الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواقع التواصل الاجتماعي.. قيم دستورية جوهرية ومرتكزات قانونية

مواقع التواصل الاجتماعي.. قيم دستورية جوهرية ومرتكزات قانونية
محمد صلاح خليفة
الثلاثاء ٢٨ أبريل ٢٠٢٠ - ٢٠:١٢ م
567

مواقع التواصل الاجتماعي.. قيم دستورية جوهرية ومرتكزات قانونية

 

كتبه/ محمد صلاح خليفة

آثارت بعض الصور والمقاطع المرئية المصورة على مواقع التواصل الاجتماعي بصفة عامة جدلًا واسعًا؛ تحول مع زيادة تلك الظاهرة إلى ردود أفعال غاضبة في الشارع المصري؛ وذلك لقيام بعض الفتيات بنشر صور فوتوغرافية، ومقاطع مرئية تحتوي على إشارات وإيحاءات خادشة للحياء، ومخلة بالآداب العامة، والقيم المجتمعية والأسرية، وتطورالأمرسوءًا ومعه استشاط غالبية المصريين غضبًا، بدعوة إحداهن لمتابعيها لتصويرمقاطع مرئية، وتعرض على تلك التطبيقات والمواقع؛ مقابل الحصول على مبالغ مالية تدفع بالدولارالأمريكي من قبل إدارة تلك المواقع؛ وفق شروط معينة، وباستخدام لألفاظ وإيحاءات، يتم الاتفاق عليها سلفًا.

هذا ما اعتبره المتابعون لتلك المواقع حضًا ودعوة إلى الفسق والفجور، واستغلالًا للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها فئات عديدة من الشعب المصري؛ جراء ما يتعرض له العالم كله، ومصر بطبيعة الحال من وباء كورونا المستجد، وآثاره السلبية على الاقتصادين العالمي والمصري.

ما استدعى التدخل الفوري من السيد المستشار/ حماده الصاوي النائب العام، بعد أن تمكنت وحدة الرصد بمكتبه من متابعة ردود فعل كثير من المواطنين؛ والذين طالبوا باتخاذ الإجراءات القانونية تجاه تلك الدعوات الحاضة على الفحش، وإفساد الأخلاق؛ حيث حسم ذلك الجدل وطمَّأن المجتمع المصري، وأكد على حراسة الدولة المصرية لقيم وأخلاق الأسرة المصرية؛ باعتبارها الوحدة الرئيسة التي يقوم عليها البنيان الاجتماعي؛ إذ أصدر أوامره بالتحقيق في تلك الوقائع بتهمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية، وإنشاء وإدارة واستخدام مواقع وحسابات عبرمواقع التواصل الاجتماعي؛ لارتكاب وتسهيل ارتكاب جرائم، وكذا استخدام واستغلال فتيات من المتابعات في أعمال منافية للمبادئ وللقيم المجتمعية؛ نظير مبالغ مالية أجنبية، وأصدر بيانًا مطولًا حول هذه القضية، أثلج صدور غالبية المصريين؛ والذين يمثل لهم التدين والأخلاق والعادات والأعراف الحميدة مرتكزات أساسية وضمانات جوهرية لاستقرار المجتمع وأمنه وتقدمه.

وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الدستور المصري الحالي في مادته (189) قد أناط بالنيابة العامة تولى إجراءات التحقيق، وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية؛ باعتبارها النائبة عن المجتمع، وتمثله في رفع الدعوى الجنائية؛ إذ إن الأصل في الدعوى الجنائية عموميتها، وأنها ملك للجماعة الوطنية؛ لكن نيطت مباشرتها بالنيابة العمومية بصفتها ممثلة عنها، تتولى تمثيلها في مصالحها العامة، وقد أوضحت المادة الثانية من قانون الإجراءات الجنائية المصري، أن النائب العام وحده هو الوكيل عن الهيئة الاجتماعية في مباشرة وتحريك الدعوى الجنائية، ومتابعة سيرها حتى صدور حكم فيها، والذي بدوره يملك أن يمارس هذا الاختصاص بنفسه، أو أن يكل ويعهد به لغيره من أعضاء النيابة العامة.

 

 

وحيث قد أشار بيان السيد المستشار النائب العام إلى حروب الجيل الرابع والحروب السيبرانية؛ والتي فرضت واقعًا جديدًا على المجتمع المصري استلزم من النيابة العامة؛ باعتبارها أمينة على الدعوى الجنائية، التصدى لتلك الحروب؛ حيث قد نشأت حدود رابعة جديدة؛ بخلاف ما نصَّ عليه الفقه الدستوري؛ من اعتبار الإقليم هو المكان المحدود بحريًا وجويًا وبريًا، وتلك الحدود الرابعة هي الحدود السيبرانية المعلوماتية؛ إذ تستخدم الدول الكبرى ذلك النوع الجديد من الحروب -غيرالمكلفة بشريًا واقتصاديًا، كما هي الحروب العسكرية النمطية- للسيطرة على مقدرات دول أخرى، عن طريق تغييرهوية وثقافة شعوبها وأخلاقهم وعاداتهم.

 وقد عنيت الدساتير المصرية المتعاقبة بحراسة القيم الأخلاقية للأسرة المصرية؛ باعتبارها قيم دستورية جوهرية، يمثل المساس بها والتلاعب بأصولها وفروعها مساسًا بالأمن القومي الاجتماعي للدولة؛ إذ نصت المادة (9) من الباب الثاني (المقومات الأساسية للمجتمع) من دستور1971على أن:-

(الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد، مع تأكيد هذا الطابع وتنميته في العلاقات داخل المجتمع المصري)

وكذا نصت  المادة 10 من الدستور المصري الحالي على أن:-

(الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها)

ولقد كرست المحكمة الدستورية العليا في أحكامها المختلفة لترسيخ تلك القيم المجتمعية، إذ تواترت أحكامها، على أن وحدة الأسرة المصرية وتماسكها، يقتضي ضرورة توكيد القيم العليا النابعة من اجتماعها؛ وصونًا لأفرادها من مخاطر التغير والضياع، على أن يظل رباط هذا التماسك هو الدين والأخلاق، وأنه يتعين أن يكون مفهوم الأسرة ومتطلباتها نائيًا بها عما يقوض بنيانها، أو يضعفها أو يقود إلى انحرافها؛ وإلا كان ذلك إخلالًا بوحدتها؛ التي قصد الدستور صونها، كما أن قوام الأسرة المصرية هو الدين والأخلاق والوطنية، وأن صون طابع الأسرة المصرية الأصيل بما تقوم عليه من القيم والتقاليد يعد التزامًا على الدولة، يقع على عاتقها بمختلف مؤسساتها العمل على تنميته وتوكيده داخل المجتمع، بما يضمن وحدة الأسرة وتماسكها بما يحفظ قيمتها، ويرسي قواعدها على الدين والخلق القويم.

وإزاء تلك التحديات والحروب الجديدة أشار بيان السيد/ النائب العام إلي ضرورة إحداث تغيرات جذرية في سياسة التشريع والضبطيات الإدارية والقضائية للمحافظة على القيم الدستورية الجوهرية؛ التي نص عليها الدستور، ورسختها وكرست لها أحكام المحكمة الدستورية العليا.

 

 

وقد كان لمجلس النواب المصري السبق في اتخاذ الخطوات التشريعية اللازمة لمواجهة تلك الحروب؛ والتي تمثل أحد المرتكزات القانونية للمحافظة على القيم المجتمعية؛ التي يمكن اختراقها وانتهاك حدودها عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ تحقيقًا للحرب السيبرانية الشاملة؛ إذ أصدر مجلس النواب قانون مكافحة جرائم  تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، والذي وضح المقصود بشبكة المعلومات وما تحويها من مواقع وحسابات شخصية خاصة، والمسئولية الجنائية عن المحتوى الوارد فيها، والعقاب المنصوص عليه حال الإخلال بالالتزامات القانونية الواردة فيه، والموضوعة خصيصًا للحفاظ على القيم الدستوررية الجوهرية، فقد نصت المادة (27) من القانون المشار إليه على أنه (في غير الأحوال المنصوص عليها في هذا القانون يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لاتقل عن مائة ألف جنية ولا تزيد عن ثلاثمائة ألف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنشأ أو أدار أو استخدم موقعًا أو حسابًا خاصًا على شبكة معلوماتية يهدف إلى ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة) ومن ثَمَّ فقد وضع هذا القانون حدًا للحالة الغثائية التي وصل إليها استخدام تلك الوسائل، استخدامًا سيئًا، يعد انتهاكًا لبعض المصالح المجتمعية الجوهرية؛ التي تغيي المشرع الحفاظ عليها، وعدم تعريضها للخطرالمحقق أو الضررالمتوقع.

وكما كان قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أحد المرتكزات القانونية لحماية القيم الدستورية الجوهرية، كان كذلك قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937والمعدل بالقانون رقم 147 لسنة 2006؛ إذ استبدل نص مادة 178؛ ليكون:-

(يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه كل من نشر أو صنع أو حاز بقصد الإتجارأو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض مطبوعات أو مخطوطات أو رسومات أو إعلانات أو صورًا محفورة أو منقوشة أو رسومًا يدوية أو فوتوغرافية أو إشارات رمزية أوغير ذلك من الأشياء أو الصورعامة إذا كانت خادشة للحياء العام)

إذ تضمنت هذه المادة المُضافة لقانون العقوبات عام 2006 صورًا متعددة لخدش الحياء العام والآداب والأخلاق، ما يعد انتهاكًا لقيم دستورية جوهرية؛ وذلك عن طريق النشر والإذاعة والإعلان عن صور ومحتوى خادش للحياء بقصد إفساد الأخلاق، ولاشك أن الإعلان عن ذلك عبر وسائل التواصل  الاحتماعي والتي يمكن اعتبارها من قبيل الأماكن العامة، أو حتى الأماكن العامة بالتخصيص؛ أي التي رخصت لروادها جميعًا الدخول عليها واستخدام محتوياتها، إذا تضمنت الصورة والمقاطع المنشورة عليها ألفاظًا خليعة أو مغايرة لقواعد الأخلاق والآداب المتعارف عليها في المجتمع؛ فإنه يعد حضًا على الفجور والفسوق والمجون المعاقب عليها قانونًا.

وحسنًا فعلت اللجنة التشريعة بمجلس النواب، عندما تصدت لمشروعي قانونين قُدما عام 2016، بشأن تعديل المادة سالفة الذكر؛ لإلغاء عقوبة الحبس الواردة في المادة؛ حيث رفضت اللجنة مشروعي القانونين، وأبقت على النص كما هو وارد، بوجود عقوبة الحبس؛ للمحافظة على وجود مرتكز قانوني لحماية قيم الأسرة المصرية، وإن كانت عقوبة الحبس تخيرية في نص المادة؛ إلا أن بقاء هذا المرتكز القانوني للعقاب خير من إلغاء عقوبة الحبس، والإبقاء علي عقوبة الغرامة –الهزيلة- كعقوبة وحيدة؛ والتي لا تحقق فكرة الردع العام لكل من يحضه شيطانه وتزين له نفسه انتهاك تلك المصلحة المحمية دستوريًا، وهي مصلحة بقاء الطابع الأخلاقي الأصيل للأسرة المصرية، لبنة المجتمع الأساسية؛ التي قوامها الدين والأخلاق والوطنية المصرية، كما وصفتها مواد الدساتير المصرية المتلاحقة، وفسرتها وأكدت عليها أحكام الدستورية العليا، كما لا يمكن لعقوبة الغرامة وحدها أن تحقق الردع الخاص لكل حالة تعرض علي القضاء؛ لاسيما مع ما تقدمه تلك الوسائل من مبالغ مالية بالنقد الأجنبي، تحسب وفق عدد المشاهدات والتعليقات والمتابعين، يمكن أن تكون من الكفاية بمكان لسداد تلك الغرامة؛ والتى لا تزيد في حدها الأقصى عن عشرة آلاف جنيه مصري.

ورغم وجود تلك المرتكزات القانونية الحامية لقيم الأسرة الأجتماعية؛ باعتبارها الوحدة الأساسية للهيئة الوطنية، فمازال الطريق طويلًا على كافة المستويات؛ لتحقيق الحفاظ على تلك القيم في ظل حروب الجيل الرابع والحروب السيبرانية؛ بل وحروب الجيل الخامس الأكثر سرعة وقوة وتجددًا؛ والتي يمكن أن تبدأ خلال عامين من الآن، كما يتوقع البعض ذلك في عام 2021؛ فالأمر يحتاج إلى جهود حثيثة من الكافة؛ بل وثابات سريعة تواكب سرعة الأحداث والمتغيرات؛ للتصدي لتلك الحروب الهادفة إلى تهديد القيم الأخلاقية وانتهاكها، وتزيين الفحش والبذاءة وسوء الأخلاق، وتغيير هوية وثقافة المجتمعات، بحسب بيان النيابة العامة.

وبالطبع فإن هذه مسؤلية تقع على الدولة بمؤسساتها المختلفة، التنفيذية والتشريعية والقضائية، والمؤسسات الدينية، ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدني الوطنية، والآباء والأمهات والأبناء باتخاذ مزيد من  الإجراءات العملية المنظمة؛ التي تحمي مكارم الأخلاق النابعة من الدين والوطنية، وتهدم الفحش والبذاءة والفجور.

 نسأل الله أن يعيننا جميعًا على أداء كل منا دوره تجاه أمته ودولته ومجتمعه في إطار من الدين والأخلاق والوطنية.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com