الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

عِبَر من نازلة كورونا (7) خلوة اضطرارية

فالخلوة المنضبطة: فراغ للعبادة، واستئناس بمناجاة الله -سبحانه وتعالى-،

عِبَر من نازلة كورونا (7) خلوة اضطرارية
سعيد محمود
السبت ٢٥ أبريل ٢٠٢٠ - ٢٢:٣١ م
721

عِبَر من نازلة كورونا (7) خلوة اضطرارية

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمن العِبَر المأخوذة من نازلة كورونا: ما كان مِن آثار الإجراءات الاحترازية والوقائية لمواجهة الوباء، والتي منها التوجيه بالالتزام بالبيوت ومنع التجول، مما أدَّى إلى بقاء الإنسان في بيته لأوقاتٍ طويلةٍ، بعيدًا عن مخالطة الناس؛ لا سيما مَن اعتاد كثرة المخالطة: كالدعاة إلى الله، وطلبة العلم، الذين كانت وجوه الدعوة إلى الله على اختلافها تجعلهم في اتصالٍ مباشرٍ واختلاطٍ كثير مع الناس، فإنهم فجأة وجدوا أنفسهم في خلوة أو شبه خلوة اضطرارية.

ومعروف أن أكثر الدعاة العاملين لا يحبون الخلوة الكثيرة الطويلة التي تبعدهم عن العمل الدعوي بين الناس؛ ولذلك فهم في هذه الأيام يعانون ألم البُعد والانفصال عن الجماهير التي هي مجال عملهم الأعظم.

- فهؤلاء الأفاضل نقول لهم: جزاكم الله خيرًا على ما تقدمون، وأحسن الله عزاكم في مصابكم، ولكن... عزاكم أن تغتنموا هذه الخلوة الاضطرارية في تعليم الناس آداب الخلوة وأحكامها بطريقة عملية، ولعل ذلك من رحمة الله بكم، حيث إن منكم مَن هو في حاجة إلى خلوة مؤقتة، ولكنه لكثرة الشواغل الدعوية صار لا يستطيع ذلك.

- فلعل هذه فرصة لكي تأخذوا هذه المنحة من ربكم، فالخلوة لها فوائد عظيمة كبيرة وعظيمة؛ لا سيما إذا كانت منضبطة بكلام أهل العلم الذين قارنوا بينها وبين الخلطة، وخلصوا إلى أن الصحيح هو أن الخلطة أعظم وأجرها أفضل، لكن لا بد للإنسان من خلوة وعزلة مؤقتة كل حين، وهذا هو الذي يحمل عليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "خُذُوا بِحَظِّكُمْ مِنَ الْعُزْلَةِ" (الزهد و الرقائق لابن المبارك)، وقول سعد بن أبى وقاص -رضي الله عنه-: "لوددتُ أن بيني وبين الناس بابًا مِن حديدٍ، لا يكلمني أحد، ولا أكلمه حتى ألحق بالله -تعالى-" (التبصرة لابن الجوزي)، وقول أبي الدرداء: "نِعْمَ صَوْمَعَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ بَيْتُهُ، يَحْفَظُ عَلَيْهِ نَفْسَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، وَإِيَّاكُمْ وَمَجَالِسَ السُّوقِ؛ فَإِنَّهَا تُلْهِي وَتُطْغِي" (الزهد والرقائق لابن المبارك)، وقول داود الطائي: "فِرَّ مِنَ النَّاسِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ" (مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة)؛ فكل ذلك لا بد من حمله على ما سبق.

وكما ذكرنا فإن الخلوة المنضبطة كلها فوائد كثيرة عظيمة:

- فالخلوة المنضبطة: فراغ للعبادة، واستئناس بمناجاة الله -سبحانه وتعالى-، حيث الإكثار من الصلاة والقرآن، وغيرها.

- والخلوة المنضبطة: تخلص مِن كثير من المعاصي التي يتعرض لها الانسان غالبًا بالخلطة: كالغيبة والنميمة، والرياء، ومشاهدة المنكرات، ومسارقة الطباع الرديئة.

- والخلوة المنضبطة: خلاص من الفتن والخصومات والخوض فيها.

- والخلوة المنضبطة: خلاص من شر الناس الذين يؤذونك بألوانٍ مِن الأذى.

- والخلوة المنضبطة: خلاص من مشاهدة الثقلاء والحمقى، ومقاساة أخلاقهم.

- ولذلك في الختام أنصح نفسي وإخواني الذين صاروا مِن أهل هذه الخلوة الاضطرارية إلى الاستفادة منها في إعادة ترتيب الأمور والأموال وإصلاح النفوس والقلوب، والفوز بأكبر قدرٍ مِن صور العبادات التي تتعذر في غير زمان الخلوة المنضبطة.

نسأل الله أن يرفع عنا البلاء، ونسأله صلاح الدين والدنيا.

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة