحيحه الجامع (15) مَن ثبت فيه الطعن ولم يضر الرواية

كتبه/ شحات رجب بقوش

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد وقفنا مع مَن أخرج له البخاري في الصحيح، وقد تكلم فيه أحد النقاد أو بعضهم، ومع سبر حال الراوي وجد أن الطعن لم يثبت، وفي هذا المقال نتعرض لصنفٍ مِن الرواة قد ثبت فيهم الطعن، لكنه لم يضر الرواية، وهذا الصنف كثيرًا ما يقدم الطعن في البخاري من بابه، وتحرير محل النزاع يحل الإشكال، فالبخاري كتاب رواية حديث، فلو كان الراوي ضعيفًا في الفقه أو اللغة أو القراءات؛ إلا أنه ضابط في روايته للحديث فلا يضر ضعفه فيما ذكر، ولا يعاب إخراج البخاري لحديثه.

مثاله: عكرمة مولى ابن عباس، قد تُكلم فيه مِن حيث إنه يرى بعض قول الخوارج، وكان يقبل الهدايا من السلطان، وأنه قيل فيه: "كذب على ابن عباس"، ودارات حلقات تلفزيونية حول هذا الكلام، وكيف أخرج له البخاري في صحيحه!

وقد رد كثيرٌ من العلماء هذه الشبهة في الكتب التي ترجمتْ لعكرمة، وملخص ردهم: أن الشبهتين الأوليتين لا علاقة لهما بالرواية؛ إذ إن مدار الرواية على الضبط والصدق، فكونه يرى بعض قول الخوارج طالما لم يدفعه ذلك للكذب فلا يقدح، وهدية الأمراء هي أمر اختلف فيه العلماء، ولا ينكر عليه طالما لم يؤثِّر ذلك على الرواية، أمَّا كونه اتهم بالكذب عن ابن عباس، فمنسوب ذلك القول إلى ابن عمر -رضي الله عنهما-، وهذا الاتهام بالكذب ليس في حديث النبي فلا يوصف حديثه بالموضوع، إنما حديث المتهم بالكذب في حديث الناس يكون حديثه متروكًا وهو مِن باب المردود أيضًا، لكن تبين أن من لغة أهل الحجاز أنهم يطلقون الكذب بمعنى الخطأ، وعندما قيل: كذب على ابن عباس، أي: أخطأ في نقل الفتوى عن ابن عباس حيث كان لابن عباس مذاهب رجع عنها: كالقول بالمتعة، والصرف، وكان عكرمة لا يعلم برجوعه، فيحدث الناس بها فاتهمه بعضهم بالكذب، غير أنه قد توبع مِن غيره فعلم المحدثون الذين تأخروا أنه ظلم وما كذب، وفي هذا رد على مَن زعم أن المتقدمين كذبوه والمتأخرين قبلوه.

وممن ثبت فيهم الطعن المقيد راعى البخاري هذا القيد عند إخراجه لحديثه في الصحيح، كأن يكون الراوي اختلط في آخر عمره، لكن البخاري علم أن هذا المختلط منعه أهله من التحديث بعد الاختلاط فلا يضر اختلاطه ويخرج البخاري له، ومثاله: جرير بن حازم، وحجاج بن محمد الأعور المصيصي، وقد كانا ثقتين قبل الاختلاط ولم يحدثا بعد اختلاطهما، وأخرج البخاري لهما في صحيحه.

أو الراوي كان ثقة ثم اختلط، وحدث بعد الاختلاط فيراعي البخاري إخراج حديثه عمن سمع منه قبل الاختلاط، ومثاله: حصين بن عبد الرحمن السلمي، قال أحمد بن حنبل: "حصين بن عبد الرحمن، الثقة المأمون، من كبار أصحاب الحديث؛ إلا أنه اختلط في آخر عمره"، ومع هذا فقد أحتج البخاري بحديث مَن سمع منه قبل الاختلاط، ومَن سمع منه بعد الاختلاط روى لهم استشهادًا مما توبعوا عليه.

وقد سمع منه قديمًا قبل أن يتغير سليمان التيمي، وسليمان الأعمش، وشعبة، وسفيان، وهشيم بن بشير، وزائدة بن قدامة، وخالد الواسطي، وسليمان بن كثير. وممَن روى عنه بعد الاختلاط: حصين بن نمير وأبو عوانة، وأبو بكر بن عياش، وأبو كدينة، وعبثر بن القاسم، وعبد العزيز العمي، وعبد العزيز بن مسلم، ومحمد بن فضيل، وقد أخرج البخاري من حديثهم ما توبعوا عليه.

ومِن الطعن المقيد: أن يكون الراوي ضعيفًا في أحد شيوخه، فيتجنب البخاري رواية هذا الراوي عن ذلك الشيخ، مثاله: الربيع بن يحيى بن مقسم، من شيوخ البخاري وهو ثقة؛ إلا في الثوري، والبخاري لم يخرج حديثه إلا عن شيخه زائدة، وتجنب حديثه عن الثوري.

ومِن الطعن المقيد: أن يكون الراوي يحفظ حفظ كتاب لا حفظ صدر، فلا يروي البخاري عنه إلا إذا حدثه مِن كتابه، أو حدثه الشيخ والبخاري ينظر في كتابه بنفسه، كما حدث مع إسماعيل بن أبي أويس، كان ضعيف الحفظ ضابطًا لكتابه، وعنده حديث خاله الإمام مالك بن أنس، فلما أراد البخاري الرواية عنه راعى ضعف حفظه، وطلب منه الكتاب لينظر فيه.

ومِن هذا العرض يتبين: أن الذي يطعن في رجال الصحيح لكلامٍ فيهم؛ أن هذا الكلام لم يكن بمنأى عن البخاري، بل عَلِمَه وعرف كيف يتعامل معه، مراعيًا صحة الرواية، وهو ما يعرف أكاديميًّا في الدراسات الحديثية الحديثة بـ"نظرية الانتقاء عند البخاري"، ومفادها: أن البخاري قد راعى جيدًا كيف يقف على الرواية الصحيحة عن الراوي حتى لو كان الراوي متكلَمًا فيه؛ فلو كان الكلام مقيدًا بحالٍ تجنب البخاري هذه الحال، وأخرج الحديث مِن غيرها، وإن كان الطعن مطلقًا أخرج له البخاري ما وافق فيه الثقات، وهو ما يُعرف بتصحيح الحديث بالمتابعات والشواهد.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة